علم النظام في عنتاب!

انشغل الفيسبوك السوري مؤخراً بالفتاة التي رفعت علم النظام في جامعة عنتاب. عبّر ناشطون منفعلون عن نزوع عدواني تجاه الفتاة، ثم اعتذروا إثر استنكار شخصيات ثورية رأت في ما جرى تعبيراً عن الرأي، مهما كان. أما الفتاة نفسها فأغلقت حسابها على الفيسبوك فور ذيوع الصورة التي نشرتها عليه، وعملت على أن يختفي اسمها وتُنسى قصتها.

ولكن لا أحد يختفي كلياً في عصر التقنية الشاملة، إذ غفلت ابنة العشرين عاماً عن حساب قديم ومهمل لها في شبكة التواصل الاجتماعي ask التي يجيب فيها المرء عن أسئلة أصدقائه ومعارفه. وفيه أجابت اليافعة، خلال سنوات، عن ما يقرب من خمسة آلاف سؤال. وسوى الأسئلة السطحية والعابرة الكثيرة يحضر قليل من الأسئلة الشخصية والعامة ذات الدلالة الهامة هنا، ومن خلالها يمكن رصد موقف صاحبتها من الثورة مهما كان قليل العمق.

فمن بين الكتب القليلة التي قرأتها صاحبة الحساب، وهي روايات عاطفية شهيرة في معظمها، يحضر كتاب «القوقعة» الذي يمكن اعتباره «كتاب الثورة» لشدة واتساع ما أثر في جيل من الشبان والشابات قرأوه إبان الثورة، ولم يعرفوا مدى إجرام النظام إلا من خلاله. ويبدو أن الكتاب أثر في قارئته، طالبة الثانوية العامة، التي تمنت الموت و«الجحيم» بصراحة لبشار الأسد في أكثر من جواب، رغم أنها كانت تقيم وقتها في مدينتها حلب، وتخشى بالتأكيد المصير المجهول لابن عمها الذي اعتقله الأمن للاشتباه في مشاركته في الاحتجاجات.

لا يعني هذا أن الفتاة كانت ثائرة، فأجوبتها أقرب إلى الحياد عملياً، ولكن موقفها من النظام لم يشُبْه لبس أو ولاء أو تشبيح. غير أن المشهد أخذ يختلط في نظرها أكثر مع تزايد القذائف العشوائية التي كانت تطلقها فصائل الجيش الحر، من النصف الذي كانت تسيطر عليه من حلب، على الأحياء التي تحت سيطرة النظام، حيث كانت الفتاة تقيم، وهنا استقرّت في الرمادية بعد أن رأت أن «الطرفين يقتلان المدنيين».

هل من العدل أن نطلب من المرء الوقوف مع من قد يكونوا قاتليه في أي لحظة طائشة؟!

اليوم، وبعد أن سقطت كل أحياء حلب في يد النظام وتفرّق ثوارها، ورفعت الفتاة العلم الأحمر في أبرز منافيهم، علينا أن نفكر كم أضعنا من فرص وكم فرّطنا بأنصار.