2019 سنة الرمال السورية المتحرّكة

تطوي روزنامة الموت السورية عاماً آخر. دامٍ كسوابقه منذ انقلاب أعشار الألفية نحو حقبة الثورة، عام مختلط الملامح، حافل بالانكسارات، وضاجّ بالمذابح، لكنّه عام فريد في تحولاته الجيوستراتيجية.

 قد يكون بداية مبكرة للعشرية الثانية، التي سترسم مصير هذا البلد لزمان طويل مقبل، عام ارتسم على مدى حوادثه المتلاحقة، ووضع أسس الجيوستراتيجا المبتسرة لأرض مادت كثيراً خلاله، وتحوّلت خطوط حدودها في داخلها وعلى أطرافها غير مرّة، بعنف مفرط، وفجائية صادمة.

بعد سقوط آخر بؤر سيطرة تنظيم "داعش" وتشظي التنظيم إلى كيان غير محدد الجغرافيا في البادية، تحت أنظار الروس والنظام، وعلى تخوم المستعمرات الإيرانية في دير الزور، أقفل عام "داعش" على صاعقة قتل زعيمه أبو بكر البغدادي في ريف إدلب، حيث لا تجد التوقعات المباشرة في السياسة والحرب ما يدعمها، بل إنّه حدث دفع رأس النظام إلى سيل لم ينته بعد من الهراء الصرف.

دفعت وحشية القصف الروسي النظام نحو مزيد من السيطرة، سقطت مدن غالية بمرارة موجعة، وتشرد مئات الآلاف من السوريين لمرّة ثانية وثالثة ورابعة.

نفذّت تركيا وعيدها بنفاذ الصبر على وجود مليشيات "قسد" التي يقودها الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني -المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا وأميركا وأوروبا- ودفعت الجغرافيا السياسية في سوريا نحو تحولات إضافية، وأعادت صياغة موازين القوى والحضور.

قرر ترامب سحب قواته من سوريا مرّات عدّة وغير رأيه مرّات عدّة، ليؤول الحال إلى إعلان وضع اليد على النفط.
تلاشت قدرة رشاوى التعافي الإيرانية في مناطق سيطرة النظام، وعادت دمشق إلى سيرة تقنين الكهرباء الفظ، وأزمات الوقود المتلاحقة، وطوابير الغاز، والارتفاع الهستيري للأسعار، ليكتمل طوق الإملاق المفضوح بانهيار سعر الليرة، وباتت عتبات صرف -كانت في ما مضى مجرد خيال- أمراً واقعاً لعملة يتم الدفاع عنها بمزيد من الهراء.

اختتمت 2019 مشاهد رمالها المتحركة، التي ابتعلت كلّ أوهام انتهاء الحرب عند معسكر النظام وداعميه من دول ومنظمات إرهابية، بقانون "قيصر" الذي سيفرض إيقاعاً جديداً في حركية مضادة لما سعى الروس خصوصاً إلى بنائه عبر بروباغندا السوخوي باعتباره أمراً واقعاً يقضي بانتصار الأسد.

عشرية ثانية مبكّرة على الأبواب، تضمر تحولات لا تقوم على أسس منطق العشرية الأولى، لكنها تكمل حقيقة استحالة انتصار الطاغية