lang.HOME http://ayn-almadina.com/ ar 2023-03-29T01:29:37 السويداء واكبت انتخابات الإدارة المحلية بالاحتجاجات ضد الواقع المعيشي والخدمي http://ayn-almadina.com/details/5358/5358/ar 5358 date2022-10-03 19:48:48 ayn-almadina تصاعدت حدّة الاحتجاجات في الآونة الأخيرة في بعض بلدات السويداء عند المراكز الخدمية كالاتصالات والمياه والكهرباء، نتيجة تردّي القطاع الخدمي عموماً، وعجز حكومة النظام عن إيجاد حلول لتحسينها، وتخلّيها عن لعب دورها في مواجهة صعوبات الحياة المعيشية التي ت...
السويداء واكبت انتخابات الإدارة المحلية بالاحتجاجات ضد الواقع المعيشي والخدمي

السويداء واكبت انتخابات الإدارة المحلية بالاحتجاجات ضد الواقع المعيشي والخدمي

رادار المدينة

تصاعدت حدّة الاحتجاجات في الآونة الأخيرة في بعض بلدات السويداء عند المراكز الخدمية كالاتصالات والمياه والكهرباء، نتيجة تردّي القطاع الخدمي عموماً، وعجز حكومة النظام عن إيجاد حلول لتحسينها، وتخلّيها عن لعب دورها في مواجهة صعوبات الحياة المعيشية التي تزداد باضطراد. تزامنت هذه الاحتجاجات مع إجراء انتخابات مجالس الإدارة المحلية، التي تم إغلاق صناديق عديدة لها من قبل المحتجين.

"ما معنا سلاح وبارودة...معنا حقّ ما بموت". يرفع محتجو بلدة عتيل شمال مدينة السويداء، لافتات تعبر عن رفض الواقع المعيشي والخدمي في المحافظة. وحين تنفض التظاهرة يُجبر الموظفون في المؤسسات الخدمية التي جرى الاحتجاج أمامها على تقديم شكاوى ضد المحتجين وتنظيم ضبوط قضائية بالحادثة، وتغدو أسماء المحتجين تحت الطلب والملاحقات الأمنية.

تشكل هذه الأساليب الأمنية التي يتبعها النظام لوقف احتجاجات السويداء واحدة من الإجراءات الكلاسيكية المعتادة. ويوضح الناشط المدني ربيع عزام لعين المدينة أن احتجاجات السويداء، "تميّزت بالسلمية و بالحراك ذي الشكل الحضاري الذي اتبعه المحتجون على مختلف مشاربهم العقائدية". ف"الكلّ يعاني من الأزمة ومن تدهور القطاع الخدمي وفشل مؤسساته وعجز الدولة عن تلبية متطلبات العمل المنوط بها. ولم يجرِ أي اعتداء أو تخريب لبناها التحتيّة" بحسب عزام.

بدأت الاحتجاجات في بلدة الغارية جنوب محافظة السويداء، حيث تجمّع عدد كبير من شباب البلدة ورجالها أمام مركز الاتصالات والخدمات الهاتفية، وأجبروا موظّفي المركز على مغادرته وعدم العودة للعمل قبل إصلاح الاتصالات الأرضية أولاً، إضافة إلى شبكات الخليوي التي تنقطع مع انقطاع التيار الكهربائي.

راتب نادر من أهالي الغارية أكد لعين المدينة أن المحتجين انتقلوا بعد مركز الهاتف إلى بئر الري الذي تحوّل منذ سنتين ليصبح المصدر الوحيد للشرب، ومنعوا صهاريج المياه المأجورة من توزيع المياه بشكل خاص. مضيفاً أن مسؤولي النظام "لم يقدّموا إلا الوعود بتحسين الخدمات، وقد سُجل تحسن نسبي في خدمة الاتصالات، لكنه غير كافي" على حد قوله.

الاحتجاجات امتدت من الغارية إلى بلدات عتيل، الهويا، ولغا، مفعلة، وقنوات، ودوما، واتخذ الأهالي نفس أساليب الاحتجاج السلمية، من إغلاق المراكز الهاتفية ومحطّات المياه المعطّلة التي تحتاج للإصلاح والصيانة، مع المطالبات المتكرّرة لحكومة النظام بضبط أسعار السلع الغذائية، وإيجاد الحلول لتأمين الوقود قبل حلول فصل الشتاء، وتأمين الوقود اللازم لوسائط النقل والتخفيف عن معاناة المواطنين وتبعات هذه الأزمة الخانقة.

تجاوب "الجهات الحكومية" كان متفاوتاً مع المطالب. في بلدة عتيل قال أحد المحتجين لعين المدينة، أن مؤسسة المياه أرسلت بعد يومين من اعتصامهم ورشة لإصلاح الآبار المعطلة، بينما في بلدة ولغا لم تتجاوب شركة الاتصالات مع مطالب الأهالي، بل ورفعت دعوى قضائية ضد بعض المحتجين الذين أغلقوا مقسم الهاتف، وفق ما أكد أحد أهالي البلدة.

الصدى الأكبر للاحتجاجات كان في بلدة حزم الواقعة على طريق العاصمة، الذي يعد الشريان الاقتصادي الوحيد للسويداء، حيث قام شباب البلدة بقطع طريق دمشق - السويداء ليومين متتاليين، وطالبوا بتحسين الأوضاع  الخدمية والمعاشية بعد أن "استُنفِذت طاقة الصبر والاحتمال" وفق بعضهم.

أحد المحتجين من أهالي حزم (فضل عدم ذكر اسمه) نقل لعين المدينة أن النظام أرسل وفداً لمحاورة المحتجين، وطلب من ممثلين عنهم مقابلة مقابلة الفيلق الأول، الذي يتولى منصب رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية لمحافظات الجنوب السوري. وبالفعل توجه أربعة أشخاص انتدبهم المحتجون كممثلين عنهم إلى قيادة الفيلق الأول، والتقوا مع قائده الذي تحدث عن "الحصار والعقوبات وصعوبة تأمين الخدمات" وقدّم في نفس الوقت وعوداً بتلبية مطالب الأهالي "بالقدر الممكن"، وقد عاد أهالي حزم وفتحوا طريق دمشق السويداء، مهددين بإعادة إغلاقه في حال لم يتم التجاوب مع مطالبهم.

بلدة الجنينة شهدت احتجاجات تزامنت مع انتخابات الإدارة المحلية، حيث قام شباب البلدة المحتجون بإغلاق مركزين إنتخابيين والمركز المعيّن في "الفرقة الحزبية" التابعة لحزب البعث، بعد أن مضى أسبوع على شكواهم المقدمة لشعبة حزب البعث في شهبا ضد مسؤولي الحزب أنفسهم والإدارة المحليّة. قام المحتجون بكسر صناديق الاقتراع  ورمي أوراقها المشكوك بالتلاعب بها وتزويرها من قبل أعضاء الحزب المشرفين على سير "العملية الانتخابية الهزلية" وفق وصفهم، والتي يرعاها الحزب والجهات الأمنية، إضافة إلى مطالبتهم بتحسين الوضع الخدمي للبلدة من مياه وكهرباء وخدمات اتصال.

ريان معروف مسؤول تحرير موقع "السويداء 24" لفت في حديث لعين المدينة إلى أن "الأزمات المتراكمة والأوضاع المعيشية القاسية أخذت بالتدهور بشكل حاد منذ شهر شباط الماضي بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا".

وأشار معروف إلى أن حكومة النظام السوري اتخذت سلسلة إجراءات تقنينية حينها أدت إلى نقص في المحروقات والكهرباء، وانعكست بشكل سلبي على مختلف الخدمات (مياه، اتصالات، وسائط نقل). وتابع "حكومة النظام السوري باتت في حالة من العجز، والخدمات المنوط بها تقديمها تتلاشى تدريجياً، وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات خلال الفترة القادمة في محافظة السويداء".

]]>
ماهر هددنا بالبدلة.. عن جيل جديد من السوريين لا يعرف القاشوش http://ayn-almadina.com/details/5359/5359/ar 5359 date2022-10-07 21:04:42 ayn-almadina ظهور ماهر الأسد مؤخراً بالبدلة العسكرية خلال استعراض عسكري حفّز نوعاً من النوستالجيا لأيام الثورة الأولى، وبات جيل كامل من السوريين المعارضين ممن شهدوا أكبر هزة في تاريخ سوريا المعاصر يعيش لحظات من الرومانسية الثورية، معاوداً تذكر صوت إبراهيم القاشوش...
ماهر هددنا بالبدلة.. عن جيل جديد من السوريين لا يعرف القاشوش

ماهر هددنا بالبدلة.. عن جيل جديد من السوريين لا يعرف القاشوش

رأي

ظهور ماهر الأسد مؤخراً بالبدلة العسكرية خلال استعراض عسكري حفّز نوعاً من النوستالجيا لأيام الثورة الأولى، وبات جيل كامل من السوريين المعارضين ممن شهدوا أكبر هزة في تاريخ سوريا المعاصر يعيش لحظات من الرومانسية الثورية، معاوداً تذكر صوت إبراهيم القاشوش يصدح خلال التظاهرات المليونية بالقرب من نهر العاصي: "ماهر هددنا بالبدلة. بحماة اعملك فتلة. والله لتاكل قتلة. ونربي جيل بحالو". الجيل المقصود كان الجيل الموالي والمناصر لآلة القتل، وهو جيل نال أيضاً نصيبه المأساوي من الصراع الذي تحولت إليه الثورة فيما بعد.

لكن الانقسام المانوي للجيل السابق الذي كان يشكل العنصر الفتي من سوريا القديمة، ربما بات نوعاً من الماضي مع نشوء جيل جديد لم يشهد الانفجار الكبير في العام 2011 بشكل واعٍ، ولا يدرك التراتبية السابقة التي تبدأ من الهتافات الإصلاحية الأولى، مروراً بالمطالبة بإسقاط النظام، ثم ظهور الأيقونات السورية مثل القاشوش والهرموش والساروت، وانتهاء بتسليح الثورة وبداية حالة الانقطاع شبه التام بين منطقتي المعارضة والموالاة. جيل لم يفهم القصة المثيرة حول ارتداء ماهر الأسد البدلة العسكرية، التي يعرفها جيل الثورة.

لا يمكن الحديث -في سياق محاولة فهم عقلية الجيل السوري الجديد- عن تصنيف ثنائية موالاة/معارضة، نظراً لبعد هؤلاء الفتيان عن "العصبية السياسية" التي كانت سائدة سابقاً؛ لم يعايشوا مراحل تطور وازدهار الصراع، بل وجدوا أنفسهم فجأة وقد ترعرعوا في مناطق منفصلة مكانياً، مع تاريخ غير مفهوم يتعلق بالكم الهائل من الأفكار والأحداث وتبدلات الخرائط. فتيان مناطق النظام ليسوا جميعاً موالين، تؤكد هذه الفرضية كثافة حجم المتوارين منهم الهاربين من الخدمة العسكرية، وهي ظاهرة في تزايد مستمر. كما أن فتيان مناطق المعارضة ليسوا ثواراً، ولم يعاينوا الحركية الثورية بشتى أنواعها، والتي كانت تحفزها حالة الاندماج الكامل مكانياً بين النظام والثوار الأوائل.

هم إذن شبان لم يعيشوا في سوريا واحدة ولا يتواصلون مكانياً، لكنهم يعيشون نوعا من التواصل الافتراضي على فيسبوك وتيكتوك بغض النظر عن التصنيف السياسي الذي لم يعاينوه بسبب صغر أعمارهم أو لأن قسماً كبيراً منهم ولد بعد مرحلة فورة الأفكار الثورية. كما أن خضوع هذا الجيل الجديد  لتأثيرات التواصل الافتراضي التي ترعرعوا على وجوده -بالضبط كما شب الجيل السابق على بديهية وجود التلفزيون-  جعله جيلاً مختلفاً تماماً عن الجيل السابق المتسم حتى اليوم بالعصبية السياسية، بحيث لا يزال يحكم على الأشياء والأشخاص والأفكار والقضايا من منظور ثنائية الخير/الشر، المعارضة/الموالاة.

وبالرغم من الانقسام المكاني الذي يعيشه الجيل الجديد، إلا أن قواسم مشتركة كبرى لليافعين والشبان في كلا منطقتي النظام والمعارضة، وتتمثل إضافة إلى الرغبة في الابتعاد عن التصنيف السياسي، الفقر والبطالة، الرغبة في الهجرة، الابتعاد عن الانخراط في القتال والمؤسسات العسكرية. كما يعاني كلا الطرفين من مصير مجهول تتسبب به الأوضاع الكارثية للجامعات السورية بشقيها الموالي والمعارض.

وبما أن الهدف الأول من التعليم الجامعي السوري -منذ فترة الانتداب الفرنسي- هو تخريج موظفي الحكومة، فإن خريحي مناطق النظام لن يحصلوا على معيشة مقبولة من إشغالهم الوظائف الحكومية نظراً لتواضع الراتب الوظيفي. كما أن خريجي جامعات المعارضة يواجهون مصاعب أكبر ناجمة عن عدم الاعتراف بالأوراق الثبوتية لجامعاتهم، إضافة إلى عوائق أخرى مثيرة للتشاؤم وتتعلق بارتفاع مستوى البطالة إلى أرقام غير مسبوقة مع اقتصار فرص التوظيف على حفنة من المنظمات الإنسانية، يضاف إليها سلة أخرى أصغر حجماً من الوظائف التي تؤمنها المجالس المحلية وحكومتا "الإنقاذ" و"المؤقتة".

لكن يبقى هناك حالة من الافتراق تصب في صالح الشق الفتي الذي يعيش في مناطق المعارضة، ويتمثل بتذوق هذا الطرف طعم الحرية بعيداً عن "المملكة الأسدية". فهؤلاء الفتيان لم يجربوا العيش في ظل القبضة الأمنية للمخابرات الجوية والأمن العسكري والسياسية. ولم يعاينوا بيروقراطية كاملة من الفساد يقوم عليها النظام السوري منذ تربعه على عرش السلطة. وهم أيضاً يتأثرون بكميات تقل أو تكثر بجيل الثورة وروادها الأوائل الذين لا يزالون شديدي التعصب والإيمان بالثورة، على الرغم من مرور أكثر من عقد على اندلاع شرارتها الأولى، مع ملاحظة أن حالة الحريات هنا نسبية ولا تراعي كثيراً الفردية منها، وتقاس إلى الوضع الأسدي العقيم سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وتتأثر بالمكان والزمان ونوعية سلطات الأمر الواقع الحاكمة، لكنها موجودة على أي حال.

]]>
(اللانش بوكس) في إدلب.. انقسام آخر مكتوم يطاول طلاب المدارس http://ayn-almadina.com/details/5360/5360/ar 5360 date2022-10-09 18:21:18 ayn-almadina انتشر اللانش بوكس (علبة الطعام) المخصص لطلاب المدارس مؤخراً في محافظة إدلب، وذلك بعد أن أصبح (ترند) على وسائل التواصل الاجتماعي مع انطلاق العام الدراسي الجديد، وجلب معه الكثير من النقاش والآراء والحرج وأيضاً الانقسام. رغم أن محافظة إدلب تعتبر بقعة...
(اللانش بوكس) في إدلب.. انقسام آخر مكتوم يطاول طلاب المدارس

(اللانش بوكس) في إدلب.. انقسام آخر مكتوم يطاول طلاب المدارس

رادار المدينة

انتشر اللانش بوكس (علبة الطعام) المخصص لطلاب المدارس مؤخراً في محافظة إدلب، وذلك بعد أن أصبح (ترند) على وسائل التواصل الاجتماعي مع انطلاق العام الدراسي الجديد، وجلب معه الكثير من النقاش والآراء والحرج وأيضاً الانقسام.

رغم أن محافظة إدلب تعتبر بقعة جغرافية مغلقة باستثناء معبر باتجاه ريف حلب الشمالي، ومنفذ واحد للعالم الخارجي عبر معبر باب الهوى مع تركيا، إلا أن الحركة التجارية التي تشهدها المنطقة توصف بالجيدة لا سيما مع تدفق البضائع المنوعة إلى أسواقها ومواكبتها لآخر المنتجات الغذائية والصناعية المتطورة، والتي تغزو إعلاناتها مواقع التواصل.

تلقى هذه البضائع التي يشكل اللانش بوكس أحدها، إقبالاً ضعيفاً مع ارتفاع أسعارها وتراجع القدرة الشرائية لمعظم سكان المحافظة، إلا أنه لطالما استمر تدفق البضائع إلى المنطقة فثمة فئة قادرة على شرائها.

أحدث اللانش بوكش انقسامات في إدلب على أكثر من مستوى، أولها حول التسمية. نشر مهند من سكان مدينة إدلب (34 عاماً) عبر صفحته في "فيسبوك" بلغة معتذرة تظهر حالة التهكم، "آسف... قلت لبنتي جبتلك صندوق طعام، وما قلت لانش بوكس، يا ترى لسا بتقبلوني بينكم!".

بينما يقول فؤاد (27 عاماً) إن صندوق الطعام هي الترجمة لتسمية اللانش بوكس والذي هو اختراع أجنبي، لذلك يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها، وليس هناك ضرورة لتعريب كل الأسماء، لا سيما أنها ليست من اختراعنا. ويضيف: "على هيك حالة بدنا نغير تسمية اللابتوب، والتلفون، وغيرو وغيرو".

لم يكن اختلاف الآراء حول تسمية اللانش بوكس نابعاً عن خلاف لغوي فحسب، إنما يعبر عن حالة انقسام أحدثه بين فئات المجتمع، أو ربما جاء الانقسام حولها كمظهر لانقسامات موجودة مسبقاً، وبدأت معالمها بالظهور عبر مواقع التواصل، وانتقلت بعدها إلى المدارس على شكل مناقشات بين المدرسين وبين الأهالي أيضاً.

اعتبر البعض أن اللانش بوكس "سمة للترف ومظاهر البذخ"، في وقت يعجز فيه الكثير من العوائل عن تأمين أبسط المتطلبات المعيشية لأولادهم. بينما ذهبت آراء لتشبيهه بالسفرطاس (وهو عبارة عن عدة أوعية المحكمة فوق بعضها البعض، كان الأهالي قديماً يستخدمونها لأخذ الطعام إلى العمل)، أو بكيس سندويشة الزعتر التي اعتاد الأهالي على إرساله مع أطفالهم إلى المدرسة.

وكان لربات البيوت في إدلب رأي مختلف. فقد قررت السيدة هبة (22 عاماً) أن تشتري لانش بوكس لطفلتها بالصف الأول، معتبرةً أنه سيوفر عليها الكثير وسيضمن طعام جيداً لابنتها. تقول: "في اللانش بوكس المقسم لأكثر من قسم، أضع لابنتي قطعة خيارة أو تفاحة، أي شيء متوفر لدي، وسندويشة زعتر أو دبس بندورة، أو بقايا طبيخ من رز أو برغل أو معكرونة".

وتوضح "بذلك أضمن لابنتي أنها أكلت خلال الساعات التي قضتها بالمدرسة، كما أنني غير مضطرة لإعطائها مصروف لا يقل عن 5 ليرات تركية يومياً لتشتري فيها شيبس أو كولا".

فكرة اللانش بوكس كما أرادها مصمموها تهدف إلى مراقبة غذاء الطفل عبر منحه أصناف عدة من الأطعمة المنوعة بين خضار وفواكه وبيض وغيرها، لتضمن حصوله على القيمة الغذائية اللازمة لنموه.

وهو ما يبدو أشبه بالمستحيل تطبيقه في منطقة يعيش فيها أكثر الأهالي تحت خط الفقر بنسبة تصل إلى أكثر من 90 بالمئة من إجمالي عدد سكان، وفق تقديرات مسؤولين أمميين، فهم غير قادرين على تأمين أبسط ما يحتاجه الطفل من الغذاء الأساسي كالخبز واللحم والحليب في وجباتهم اليومية، التي تقتصر على وجبة واحدة في كثير من الأحيان.

كما تشتكي سيدات من ارتفاع ثمن صندوق اللانش بوكس، لا سيما أنه سيشكل عبئاً إضافياً في حال كانت الأسرة تمتلك أكثر من طفل، إذ يتراوح سعره بين 20 و40 ليرة تركية، وهو ما يعادل أكثر من نصف أجرة عامل في إدلب. رأت أماني (23 عاماً) أن تحول علبة حلاوة فارغة إلى صندوق للطعام بعد أن زينتها ببعض الرسومات لإسعاد طفلها الذي شاهد عدداً من أصدقائه بالمدرسة يجلبون معهم اللانش بوكس.

بينما تتوجه أمينة وهي مديرة إحدى المدارس في مدينة إدلب، برسائل للأهالي عبر مجموعة "واتساب" مخصصة للتواصل معهم، بعدم الإسراف في إرسال أطعمة منوعة لأطفالهم بالمدرسة. تقول لعين المدينة "هناك عشرات الأطفال لا يجلبون الطعام (معهم)، أو يكتفون بسندويشة الزعتر أو بضع الليرات لشراء قطع البسكويت، وذلك بسبب ضيق أحوال أسرهم".

وتوضح المديرة أنها تلاحظ آثار الحزن والحرمان على عيون الأطفال الأكثر فقراً من غيرهم، وتلجأ أحياناً لتطيب خواطرهم بتوزيع المأكولات عليهم، أو منع أصدقائهم من إخراج أطعمتهم داخل المدرسة.

ويبقى أن النقاش الذي دار حول اللانش بوكس في المدرسة أو بين الأهالي، وبعض التصرفات التي نتجت عنه كمنع الأطفال من جلبه مراعاة لشعور الأولاد الآخرين، أثر سلباً على معظمهم حيث عززت شعور الحرمان وزادت من حالة الانقسام على أساس الدخل الذي تعانيه إدلب مع توزع السكان على فئتين، أحدهما صغيرة ميسورة الحال بينما الأخرى تحت خط الفقر وتشكل السواد الأعظم لسكان المحافظة.

]]>
نافذة على موسيقى أعراس الشمال السوري http://ayn-almadina.com/details/5361/5361/ar 5361 date2022-11-04 22:08:40 ayn-almadina تحية إلى شباب جبل الأكراد، شباب القصير وعنجارة بالأجمع. شباب إدلب، المداهيش بني بارود، العيس، معصران ومرديخ، كفر داعل، خان طومان، أحلى شباب الشام، وبني طلحة، قبتان الجبل، حماه والغاب، تحية لشعب خان شيخون الغوالي، شعب صوران، تحية إلى دارة عزة، كفر حلب...
نافذة على موسيقى أعراس الشمال السوري

نافذة على موسيقى أعراس الشمال السوري

رادار المدينة

تحية إلى شباب جبل الأكراد، شباب القصير وعنجارة بالأجمع. شباب إدلب، المداهيش بني بارود، العيس، معصران ومرديخ، كفر داعل، خان طومان، أحلى شباب الشام، وبني طلحة، قبتان الجبل، حماه والغاب، تحية لشعب خان شيخون الغوالي، شعب صوران، تحية إلى دارة عزة، كفر حلب، كفر بطيخ، تل رفعت، اللطامنة، الحويز وقبر فضة... ألف رحمة لروح أخو العريس الشهيد )...( وخال العريس الشهيد )...( وشهداء سوريا جميعاً...

قد تكفي كتابة كلمة "مجزرة" على محرك البحث خلف الأسماء الواردة في خارطة التحيات الجغرافية هذه؛ لفهم سبب اجتماع أبناء ست محافظات سورية مختلفة في حفل زفاف أقيم بصالة أفراح بقرية باسوطة العفرينية مطلع حزيران الماضي كما يخبرنا منتجو الفيديو على يوتيوب. وإذ تعد الأعراس مناسبة الفرح الجماعي الأبرز للتجمعات المهجرة والمحلية على امتداد مناطق الشمال المحرر وما بات بحكمها اليوم؛ فإن حفلاتها تشكل المتنفس الأوحد لممارسة النشاط الموسيقي الحي، خاصة بوجود المئات من المغنين والعازفين، وما يلحق بهم من مصورين ومنظمين، راقصين وصالات أفراح، ما يتيح الحديث عن بعض السمات التي تطبع موسيقى الأعراس السورية على واقع التنوع الديموغرافي هذا، لكن لابد من وقفة قبل ذلك.

يشغل الغناء في الأعراس محطة رئيسية مشتركة في سيرة المغنين السوريين باختلاف انماطهم الموسيقية ومناطقهم ونوعية أدائهم خلال نصف قرنٍ مضى. ينطبق هذا على أسماء رصينة في المدن الكبرى مثلما يشمل غالبية مغني الريف والمدن الصغيرة في طول البلاد وعرضها. شهدت السبعينيات السورية هزيمة شركات الإنتاج التجاري ونهاية الاستثمار الخاص في القطاع الفني. أصاب ذلك شركات إنتاج الأفلام وشركات الأسطوانات الموسيقية التي أغلقت وضعف سوقها بغياب قوانين حقوق الملكية الفنية التي لم تساعد بداية ظهور الكاسيت في تأسيس شركات انتاج منافسة لنظيراتها إقليمياً، مع سيطرة الدولة واحتكارها للمسارح والتمويل ووسائل الإعلام عبر الإذاعة والتلفزيون التي بدأت تُنخر بالمحسوبيات والفساد والأدلجة، مثلها كباقي المؤسسات العامة في أجواء سياسية وثقافية مهجوسة بالرقابة والولاء للسلطة وما ترتب عن ذلك من انغلاق وانعدام حرية عام. هكذا، وفي حالة نادرة، انقرضت الفرق المستقلة، وبات من النادر وجود أنماط موسيقية معاصرة لمثيلاتها في الدول الأخرى بما فيها تلك المحكومة بأنظمة توصف بالشمولية والقسوة، فيما تصدر نخبة من الفنانين والموسيقيين البيروقراطيين المتوافقين مع المنظومة أو غير المكترثين بالشأن العام، منصات الأعياد والمناسبات "الوطنية" ومنهم من لا يزال على رأس عمله حتى الآن. ساهمت هذه العوامل إما بهجرة الموسيقيين والمغنين إلى الخارج، او الانخراط بالوظيفة الحكومية الفنية وما يتخللها من تورطٍ شبه حتمي في تمجيد القائد ومنظمات نظامه غير المعني بالإنفاق على الفن ولا دعمه. أما مَن لم تقده الدروب المضنية إلى هذه الخيارات فبقي يعمل ضمن المتاح في الظل المحلي التقليدي، بعيداً عن عقدة النقص الثقافية والنخبوية التي بدأت تتكرس تجاه النتاجات الموسيقية المتفوقة للبلدان المجاورة، ولهذا حديث آخر.

بقيت المناسبات وأعراس المجتمعات السورية تمثل شكلاً من أشكال التمويل الأهلي للموسيقى المحلية غير الحكومية، ومصدر دخل لآلاف المغنين والعازفين وسبباً رئيسياً لانتشارهم وشهرتهم ولو على النطاق المحلي، إلى جانب مواهبهم وميزاتهم الفردية بالطبع. قد يصلح ذلك على المنشد الراحل حسن الحفار مثلما يصح على شاعر العتابا ومغنيها أحمد التلاوي الذي أدى قصف طيران الأسد لبيته في مدينة سراقب لأن يحل ضيفاً بعمر الرابعة والسبعين عاماً، برفقة العشرات من الفنانين المهجرين، على أعراس مدينة اعزاز وغيرها من مناطق الشمال هذا الصيف. ومع ذلك، للأداء في المناسبات والأعراس شروط وقواعد أيضاً؛ إذ إن عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية تلعب دوراً في اختيار أهل الحفل للمغني أو النمط الموسيقي الذي سـ"يحييه". ففي حين يشيع أن تلجأ بعض البيئات المحافظة للاستعانة بفرق إنشادية يتركز برنامجها على المدائح وأقل قدر من أصوات الآلات الموسيقية؛ تختار بيئات أخرى مغنين شعبيين أو طربيين مع ما يرافقهم من آلات وأورغات. يختلف هذا حسب كل منطقة وما هو دارج فيها من دبكات أو رقصات تفرض نسقها على موسيقاها.

يميل أهل مدينة حلب عادةً إلى استقدام مغنين يعرفون المزاج المحلي وأساسياته الاحتفالية التي تحتل رقصة العربية الخاصة بمدن المنطقة الوسطى صدارتها. تُرقص العربية على إيقاع "الوحدة الكبيرة" الذي سيرافق مواويل سبعاوية على المغني أن يجيدها، في حين تميز العتابا والدبكة المعروفة باسم "العَرب" الخاصة أيضاً بريف وسط سوريا برنامج حفلاتهم. تساعد فروق مقامية في التمييز بين المناطق عن بعضها، مثلاً، غالباً ما يختار عازفو ومغنو ريف حماه الشمالي مقامات كالسيكا أوالبستنكار ليرافقوا إيقاع دبكتهم، فيما يؤديها أهل ريف حلب الجنوبي والغربي على مقام البيات. وكذا الحال، تسيطر دبكات محلية كالولدة والنشلة على موسيقى حفلات ريف حمص والأرياف الشمالية الشرقية، دون أن يخلو الأمر من تقاطعات وتنويع وتداخل بين هذه الايقاعات والدبكات العابرة للمناطق في الكثير من الأحيان. وتحتل آلة الزورنا والطبول مكاناً كلاسيكياً في أعرس أهل عفرين الأكراد رغم النزوع للدبكات المختلطة التي تديرها موسيقى وأغانٍ متداولة في مناسباتهم. مثلما يمارس التركمان والأديغا في منطقة الراعي والمناطق الحدودية دبكاتهم الخاصة. إلا أن المحافظة والقوالب الموسيقية تخف وتتمازج في القرى على ضفتي الحدود مع تركيا، خصوصاُ مع ما أفرزته ظروف التهجير والمخيمات من اختلاط من جهة، ومرونة الفرق والمغنين في القدرة على الاداء والتماشي مع أجواء الفرح المطلوبة من جهة أخرى.

لا تفترض الأسطر السابقة تقسيماً اثنياً سريعاً للموسيقى ولا تجاهلاً للفروقات الفنية بين المؤدين، بقدر محاولة الإشارة إلى الدور الوظيفي المنوط بالموسيقى في المناسبات المسؤولة عن بقائها كمهنة موسمية الدخل، وبالتالي تقيدها على اختلافات أنماطها بالقوالب المعروفة والتناسخ الغنائي واللحني غير المعني كثيراً بالتجريب، وهذا ما يمكن اعتباره من مزايا الموسيقى الأهلية السورية عموماً وما يتجسد بكثافة في موسيقى أعراس الشمال التي يلاحظ طغيان الأغاني الشعبية عليها، متخففة من آثار المنتجات الحكومية أو التجارية قدر الإمكان. بهذه الكيفية يملأ معاذ الحلبي، المهجر من حلفايا في ريف حماه، ثلاث ساعاتٍ متواصلة من عرس الباسوطة بأغنياتٍ له ولعادل خضور وعبيد الحجي وصباح فخري والتلاوي وغيرهم.

مع ذلك، ليس للفرح دائماً قواعد ثابتة، خاصةً عندما يكون عضوياً وقريباً من الهم المحلي العام. يتجلى ذلك عندما يمرر المغنون عبارات عن حنين العودة إلى الديار و"خلي هالبارود يهز عالجبهات المنسية"، أو أن تحول فرقة إنشاد غناءها من موشح "سبحان من صور حسنك" ذي الإيقاع المركب، إلى "حر حر حرية، غصب عنك يا بشار رح نحصل عالحرية". وكذا يتيح مزيج من الارتجال واللعب لفرقة أخرى أن تخلط موسيقى ليلة القبض على فاطمة الشهيرة مع لحن وإيقاع "التقطيع" "الزوري" الشعبي الذائع في ريف دير الزور بأغنية "جنة جنة جنة". ليرقص الحضور حاملين الأعلام ويُرفع العريس على الأكتاف فيما يردد المغني: "يا مارع ما يهزك ريح، لا داعش ولا شبيح... عالموت شدينا رحال على شانك سوريا".

]]>
التسوية الثالثة في السويداء.. (وكأن شيئاً لم يكن) http://ayn-almadina.com/details/5362/5362/ar 5362 date2022-11-06 07:31:52 ayn-almadina بعد مرور شهر على افتتاح النظام السوري لمركز التسوية الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء، يبدو الوضع و"كأن شيئا لم يكن" بحسب مصادر أهلية من المحافظة، إذ يعكس الإقبال الضعيف على مراكز التسوية فشل النظام في التعامل مع هذه المحافظة ذات الحساسي...
التسوية الثالثة في السويداء.. (وكأن شيئاً لم يكن)

التسوية الثالثة في السويداء.. (وكأن شيئاً لم يكن)

رادار المدينة

بعد مرور شهر على افتتاح النظام السوري لمركز التسوية الأمنية والعسكرية في محافظة السويداء، يبدو الوضع و"كأن شيئا لم يكن" بحسب مصادر أهلية من المحافظة، إذ يعكس الإقبال الضعيف على مراكز التسوية فشل النظام في التعامل مع هذه المحافظة ذات الحساسية الخاصة، إذ ما يزال النظام يسير في معادلة التسوية ضمن إطار انتهازي وابتزازي، فبدت "تسوية تقايضية" على مبدأ "مطالب معيشية لا يستطيع النظام تلبيتها مقابل تسويات أمنية عسكرية لا يستجيب لها الأهالي".

التسوية التي أطلقها مدير إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا، والتي تستهدف المتخلفين عن الخدمة العسكرية بالدرجة الأولى، لم تستقطب أكثر من 1500 شاب معظمهم من المطلوبين بقضايا أمنية، وبنسبة أقل من المطلوبين للخدمة العسكرية إذ بلغ عدد الأخيرين 300 شاب من أصل ما لا يقل عن 25 ألف مطلوب للخدمة العسكرية، وفق مصدر مطلع على سير عملية التسوية تحدث لعين المدينة.

تمنح التسوية مهلة 6 أشهر للمتخلفين عن الخدمة، على أن يلتحقوا بعدها ضمن تشكيلات الفيلق الأول في قوات النظام المنتشر بمحافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، والقنيطرة). ولكن ضعف الإقبال من المتخلفين يشير بشكل واضح إلى أن النظام لم ينجح في حل هذه المسألة، في الوقت الذي لا يزال يتبع نفس السياسة في "تجريب المجرب".

قدّمت اللجنة الأمنية بنود التسوية الأخيرة على أنها "خاصة بالعسكريين الفارّين والمتخلفين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية والمدنيين المطلوبين للخدمة الاحتياطية، باستثناء من يوجد بحقهم ادعاءات شخصية والمطلوبين لجهات أمنية ويوجد بحقهم إذاعات بحث لمن قام بعمليات خطف وقتل".

إضافة إلى ذلك "يُمنح المدني الذي لا يوجد بحقه ادعاء شخصي، كتاباً يسمح له بالتجول ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية لحين تسوية وضعه بشكلٍ نهائي". كذلك "يمنح للعسكريين الذين شكّلوا فراراً داخلياً أو خارجياً مدة شهر واحد للالتحاق بالخدمة، ويسمح لهم خلال هذا الشهر من التجول بحرية".

فيما يتعلّق بالتخلف والاحتياط يعطى المطلوب مهلة ستة أشهر، وبطاقة تخوله التجول داخل الأراضي السورية، على وعد من اللجنة الأمنية لمن يلتحق بالخدمة أن تكون خدمته العسكرية ضمن المنطقة الجنوبية حصراً. ولا يمكن للمتخلّف عن الخدمة أو المطلوب للاحتياط استصدار جواز سفر، ولمن هم خارج القطر يمكن أن يتقدموا للتسوية عن طريق الوالدين أو الإخوة، والبنود الأخيرة إجرائية وشكلية للأوراق المطلوبة للتقديم لصورة الهوية أو بيان قيد نفوس وصور شخصية، مع تأكيد النظام عدم وجود نوايا بسحب السلاح من الراغبين بالتسوية.

أبو تيمور مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة الفصيل العسكري الأكبر في السويداء، قال في تصريح لعين المدينة، أن هذه التسوية هي الثالثة منذ العام 2015 بعد تسويتين سبقتاها، الأولى في عام 2016 وكانت بإشراف فرع المخابرات العسكرية في السويداء ودرعا، والثانية تمت بوساطة قائد القوات الروسية في المنطقة الجنوبية مطلع العام 2021 والتي استمرّت لعام 2022.

لم تكن التسوية الأخيرة مختلفة عن سابقتيها، -بحسب أبو تيمور- ف"مسألة التخلف عن الخدمة ليست وليدة اليوم، إنما هي مرتبطة بجملة من العوامل والظروف، منها الشعور العام لدى أهالي السويداء بأن ما يحصل إلى حد اليوم في سوريا حرب أهلية يرفضون الانخراط فيها، بالإضافة إلى عدم وجود سقف محدد لمدّة الخدمة. ثم الوضع الاقتصادي المتدهور، وعدم رغبة شباب السويداء بالخدمة في محافظات قد يتم استخدامهم فيها كأداة لقتل مواطنين سوريين".

ويرى أبو تيمور أن هذا النوع من التسويات لا يُقبل عليه إلا المطلوبين بقضايا جنائية بالدرجة الأولى، وهذا ما يساهم في تعميق حالة الفلتان الأمني، في ظل غياب الرادع القانوني للمجرمين، الذين تشكل التسويات لهم طوق نجاة في أحيان كثيرة.

ويؤكد الناشط حمزة السيّد خلال حديث لعين المدينة، أن الإقبال على مراكز التسوية  كان ضعيفاً وبدا الوضع وكأنه "مهرجان احتفالي تديره الأجهزة الأمنية بنفس العقلية التي اعتادت عليها منذ فترة السبعينات من القرن الماضي". ويفسر الناشط ضعف الإقبال بعدم الثقة بالوعود التي يطلقها النظام لحل الملفات الأمنية العالقة، وخاصة بعدما وضحت تجارب التسويات السابقة في محافظات أخرى.

ويتابع "التسويات التي أجراها النظام كانت لها نتائج سلبية أثارت استياء مواطني المحافظة منها، وغالباً ما أدت إلى إنشاء ميليشيات مسلحة تابعة لأفرع النظام الأمنية، وكانت يد المافيات الاحتلالية الإيرانية الحامية لطرق تهريب المخدرات عبر حدود المحافظة ومشاركتها بعمليات الخطف والقتل وإشاعة الفوضى في السويداء".      

في حين يبرر أحد الشبان الذين تقدموا للتسوية (فضل عدم ذكر اسمه) لجوءه لهذا الحل كونه "يمنح فرصة للراغبين بالعودة إلى الحياة الطبيعية، وخصوصاً الشباب المطلوبين على خلفية تقارير كيدية"، معتبراً خلال حديث لعين المدينة أن هذه التسوية لن تحل مسألة المتخلفين عن الخدمة العسكرية، لكنها ستسهل للشباب المطلوبين للأفرع الأمنية الحصول على بطاقات كف بحث، وإصدار جوازات سفر والمغادرة من البلاد.

في جميع الحالات لن تضفي التسوية واقعاً جديداً على السويداء وفق من تحدثت إليهم عين المدينة، إذ "لا يبدو النظام السوري جاداً في إيجاد حلول حقيقية للأزمات العالقة والمتراكمة في عموم سوريا"، ويبدو ذلك واضحاً في رد مسؤوليه على مطالب الأهالي بتحسين الظروف المعيشية: حصار وعقوبات ومؤامرة مستمرة، وليس في جعبتنا إلّا التسويات الأمنية. هذه الكلمات كانت ملخص ردود مسؤولي النظام على وجهاء السويداء في الفترة الماضية.

]]>
(خرجية) الأطفال في سوريا.. أكثر من المال http://ayn-almadina.com/details/5363/5363/ar 5363 date2022-11-09 19:31:00 ayn-almadina تشتهر الخرجية (مصروف الجيب اليومي) بين الأطفال السوريين وذويهم على نطاق واسع. يختص هذا النوع من أعطيات الوالدين بتلاميذ المدارس ضمن المرحلة الابتدائية بشكل أساسي، لكن ذلك لا يمنع من امتدادها إلى نهاية مرحلة المراهقة ولدى شرائح أخرى مختلفة. ونتيجة لتن...
(خرجية) الأطفال في سوريا.. أكثر من المال

(خرجية) الأطفال في سوريا.. أكثر من المال

رادار المدينة

تشتهر الخرجية (مصروف الجيب اليومي) بين الأطفال السوريين وذويهم على نطاق واسع. يختص هذا النوع من أعطيات الوالدين بتلاميذ المدارس ضمن المرحلة الابتدائية بشكل أساسي، لكن ذلك لا يمنع من امتدادها إلى نهاية مرحلة المراهقة ولدى شرائح أخرى مختلفة. ونتيجة لتناقلها جيلاً عن جيل، يستخدم السوريون الخرجية كوسيلة للتحقيب الزمني إذ تعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

قبيل الثورة كان متوسط الخرجية يبلغ 15 ليرة سورية، وكان بإمكان الطفل شراء عبوة كولا سعة ثلث لتر بها، أو كيس شيبسي متوسط الحجم. وبينما كان يبلغ الحد الأدنى للأجور أكثر من 6000 ليرة بقليل، كانت الخرجية لا تشكل أكثر من 25’0 بالمئة، ما يعني أن راتب الموظف يمكن أن يسدد قيمة 400 خرجية متوسطة.

في العام 2022، وفي ظل تدهور قيمة الليرة السورية، يبلغ وسطي الخرجية قرابة 1000 ليرة سورية، لا تخول الطفل أكثر من شراء كيس شيبسي صغير، أو قطعة بسكويت من فئة حلوى الأطفال منخفصة الثمن. في المقابل يبلغ الحد الأدنى للأجور 91 ألف ليرة، ما يجعله كافياً فقط لدفع 91 خرجية وفق منظورها الحالي، و60 خرجية بأحسن الأحوال من منظورها السابق قبيل العام 2011.

مع أن الخرجية لا تمثل إلا جزءاً بسيطاً من الخدمات الأسرية التي تقدمها مؤسسة العائلة برحابة صدر، إلا أنها تشكل أهمية كبيرة اجتماعياً بالنسبة إلى الطفل، وتؤثر على ثقته بنفسه وطريقة تعاطيه مع الأقران ووجهة نظره بالحياة.

فالطفل الذي لا تتجاوز خرجيته 200 ليرة (يحصل من خلالها على حلوى صغيرة الحجم)، يمكن أن ينظر بعيون متعددة إلى نظيره الذي يمتلك في جيبه 1000 ليرة (كيس شيبسي أو عبوة كولا). فهو قد يشعر بدرجة من الحرمان تجعله يحقد أو يغار من زميله الدراسي، وبتفاوت المرتبة الاجتماعية تبعاً لتفاوت قيمة الخرجية، وبتقصير الأهل الذين غالباً ما تمنعهم أوضاعهم المعيشية الصعبة من منح مبالغ أكبر للطفل فضلاً عن المواظبة على إعطائه خرجية مستمرة.

هناك بعد اجتماعي للخرجية يمكن دراسته من منطلق "ماذا تقول قيمة الخرجية عن أهالي الأطفال بمدرسة محددة؟ وهل يمكن أن نقسم المجتمع طبقياً تبعاً لحجم خرجية كل طفل؟"

في إحدى مدارس دمشق، وهي مدرسة ابتدائية عامة تديرها حكومة النظام، يتفاوت مبلغ الخرجية بين تلميذ وآخر تبعاً لتفاوت حجم الدخل بين أسر التلاميذ. تتراوح العينات عن الخرجية التي سألت عين المدينة ذوي التلاميذ في المدرسة عنها بين 200 ليرة وحتى 1500 ليرة.

وفي ندوة المدرسة المكان مخصص لبيع البسكويت والشيبسي وحلوى الأطفال، يزدحم حاملو الخرجيات أمام البائع خلال استراحة التلاميذ بين الحصص الدراسية، وعندها فأقل خرجية لا تشتري سوى قطعة سكر (مصاص)، وأكثرها تشتري واحداً من الأطعمة أو المشروبات التالية: قطعة كيك، كيس شيبسي، عبوة كولا، كيس إندومي.

يمكن ملاحظة الطبقتين الفقيرة وبقايا الوسطى في المدارس العامة، بينما يندر وجود تلاميذ الطبقة الغنية فيها، إذ تحتضنهم المدارس الخاصة المتكاثرة خلال السنوات الأخيرة بدفع من هجرة مدرسي القطاع العام نحو الخاص، ورغبة الأسر الغنية وطبقة الموسرين الجدد المشكلة من أمراء الحرب وأعوانهم في تدريس أطفالهم دراسة "نموذجية"، الأمر الذي لا يتوفر إلا في أماكن بعيدة تماماً عن خدمات الدولة العامة وأماكن الطبقات الفقيرة. لم تستطع عين المدينة الوصول إلى تلك الأماكن، لكن العديد من سكان دمشق الذين تحدثت إليهم قالوا بأن الخرجية فيها تصل إلى ضعفها في المدارس العامة فما فوق.

يعتمد السوريون على الخرجية كأحد المعايير المستعملة في التحقيب، ويستذكرون من خلالها مراحل طفولتهم وأفراحهم في المناسبات كالأعياد، والمشتريات التي كانت الخرجية تمنحها لهم. كما تتم عادة مقارنة القوة الشرائية للخرجية بنظيرتها في الوقت الحاضر بهدف تعريف الجيل الناشئ على فترة زمنية عاشها الآباء أو الأجداد، والسقوط الكبير لقيمة النقود وغياب "البركة". ومن الطريف هنا ما يتم تداوله مثلاً حول فترة الستينات التي كانت الخرجية فيها لا تتجاوز قروشاً نحاسية مثقوبة انقرضت بعد عقود قليلة، أو في الثمانينات حيث كان الطفل ذو الحظ السعيد هو الذي يحصل على خرجية تصل إلى ربع ليرة (25 قرشاً). وكانت هذه الخرجية تشتري مأكولات كثيرة من أطعمة الأطفال في تلك الأيام.

يفتح حديث الخرجية باب الذكريات للنظر إلى نوعية أطعمة الأطفال في فترات سابقة من التاريخ السوري، وهي ما يتعارف عليه اليوم ب"الأكلات الطيبة". في كتابه "حديث دمشقي" يشير المحامي نجاة قصاب حسن إلى أن خرجيته في ثلاثينات القرن الماضي والتي كانت تبلغ فرنك واحد كانت تخوله شراء أوقية (200 غرام) لحم مشوية مع بقاء قرش من الخرجية. بينما تبدل الحال في العقود التالية فمواليد الستينات مثلاً كانوا يحصلون على فرنكين تمكنهم من شراء كازوزة أو قطعتين من حلاوة السميد أو دبوس الولد (قطعة تفاح سكري تغطس في القطر المغلي).

مواليد التسعينات لا يكادون يتذكرون الليرة الورقية التي كانت خرجية جيدة لمواليد الثمانينات، أما مع بداية القرن الحالي فكانت ال5 ليرات تتربع على رأس خرجيات الأطفال وتشتري عبوة كولا أو كيس شيبسي مصنوع من البطاطا الطبيعية أو كيسين من شيبسي الذرة. تبدل الوضع قبيل العام 2011 فتضاعف حجم الخرجية مع نفس قيمة المشتريات.

]]>
المرضى النفسيون في إدلب يبحثون عن العلاج عبر الإنترنت.. ومختصون بسبب قلة مراكز العلاج والخوف من نظرة المجتمع http://ayn-almadina.com/details/5364/5364/ar 5364 date2022-11-14 19:22:38 ayn-almadina لم تقتنع سلام "32 سنة من إدلب" بأساليب العلاج النفسي المتبعة في مناطق شمال غربي سوريا، ما دفعها إلى البحث عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن مختصين بالعلاج النفسي على أمل الحصول منهم على علاج ينفعها. سلام واحدة من العديد من المحتاجين لجلسات ...
المرضى النفسيون في إدلب يبحثون عن العلاج عبر الإنترنت.. ومختصون بسبب قلة مراكز العلاج والخوف من نظرة المجتمع

المرضى النفسيون في إدلب يبحثون عن العلاج عبر الإنترنت.. ومختصون بسبب قلة مراكز العلاج والخوف من نظرة المجتمع

رادار المدينة

لم تقتنع سلام "32 سنة من إدلب" بأساليب العلاج النفسي المتبعة في مناطق شمال غربي سوريا، ما دفعها إلى البحث عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن مختصين بالعلاج النفسي على أمل الحصول منهم على علاج ينفعها.

سلام واحدة من العديد من المحتاجين لجلسات علاج نفسي في شمال غربي سوريا، والذين يلجؤون إلى العلاج عبر الإنترنت مجبرين على ذلك، نتيجة قلة أعداد العاملين في هذا المجال من ذوي الاختصاص، أو تخوفهم من نظرة المجتمع للمريض النفسي، ما يضعهم أمام احتمالية تردي حالتهم النفسية إذا لم يتمكنوا من التواصل مع ذوي الاختصاص وأهل الخبرة، أو في حال تناولوا أدوية نفسية بناء على وصفة قد يقدمها شخص غير مختص.

تقول سلام أنها لم تخض تجربة العلاج لدى أحد المختصين في المنطقة نتيجة عدم ثقتها بجدوى العلاج لدى أخصائي العلاج النفسي في الداخل السوري، برأيها تلك التجربة محفوفة بالخطر طالما لم تثق بالطرف الآخر. "العلاج النفسي يعتمد على الثقة أولاً؛ أنا لا أستطيع أن أخطو هذه الخطوة قبل أن أمتلك الثقة المطلوبة التي تمكنني من الإفصاح عما في داخلي للمعالج".

بدأت معاناة سلام مع الأمراض النفسية منذ ثلاث سنوات نتيجة عدة صدمات متلاحقة، وشخص الأطباء الذين زارتهم مرضها بالاكتئاب الحاد، وصفوا لها دواء "ميوتيفال"  لكن حالتها لم تتحسن.

تتابع سلام أنها لم تتأثر بتجارب الآخرين في العلاج النفسي، لكنها أيضاً لم تسمع بتجارب ناجحة، وهو ما منعها من التجربة.

أحمد شاب عشريني من مدينة حماة يعيش في إدلب، لجأ إلى صفحات الإنترنت باحثاً عن حل لمشكلته، بعد أن عجز عن إيجاد حل لها عند أحد الأطباء العامين ولم يجرؤ على مراجعة طبيب النفسي. طرح مشكلته على إحدى المجموعات العامة وتحدث عن إحدى محاولات الانتحار التي خاضها، وحصل في منشوره على جملة كبيرة من التعليقات والنصائح، لكنها في غالبها لم تكن من مختصين، ما يعني أنها لن تقدم علاجاً لمشكلته ولم تكن سوى "حقن مهدىء تزول بعد ساعات من قراءتها"، أفضلها كان من نصحه بمراجعة طبيب نفسي.

العلاج أون لاين

حاجة الناس في شمال غرب سوريا إلى الطب النفسي شجعت بعض المهتمين في القطاع الصحي على إنشاء مركز للعلاج النفسي عبر الإنترنت في تركيا بهدف تقديم خدماته لسوريي الداخل. حمل المركز اسم "العلاج النفسي أون لاين" ويتبع للرابطة الألمانية السورية (DSV) غير الحكومية التي تأسست عام 2011 من قبل مغتربين سوريين وألمان بعد اندلاع الثورة السورية، وفق من تحدثت إليهم عين المدينة من فريق المركز.

وفي الحديث عن المشروع بينت إيمان رزاز وإسماعيل الكلزي من فريق المركز، أن خدماته تصل لنحو ثمانين شخصاً شهرياً من السوريين الموجودين في شمال غرب سوريا عبر تقديم خدمات الصحة النفسية على مستوى الإرشاد النفسي لأصحاب الحالات بسيطة الشدة. وعلى مستوى العلاج النفسي للمستفيدين الذين يعانون من اضطرابات وصعوبات تعرقل جوانب حياتهم، ثم يتعامل الطبيب النفسي مع الحالات التي تحتاج دواء أو الحالات التي بها خطورة على النفس أو الغير.

يخصص المركز "مدراء حالة" من كلا الجنسين مراعاة لرغبات المستفيدين حسب رزاز والكلزي، ثم يتم التواصل معهم عن طريق أرقام برنامج "واتساب" أو "التيمز"، ثم  تحدد مواعيد لإجراء التقييم الأولي حيث تؤخذ المعلومات الأولية مثل العمر، الجنس، الحالة الاجتماعية، "مع عدم التركيز على الاسم الفعلي للشخص حفاظاً على خصوصيته وتحويله إلى المختص".

يبرر الفريق غيام المركز فيزيائياً عن شمال غرب سوريا بصعوبة التنقل بين وكلفته العالية، لكن الأهم هو "الخوف من الوصمة الاجتماعية تجاه المرض النفسي والذي يدفع كثيرين عن الامتناع من طلب الخدمة".

وتابعت الرزاز في حديثها لعين المدينة عبر برنامج واتساب، أن التدخل الدوائي يتم عبر أدوية آمنة وغير إدمانية، في حين "توصف الأدوية الأقل أمناً للحالات الأكثر استبصاراً بمرضها، ولا خطورة من قبلها في إيذاء النفس أو الانتحار أو سوء الاستخدام".

الحاجة على الأرض أكبر من المتاح

في مدينة سرمدا شمالي إدلب تستقبل وحدة الصحة النفسية مرضاها ضمن عدة أقسام، وهي المركز الوحيد المختص بعلاج الحالات النفسية ومتابعتها. يحتوي على وحدة الاستشفاء الداخلية والعيادات الخارجية والعيادات المتنقلة بحسب حسام شلاش المدير الإداري للمركز.

وأوضح شلاش أن وحدة الاستشفاء الداخلية تستوعب عشرين سريراً، وقد تستمر مدة الإقامة في الوحدة الداخلية لثلاثة أسابيع كحد أقصى، ويتم القبول فيها وفق معايير يتم تحديدها من قبل الطبيب المقيم، بينما تستقبل العيادة الخارجية مرضاها بشكل يومي من الساعة التاسعة حتى الثانية ظهراً، وتضم طبيباً نفسياً إضافة لصيدلية وفريقاً متخصصاً بتقديم المشورة.

تضم الوحدة عيادتين متنقلتين بطبيب وعمال دعم نفسي، إلى جانب "فريق Help Line" لتقديم الاستشارات النفسية الهاتفية عبر الهاتف، مكون من مرشدين نفسيين أحدهما للرجال والثانية للنساء، إضافة للخط الساخن للاستجابة لحالات الانتحار، كما شرح شلاش.

الحرب ضاعفت الحاجة

حالة الحرب التي عاشتها إدلب والصدمات المتلاحقة التي تعرض لها السكان ضاعفت من الحاجة للعلاج النفسي في هذه المنطقة. يقول أخصائي الصحة النفسية أحمد عرفات: "تعرض كثير من الناس لصدمات مباشرة عبر فقد أقارب أو معيلين أو عبر مشاهدة لقطات عنف مباشرة، إضافة لعملية التهجير والنزوح، وساهمت تلك الظروف بخلق حالة من الضعف النفسي خلفت مشكلات نفسية".

يقسم عرفات الخدمات النفسية إلى قسمين؛ الأول وقائي ويمكن تقديمه لجميع الفئات كون الحرب تركت آثارها على الجميع، أما الثاني فيشمل الخدمات العلاجية الموجهة للأشخاص الذين ظهرت لديهم مشكلات واضحة وبدأت تظهر ملامحها على سلوكهم اليومي وطريقة تفكيرهم.

ويتابع عرفات "تحتاج الخدمة العلاجية لمختصين بدرجة أكبر، لكن عدد الأطباء النفسيين وخريجي الصحة النفسية والمرشدين النفسيين قليل مقارنة مع الحاجة. تمت الاستعاضة أو محاولة تلافي النقص بعمليات التدريب لبعض الأطباء على منهج رأب الفجوة، إذ يخضع الطبيب العام لتدريبات تتعلق بالصحة النفسية بحيث يستطيع التعامل مع الأشخاص الذين قد يزورون المستوصفات أو النقاط الطبية".

وعن انتشار ظاهرة العلاج عن بعد، يقول عرفات أن محاولة الوصول للعلاج عبر الإنترنت أمر شائع ويعود إلى قلة المختصين ونظرة المجتمع، ما يدفع البعض للبحث عن أساليب تراعي خصوصيتهم وأسرارهم.

وقلل أحمد من مخاوف أو مخاطر العلاج عن بعد في حال كان المريض يتواصل مع مراكز مختصة وجهات مسؤولة، بينما قد تكمن الخطورة في حال كان التواصل مع أشخاص ضعيفي الخبرة. لكنه رجح نجاعة العلاج وجهاً لوجه بشكل أكبر، لأن "المعالج يمكنه مراقبة ردود أفعال المريض والعلامات الفيزيائية التي تظهر على وجهه، ما يمنح المعالج صورة أوضح عن الحالة".

ويرى من التقيناهم من الناشطين والمتابعين لحياة الناس اليومية في إدلب، أن حالات الانتحار المتكررة باتت تعطيهم مؤشراً واضحاً على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية بشكل أكبر عبر إقامة ندوات تثقيفية للمجتمع عن أهمية هذه العلاجات، وعبر توعيتهم لضرورة التوجه للمختص مباشرة لضمان الحصول على العلاج قبل تفاقم المشكلة.

]]>
الحاج البعثي محمد شعبان عزوز وأبناؤه وإخوته http://ayn-almadina.com/details/5365/5365/ar 5365 date2023-01-23 15:53:05 ayn-almadina تبدو مسيرة محمد شعبان عزوز عضو القيادة المركزية لحزب البعث الذي توفي قبل أيام خالية من الإثارة؛ فبطء ولكن بثبات، تنقل عزوز من منصب إلى آخر، ابتداء من وظيفته في مؤسسة العمران الحكومية التي التحق بها منتصف ثمانينيات القرن الماضي قبل أن يتفرغ للعمل الحز...
الحاج البعثي محمد شعبان عزوز وأبناؤه وإخوته

الحاج البعثي محمد شعبان عزوز وأبناؤه وإخوته

بورتريه

تبدو مسيرة محمد شعبان عزوز عضو القيادة المركزية لحزب البعث الذي توفي قبل أيام خالية من الإثارة؛ فبطء ولكن بثبات، تنقل عزوز من منصب إلى آخر، ابتداء من وظيفته في مؤسسة العمران الحكومية التي التحق بها منتصف ثمانينيات القرن الماضي قبل أن يتفرغ للعمل الحزبي والنقابي، ماراً خلال ذلك بعضوية مجلس الشعب.

جاءت النقلة الأبرز في هذه المسيرة بعد تولي بشار الأسد السلطة وشروعه في استبعاد تدريجي لرجال أبيه، الحال الذي أفسح المجال لعزوز ليصبح رئيساً للاتحاد العام لنقابات العمال، وهو المنصب الذي استقر فيه حتى العام 2013، وأصبح بعد ذلك عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث التي تغير اسمها لاحقاً إلى القيادة المركزية. في المراحل الأولى من صعوده كان محمد شعبان مديناً لأخيه الأكبر إبراهيم، البعثي المخضرم الذي تكفل بإزالة كل العقبات عن طريقه. في ذلك اعتمد إبراهيم على علاقته الوثيقة بمصطفى التاجر وحسن خلوف، الرئيسين المتعاقبين لفرع المخابرات العسكرية في حلب ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. ومن خلالهما أمسك محمد شعبان بمسلكه الصاعد، قبل أن تنقله رغبات بشار الأسد -ببناء طاقمه الخاص ثم في إحياء حزب البعث بعد اندلاع الثورة- إلى مراتب أعلى.

بين أعضاء القيادة المركزية لحزب البعث كان عزوز الأقل فساداً، ولولا أبناؤه لأمكن تصنيفه كمسؤول غير فاسد، إذ استفاد أكبر اثنين بينهم (عبد القادر وعماد) من نفوذ أبيهم للحصول على شهادة الدكتوراه وأصبحا أستاذي جامعة، واعتماداً على هذا النفوذ أصبح الابن الثالث (حسن) مقاول بناء وتاجر عقارات في المشاريع العمرانية الجديدة، ولا سيما الواقعة منها على أراض مغتصبة لملاك غائبين في مدينتي دمشق وحلب، وكذلك فعل تقريباً الابنان الأخيران. وكلما تزوج واحد منهم احتل إحدى الاستراحات العائدة للنقابات العمالية للإقامة الدائمة فيها، رغم امتلاكهم منازل عدة.

متجاهلاً ما يفعل أبناؤه، ظل محمد شعبان يرى نفسه بعثياً شريفاً ويتباهى أمام أصدقائه القدامى أنه يواظب على تأدية فروض الصلاة حتى أثناء مشاركاته في مؤتمرات خارجية، ويُجمع هؤلاء الأصدقاء على أنه "كان طيباً"، ولكن لا يحب التورط في تقديم خدمات كبيرة لبعض من يواجهون المتاعب، وإن كانوا ضحايا مؤامرات،. وحين يشتكي قادم من حلب لعزوز من مظلمة بعثية أو نقابية كان يكرر اللازمة ذاتها "طلَع لقدام، لازم تتفاءل وتتعب على حالك والمستقبل إلكن وقدامكن". ربما تعكس هذه النصيحة نظرة عزوز عن نفسه بأنه قد تعب عليها، وهو محق في ذلك إلى حد ما، فمن يحتمل في "سوريا الأسد" وعلى نحو جدّي، عناء المشاركة بيوميات حزب البعث على مدى عقود، أو عناء الاجتماعات الحزبية الطويلة واللقاءات والمناسبات -ومن دون متع حسية لاحقة أو مكاسب مادية كبيرة- سوى الحاج البعثي محمد شعبان عزوز!

قبل مئة عام تقريباً استوطن أبوه عبد القادر قرية الشيخ سعيد قرب مدينة حلب، بعد هروبه من قريته الأصلية الشيخ عيسى شمال المدينة، عقب شجار تسبب بمقتل شخص. وفي موطنه الجديد احتمى بعائلة ميدو الشرسة وكبيرة العدد قبل أن يلتحم بها بسلسلة مصاهرات، ولمزيد من الحماية عمل إماماً لمسجد القرية، غير أن ذلك لم يمنع استضعافه واستضعاف أبنائه حتى التحاقهم بالسلطة، ابتداء من إبراهيم الذي أصبح عراب الأسرة وصانع رأسمالها السلطوي، معتمداً على مهارته في تأسيس العلاقات مع قادة حزب البعث وضباط المخابرات جيلاً فجيل، وبدءاً من أمين الحافظ أول رئيس بعثي لسوريا.

تاريخ إبراهيم عزوز الممتد فضلاً عن جرأته وذكائه النسبي، جعل منه شخصية غنية ومحبوبة ومؤثرة وسط مجتمعه. وبعد مقتله وزوجته واثنتان من بناته في العام 2013 في بيته بالشيخ سعيد على يد بعض مقاتلي الجيش الحر في العام 2013، انتقلت قيادة الأسرة إلى أخيه أكرم عضو مجلس الشعب الذي يجسد الوجه الفاسد واللئيم لآل عزوز، حسبما يقول المقربون من الأسرة، التي أخرجت جيلها الثالث الذي بدأ يتلمس طريقه في الاتجاه الموروث ذاته: الوظائف الحكومية أو مهنة المحاماة إلى جانب الانتساب النشط لحزب البعث وتنظيماته.

]]>
النازحون في السويداء.. من (المخاطرة) باستقبالهم حتى الدفاع عنهم http://ayn-almadina.com/details/5366/5366/ar 5366 date2023-01-28 17:35:00 ayn-almadina تغير المزاج الشعبي في السويداء بالتزامن مع تآكل سلطة الأسد فيها، فانتقلت الأصوات المعارضة على سبيل المثال من الحيز المكتوم إلى الجهر. قبله لم يكن الحال كما هو عليه الآن، إذ كان استقبال النازحين فقط يشكل مغامرة وخطراً أمنياً وضعني تحته الجيران الموالو...
النازحون في السويداء.. من (المخاطرة) باستقبالهم حتى الدفاع عنهم

النازحون في السويداء.. من (المخاطرة) باستقبالهم حتى الدفاع عنهم

رادار المدينة

تغير المزاج الشعبي في السويداء بالتزامن مع تآكل سلطة الأسد فيها، فانتقلت الأصوات المعارضة على سبيل المثال من الحيز المكتوم إلى الجهر. قبله لم يكن الحال كما هو عليه الآن، إذ كان استقبال النازحين فقط يشكل مغامرة وخطراً أمنياً وضعني تحته الجيران الموالون للأسد، ودورية الأمن التي جاءت لتسجيل أسماء عائلتين من النازحين استضفتهما في المنزل. في أحد مساءات تشرين الثاني من عام 2012، وأخبار القصف والقتل والدمار على امتداد الساحة السورية، ما خلا بعض المدن -ومنها السويداء- التي ظلت بعيدة عن الصراع المسلح المحتدم بين تشكيلات المعارضة المسلحة من جهة، والنظام والجهات الداعمة له من جهة أخرى- وصلت آلاف العوائل النازحة إلى السويداء. في بلدتي افترشت العشرات منها الساحة العامة لا يعرفون الخطوة التالية؛ كان المكان بالنسبة إليهم ما يزال لغزاً، وأهله مقفلون أمامهم حرفياً باستثناء مجموعة من الناشطين. العديد من أفراد المجموعة لا يندرجون ضمن مصطلح "الناشطين" الذي ظهر بعد العام 2011 في المحافظات الساخنة، فنشاط المجموعة يصنف على أنه سياسي بالدرجة الأولى؛ انخراطاً في الأحزاب أو الشأن العام، واتخاذ مسافة من السلطة.. وليس من النوع الإغاثي والإعلامي والتحريضي الذي صار يعنيه النشاط في محافظات أخرى، لكن استجابتهم لمعاناة النازحين كانت مساوية لاستجابة أي ناشطين في إدلب أو دير الزور أو ريف حلب، إذ توجهوا إلى الساحة لاستقبال النازحين واستضافتهم في منازلهم، بعد أن تركوا (مثلي) متابعة أخبار المعارك والنزوح على الشاشات مع عائلاتهم. عدت إلى المنزل مع عائلتين من حمص ومن حلب، وما إن بدأنا بتقديم واجب الضيافة والراحة لهما حتى طرق بابنا عنصران من أمن الدولة، وصار الأمر أكثر إرباكاً عندما خرج بعض الجيران يهتفون للنظام ويعبّرون عن انزعاجهم من وفود النازحين إلى المحافظة واستقبالهم. خرج أطفال الجيران يحملون أعلاماً ويهزجون بأغانٍ تمجّد "القائد المفدى" وصيحات لقّنهم إياها ذووهم، مثل"الأسد إلى الأبد.. والأسد أو نحرق البلد"، فكانت مسيرة ليلية صغيرة أمام منزلنا. حاول طفلي الصغير أن يجاريهم فراح يغني ويهتف معهم، لكنهم صرخوا في وجهه، فعاد باكياً لأنهم لا يلعبون معه لعبة الهتافات، فهذه "اللعبة ليست لمن استضاف وافداً"..  هذه لعبة الموالين للنظام حصراً، الذين يقفون موقفاً صارماً من كل ضحايا حربه المفتوحة على مناطق انتشار معارضيه!. العائلتان استقرتا في بيتنا حوالي أسبوعين، تقاسمنا معهم خلالهما بيتنا الصغير، الذي عشنا فيه تفاصيل الحياة اليومية كأشبه ما يكون بأسرة واحدة زاد عدد أفرادها أضعافاً بشكل مفاجئ، إلى حين استطعنا تأمين بيت لهم استأجروه ضمن نفس البلدة. المضايقات كانت يومية من بعض الجيران، والأمن جاء لتسجيل أسماء العائلات وأفرادها، ولسؤالهم عن الطريق الذي سلكوه في نزوحهم وكيفية وصولهم إلى السويداء. ربما خضعت الأسماء للتفييش، لكن والحمد لله لم يعتقل أي شخص منهم، إذ يبدو أنهم لم يكونوا مطلوبين للنظام. ربما تكون هذه الحكاية واحدة من مئات القصص التي عاشتها محافظة السويداء حول الانقسام الذي ساد مجتمعها في تلك الفترة، رغم كونه مجتمعاً متماسكاً إلى حدّ ما، لكن انقسام الآراء حول الموقف من النظام بين موالٍ ومعارض، جعل الانقسام حتى على مسألة استقبال النازحين، فكان يعتبرهم الموالون خصوماً لأنهم من مناطق انتفض شبابها ضد النظام، بينما اعتبرهم المعارضون أخوة وأشقاء في الوطن، والثورة أحياناً. ومع ذلك، فقد توالى النزوح الداخلي القسري على مدى سنوات عدة إلى المحافظة الآمنة نسبياً، فشكّل المعارضون للنظام في السويداء لجان إغاثة لإيواء النازحين وإعالتهم، معتمدين على التبرّعات الإنسانية المموّلة من أبناء المحافظة المغتربين ومن المجتمع المحلي. وبعد أن وصل تعداد الوافدين إلى المحافظة حوالي 15 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، افتتح مراكز إيواء لهم في العام 2012 في معسكر الطلائع والمدينة الصناعية بمدينة "شهبا" و"مطرانية خربا" و"مطرانية السويداء" وبعض مضافات جبل العرب والدور الواسعة، وفي مطلع عام 2018 وصل عدد النازحين إلى حدود 200 ألف شخص وفق أرقام منظمة الهلال الأحمر. تابعت لجان الهلال الأحمر وهيئات المجتمع الأهلي عمليات الإغاثة ولو بتدخّلٍ بسيط وإشراف مسيّس من قبل أجهزة الدولة، وتأثر النازحون بتزايد عمليات القتل والخطف والتهريب من قبل عصابات مختلفة الانتماء في السويداء، وتخلّي السلطة المقصود عن لعب دورها الأمني والحمائي المطلوب، وهذا ما أدى إلى عمليات نزوحٍ معاكسة وعودة الكثير من العوائل إلى المناطق التي أتوا منها خوفاً من الاعتداء عليهم من قبل تلك العصابات. وكان السبب الرئيسي استعادة النظام السوري سيطرته على درعا وريف دمشق ومناطق أخرى في حمص وحماة بعد عام 2018، ورغبة الآلاف في العودة إلى منازلهم.  ومع النزوح المعاكس تراجع عدد النازحين في السويداء إلى حوالي 15 ألف شخص في الوقت الحالي، ينتشر معظمهم في مخيمات عشوائية غربي المحافظة ويعملون بالزراعة، مع وجود مئات العوائل التي ما تزال تقيم في منازل مستأجرة داخل المدن والبلدات الرئيسية، حيث ظلت قيمة الإيجار منخفضة قياساً بباقي المناطق، كون الكثافة السكانية في السويداء منخفضة. اليوم مثلاً إيجار الشقة بمدينة السويداء يتراوح بين 100 و500 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ في الأرياف والبلدات 75 ألف. أما "مخيم رساس" جنوب المحافظة المعروف أيضاً بمخيم الطلائع، فهو المركز الوحيد الذي ما يزال موجوداً، وفيه تتعرض عشرات العوائل للمضايقات لإخلائه منذ آب الماضي، حتى أن فرع الأمن السياسي طلب ممن تبقى من النازحين المقيمين فيه إخلاءه عدّة مرّات بحجة أن مديرية التربية ترغب في إعادة تفعيل معسكرات الطلائع. لكن من تبقى من النازحين رفض المغادرة، فمناطقهم ما تزال غير آمنة وبيوتهم مدمرة. لجأ المسؤولون عن المخيم إلى قطع المياه والمساعدات عن قاطنيه لأكثر من شهر، ولولا تدخل وجهاء وشخصيات دينية من أهالي السويداء لاستمرت اللجنة المسؤولة عن المخيم بقطع الخدمات لطرد النازحين منه بإيعاز من فرع الأمن السياسي، في جو عام لم يعد فيه صوت من يرحبون بإيواء النازحين أو معارضة النظام أو حتى إسقاطه مكتوماً.

]]>
السوريون و(كمال الأجسام).. لعبة المقتدرين والمتأثرين بالصور النمطية http://ayn-almadina.com/details/5367/5367/ar 5367 date2023-01-31 19:59:38 ayn-almadina ارتبطت لعبة كمال الأجسام "الحديد" في مخيلة السوريين بصورة الجسم ذي العضلات الضخمة، وهذا يفسر قلة المواظبين على هذه اللعبة بالرغم من كثرة المتحمسين الذين يستعجلون النتائج، ما يجعلهم زبائن مؤقتين للنوادي المنتشرة بكثافة في عموم سوريا. عن ك...
السوريون و(كمال الأجسام).. لعبة المقتدرين والمتأثرين بالصور النمطية

السوريون و(كمال الأجسام).. لعبة المقتدرين والمتأثرين بالصور النمطية

رادار المدينة

ارتبطت لعبة كمال الأجسام "الحديد" في مخيلة السوريين بصورة الجسم ذي العضلات الضخمة، وهذا يفسر قلة المواظبين على هذه اللعبة بالرغم من كثرة المتحمسين الذين يستعجلون النتائج، ما يجعلهم زبائن مؤقتين للنوادي المنتشرة بكثافة في عموم سوريا. عن كثب، تختلف نظرة المنخرطين في اللعبة إليها؛ فهناك من يعتبرها وسيلة للحصول على اللياقة البدنية فقط، بينما يطمح القسم الأكبر إلى الحصول على جسم حديدي صلب وضخم وبارز العروق، في استنساخ لنمط الجسم المصنّع الذي تصدره ماكينات الإعلام الأمريكي خاصة. وفي الحالتين تشكل اللعبة مصدر دخل جيد لملاك النوادي، لكنه يبقى في حده الأدنى مقارنة بما كانت تدره اللعبة قبل الثورة. فلسفة اللعبة انحازت إلى الضخامة منذ السبعينات مع بطلها الأسطوري الممثل الهوليودي والسياسي آرنولد، لكن الجسم ذا العضلات الضخمة والرقبة المدورة الواقفة والصدر الحجري المستقيم والظهر العريض، ربما لا يشكل كامل الصورة عن حالة السوريين معها، لكنها تعد أبرز أدوات التحفيز لدخولهم نوادي لعب الحديد. ولعل أقوى دليل على تأثر السوريين بهذه الرياضة بنمطها الغربي، كثافة التعليقات الساخرة على السوشيال ميديا التي توجه مراراً إلى المشاركين في العروض المحلية، سواء تلك التي تتم في مناطق سيطرة النظام أو "قوات سوريا الديمقراطية" أو مناطق المعارضة. وأبرز التعليقات تتناول الأجسام الهزيلة للمشاركين كونها لا تشبه الصورة النمطية في مخيلة السوريين عن هذه اللعبة. لكن اللعبة نرجسية على أي حال، فمن الطبيعي ألا تهتز نظرة ممارسيها إلى أنفسهم رغم ذلك.  ولطالما لم تستطع اللعبة تصنيف نفسها بين الفن والرياضة والاستعراض، وظلت في أحسن الأحوال هواية مكلفة، وصدّرت صورة غير حقيقية للجسد، لكنها صارت مشتهاة ومرتبطة بالحياة الحديثة على مستوى العالم. وبينما ينتظر لاعبو كمال الاجسام المحترفون في أمريكا مثلاً، أن يستفيدوا مالياً من خلال البطولات والعروض والمشاركة في الأفلام وغيرها، وتصبح الضخامة هدفاً بحد ذاته لأن "الجمهور يدفع لمشاهدة وحوش"- يسعى اللاعب السوري إلى استنساخ تلك الصورة دون مقابل!. الصورة التي ترتبط بالعمل على تضخيم وشد كل عضلة في الجسم، سواء باستخدام اللعب الطبيعي المركز والذي يمارس وفق برنامج مدروس ومحسوب بدقة متناهية، أو تناول المنشطات التي تساعد على تضخيم العضلة المقصودة مع ما يترتب عن هذه الممارسة من آثار سلبية على الصحة وآلام تنتاب المتعاطي في أثناء عملية التدريب وتناول المنشطات. أما بالنسبة للفئات العمرية والاقتصادية التي تستقطبها لعبة كمال الأجسام فتشكل الفئة الشبابية العمود الفقري لهذه الرياضة، إضافة إلى كونها رياضة ذكورية بامتياز، تستقطب عادة الشبان الموسرين أو الطلاب. بينما يبتعد الشبان الحرفيون والعاملون في مجالات تستلزم دوام يوم طويل عن دخول النوادي، كون أوقاتهم لا تسمح بممارسة مثل هذه اللعبة الشاقة.  في إدلب يمكن ملاحظة استقطاب اللعبة لفئة النشطاء الصحفيين، الذين يرتدون الملابس الرياضية ذات الماركات العالمية، ويواظبون يومياً على دخول النوادي وممارسة لعب الحديد على شكل مجموعات يغلب عليها طابع الصداقة الناشئة عن زمالة المهنة. ولعل المستوى المعيشي الجيد نسبياً الذي يعيشه معظم النشطاء، لاسيما العاملين مع وكالات الصحافة الأجنبية، يساعد على إقبالهم على هذه اللعبة من منطلق تزجية بعض الوقت وإيجاد نوع من الهوايات الجماعية.  ينصح المدرب أبو أسامة زبونه الجديد وهو شاب مكتنز بالشحوم وبكرش كبيرة، أن يمتنع عن تناول السكر. "من الآن فصاعداً.. كلّ طعام أو شراب يحوي ولو غراماً من السكر ممنوع منعاً باتاً. هذا هو قانون النادي". افتتح أبو أسامة ناديه لكمال الأجسام في مدينة بنش شرقي إدلب منذ سنوات عديدة، مستخدماً أدوات تدريب متواضعة لكنها "تفي حاليا بالغرض" بحسب ما يؤكد لعين المدينة. ومنذ الافتتاح لم يتوقف النادي عن استقبال عشرات المتحمسين للعب الحديد شهرياً، لكن "قلة من هؤلاء الشبان يواظبون على ممارسة هذه اللعبة الشاقة"، والمكلفة نظراً إلى حاجة اللاعب إلى تناول كميات كبيرة من البروتين من مصادر طبيعية أو مصنعة (المكملات).  تضم بنش وهي مدينة صغيرة 3 نوادي للعبة كمال الأجسام، ما يعكس حجم الإقبال من قبل الشبان على هذه اللعبة. وتبلغ كلفة النادي الذي أنشأه أبو أسامة قرابة 5 آلاف دولار إذ اعتمد على شراء أدوات مستعملة، ولم تسمح له ظروفه المالية بشراء بعض الماكينات المرتفعة الثمن مثل جهاز المشي الكهربائي.  وتبلغ قيمة الاشتراك الشهري في نادي أبو أسامة 6 دولار، وهو سعر رخيص مقارنة ببعض النوادي الأخرى التي تضم أجهزة أحدث وغرفة ساونا وصالة أوسع، وتتقاضى شهريا قرابة 20 دولاراً عن كل مشترك. يوضح أحمد أحد المشتركين في ناد للحديد بمدينة إدلب لعين المدينة، أن كل ناد يفرض اشتراكاً شهرياً بحسب الخدمات التي يقدمها، ف"النادي الواسع والمجهز بتجهيزات حديثة وحمام وساونا، يختلف عن النوادي الأخرى ضعيفة التجهيز. لكن الإقبال على النوادي الأخيرة أكبر بسبب الظروف المادية للمشتركين".  ويشير أبو فراس وهو أحد مدربي كمال الأجسام خلال حديث لعين المدينة، إلى ارتباط التصور عن هذه الرياضة بين الشباب بالمنشطات والمكملات، وهو تصور غير دقيق ويعتمد على النموذج الغربي الذي يصرف عليه أموال كثيرة ليغدو الجسم مفتول العضلات بصورة ضخمة جداً، مع تعاطي منشطات غير صحية.  ويضيف أبو فراس أن تعاطي المنشطات موجود داخل النوادي السورية لكن بشكل محدود، لأن معظم المدربين ينصحون اللاعبين بعدم الإقدام على هذا النوع من تضخيم العضلات، كما أنه يسبب آلاماً كبيرة للمتدرب عقب تعاطيه إياها.  من وجهة نظر استثمارية يؤكد أصحاب النوادي تراجع المردود المالي للعبة كمال الأجسام، ويقارن أبو فراس بين ما كان النادي يدره قبل الثورة ومكاسبه المالية اليوم. يقول "تعادل الأرباح الحالية ربع أرباح النادي قبل الثورة.. كان الربح الشهري لا يقل عن 100 ألف ليرة، أي قرابة ألفي دولار، أما اليوم فلا يزيد الدخل الشهري عن 500 دولار".  

]]>
50 جريمة في شهرين.. انفلات أمني في منطقة قسد بدير الزور http://ayn-almadina.com/details/5368/5368/ar 5368 date2023-02-02 06:32:17 ayn-almadina "أين العقلاء؟.. أين الوجهاء؟.. أوقفوا إطلاق النار.. هناك إصابات.. احقنوا الدماء". أطلق هذا النداء من مكبرات الصوت في مسجد، أثناء اشتباك بالأسلحة النارية نشب في شهر كانون الأول الماضي، بين أقارب في بلدة غرانيج الواقعة تحت سيطرة "قوات...
50 جريمة في شهرين.. انفلات أمني في منطقة قسد بدير الزور

50 جريمة في شهرين.. انفلات أمني في منطقة قسد بدير الزور

رادار المدينة

"أين العقلاء؟.. أين الوجهاء؟.. أوقفوا إطلاق النار.. هناك إصابات.. احقنوا الدماء".

أطلق هذا النداء من مكبرات الصوت في مسجد، أثناء اشتباك بالأسلحة النارية نشب في شهر كانون الأول الماضي، بين أقارب في بلدة غرانيج الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في محافظة دير الزور. ومع غزارة الرصاص لم يكن بوسع أحد التدخل للتهدئة إلا بعد أن تعب الطرفان المتحاربان وتعبت البلدة كلها.

لم تعد هذه الواقعة  نادرة، بل أصبحت اعتيادية في معظم القرى والبلدات في هذه المنطقة، فكل يوم أو يومين يحدث اشتباك بين أسرتين من عشيرة أو عائلة واحدة، وأحياناً داخل الأسرة الواحدة، أو تحدث جريمة قتل تنسب لفاعل مجهول، أو خطف أو سلب تحت تهديد السلاح، إضافة إلى حوادث السرقة المتنوعة التي تطال ممتلكات عامة وخاصة.

في شهري كانون الثاني وكانون الأول الفائتين، ووفق الأخبار اليومية المنشورة في صفحات فيسبوك إخبارية محلية، بلغ عدد الحوادث والجرائم التي استخدم فيها السلاح 50 تقريباً، جاء معظمها إما في سياق نزاعات أهلية، أو سياق جنائي مرتبط بالسرقة والسلب، أو أمني مرتبط بالخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

يقول محمد وهو ناشط في منظمة خيرية، أن الانفلات الأمني هو أكبر التحديات التي يواجهها سكان المنطقة "الأمان مفقود، ومقتل شخص ما صار خبر عادي ينتسى بسرعة، بعدما كان بالماضي موضوع حديث الناس لأسابيع". وقد يتطور أي شجار لفظي بين شخصين إلى اشتباك مسلح قد يسفر عن سقوط قتلى وجرحى، ما يعني بداية لسلسلة من حوادث الثأر والانتقام اللاحقة، كما تتسبب كل جريمة خطف أو سلب أو سطو مسلح، تنسب لفاعل مجهول بمزيد من الجرائم المشابهة، وأما خلايا داعش التي انخفض عدد عملياتها عما كانت عليه قبل عام أو عامين، فلم تعد  المسبب الأول لحالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة، وفق ما يرى الناشط الذي يذكر بأن تنظيم داعش ومن خلال عمليات الإعدام التي نفذها في معظم القرى والبلدات في أثناء سيطرته، أو تلك المنقولة عبر الانترنت، هو أول من كسر الحاجز النفسي لدى الشبان والمراهقين والأطفال إزاء فعل القتل.

إلى حد كبير تتحمل السلطة القائمة مجسدة بالإدارة الذاتية وذراعيها العسكري (قسد) والأمني (قوى الأمن الداخلي) مسؤولية الانفلات الأمني في دير الزور، حيث فشلت هذه السلطة في إرساء الحد الأدنى من مقومات الأمن في المنطقة، ومن النادر أن يلقى القبض على القتلة أو على اللصوص وقطاع الطرق. ووفق تقديرات مقربين من هذه السلطة، يبلغ عدد عناصر قوى الأمن الداخلي 4 آلاف عنصر، يتوزعون جغرافياً على العديد من المراكز المنتشرة في معظم المدن والبلدات، إلا أنهم ورغم ضخامة أعدادهم، بلا دور يذكر في فض الاشتباكات الأهلية أو تعقب المجرمين وإلقاء القبض عليهم. وبلا دور حتى في تحقيق الحد الأدنى من الأمان على الطرقات الرئيسية، ولا سيما بعد غروب الشمس. ونتيجة لغياب هذا الدور تتوقف تقريباً حركة المرور والتنقل ليلاً على بعض الطرق. ويتهم أحمد وهو مدرس سابق من منطقة البصيرة، بعض عناصر ومجموعات قسد بأنهم متورطون ببعض جرائم السلب و"معهم الدواعش" كما يقول، إضافة إلى "الحرامية وقطاع الطرق العاديين"، وباستثناء الحالات الضرورية يتجنب أحمد الذي أصبح يحمل مسدساً، التنقل بعيداً عن منطقته "لأن الواحد صار ينقتل وما ينعرف مين قتله وليش انقتل".

وأمام هذا الفشل الأمني للإدارة الذاتية وقواتها المختلفة، لا تبدو البدائل التي يلجأ إليها الأهالي في تسوية النزاعات فعالة إلا في الحد الأدنى، فبالرغم من أهمية دور جلسات الصلح والتقاضي العشائري في التهدئة، إلا أنها ليست كافية، لأنها تفتقد إلى آليات التنفيذ أو إلى الأدوات التي تجبر أحد الطرفين على تنفيذ الأحكام الصادرة عنها. كما أنها تعتمد على الرغبة الشخصية لدى طرفي النزاع بالمثول أمام هذه اللجان أو الأشخاص الذين ينظمون هذه الجلسات.

بدون "حزم وردع وعقاب" كما يقول عبد الله وهو طالب جامعي سابق من أهالي منطقة الكسرة في الريف الغربي، يتزايد عدد الجرائم وتمتد ظاهرة العنف إلى المزيد من المجتمعات المحلية، فبعدما كان الريف الغربي بالعموم يُعد منطقة هادئة وآمنة كما يؤكد محمد، وقعت في الشهر الماضي ثلاثة جرائم قتل، أحدها ثأراً واثنتان نفذها مجهولون، إضافة إلى العديد من جرائم السرقة والسلب على الطرقات.

ويشير محمد إلى عامل إضافي في اتساع ظاهرة الانفلات الأمني التي تشهدها دير الزور، وهو انتشار تهريب وتعاطي المخدرات التي "تدفع بعض المتعاطين للسرقة والتشليح، أو إلى القتل تحت تأثير التعاطي في بعض الحالات".

]]>
بعد صدمة الزلزال.. إدلب تفتقد الدعم الخارجي (هناك بعض الأشخاص توفوا قبيل وصولنا إليهم) http://ayn-almadina.com/details/5370/5370/ar 5370 date2023-02-14 19:50:53 ayn-almadina "خمسة أشخاص تحت الأنقاض كانوا يناشدوننا لإنقاذهم لمدة يومين، لكن نفسهم وصوتهم انقطع اليوم" هذا ما يقوله ابن العم مازن سعيد (30 عاماً) في مدينة سلقين بعد يومين من وقوع الزلزال. وكان ابن عمه مع زوجته وأبنائه الثلاثة قد قضوا تحت أنقاض بناية تق...
بعد صدمة الزلزال.. إدلب تفتقد الدعم الخارجي (هناك بعض الأشخاص توفوا قبيل وصولنا إليهم)

بعد صدمة الزلزال.. إدلب تفتقد الدعم الخارجي (هناك بعض الأشخاص توفوا قبيل وصولنا إليهم)

رادار المدينة

"خمسة أشخاص تحت الأنقاض كانوا يناشدوننا لإنقاذهم لمدة يومين، لكن نفسهم وصوتهم انقطع اليوم" هذا ما يقوله ابن العم مازن سعيد (30 عاماً) في مدينة سلقين بعد يومين من وقوع الزلزال. وكان ابن عمه مع زوجته وأبنائه الثلاثة قد قضوا تحت أنقاض بناية تقع خلف مستشفى الحكمة في سلقين، يسكنون فيها منذ نزوحهم من معرة النعمان، تتألف من أربعة طوابق انهارت تماماً بسبب الهزة الأرضية الأولى.

ويوضح مازن بأنه جمع مجموعة من الشباب لمساعدة ابن عمه وعائلته، لكنهم لم يستطيعوا فعل أي شيء لعدم توفر المعدات الثقيلة من تركسات وحفارات وغيرها. وهو الأمر الذي اشتكى منه هيئات ومنظمات محلية عديدة تعمل في إدلب وحلب، مثل الدفاع المدني.

محمد زعتور عامل في الدفاع المدني العامل في إدلب، قال بأنهم عملوا بجد لإنقاذ الناس، لكن لا يوجد كوادر كافية لمراعاة السرعة في البحث، والتي تنقذ المزيد من الأحياء قبل فوات الأوان، وذلك لقلة الإمكانيات مقابل حجم الكارثة وامتدادها.

الإعلامي جميل الحسن من كفرنبل والذي كان يرافق فرقة من الدفاع المدني السوري في بلدة جنديرس المنكوبة شمال حلب، قال بأنه خلال جولتهم في البلدة كانت مجموعة من الناس تستنجد وتناشد من تحت الأنقاض، تبلغ حوالي ستين شخصاً من أصل 200 شخص، لكن بعد مضي المزيد من الوقت كان عددهم يتناقص حتى بلغ 12 شخصاً ناجياً على قيد الحياة  فقط  بعد إخراجهم. وأضاف قائلاً "هناك بعض الأشخاص توفوا قبل وصولنا إليهم بساعة تقريباً". لم يفتح معبر باب الهوى -وهو الوحيد المخصص للمساعدات الإنسانية- مباشرة أمام محاولات أهلية سورية من داخل تركيا لإنقاذ العالقين، كما في حالة المساعدة التي جهزها الفنان السوري الكوميدي (يمان نجار) من حلب، وهي 24 تركس من داخل الأراضي التركية لدخول الأراضي السورية للمساعدة في الإنقاذ منذ بداية حدوث الزلزال.

في اليوم الثالث على الزلزال نشرت إدارة معبر باب الهوى على موقعها الرسمي على الأنترنت، أنه "لم يصل إلى المناطق المحررة شمال غرب سوريا أية مساعدات من أي جهة كانت، سواء كانت أممية أو غير أممية" وأبدت إدارة المعبر استعدادها "لتسهيل عبور أية قوافل إغاثية أو فرق تطوعية أو معدات تساعد في إزالة الأنقاض أو أي شيء يخفف عن أهلنا المنكوبين".

لكن المعبر فتح رسمياً فقط أمام سيارات القتلى السوريين الذين قضوا بسبب الزلزال وهم قادمون من داخل الأراضي التركية لدفنهم، بينما جاءت تصريحات الخارجية التركية بأن تركيا "ترغب بتيسير الدعم الدولي ليصل إلى الشعب السوري وستبذل قصارى جهدها لمساعدة الشعب السوري". في حين أفاد مدير الدفاع المدني في مدينة حارم المنكوبة عبد الرحمن حنيني، بأن إدارة الدفاع المدني شمال غرب سوريا طالبت رسمياً بتحقيق دولي علي لسان رئيسها (رائد الصالح) من مدينة جسر الشغور، حول تأخر وصول المساعدات إلى المنطقة.

وبعد أسبوع على الكارثة، وفي مساء 13 شباط قالت إدارة فريق الدفاع المدني على صفحتها الرسمية في فيسبوك، أن عدد ضحايا الزلزال بلغ 2274 شخصاً، وأكثر من 12400 مصاب، مع استمرار عمليات البحث لانتشال جثث المتوفين.

عبد الرحمن حنيني من كفرنبل قال لعين المدينة "كان من الممكن أن يكون عدد الضحايا أقل من ذلك لو كان هناك فرق إنقاذ عالمية جاءت للمساندة فور وقوع الزلزال، لكن لم يصل أحد ما عدا بعض الفرق التي جاءت من دولة مصر العربية بعد يومين من وقوع الزلزال".

وأفاد عبد الرحمن أن تكاتف الناس في المنطقة ومساندة بعضهم بعضاً قد ساهم بحد كبير في إنقاذ وإخراج بعض الناجين والمتوفين من تحت الأنقاض، حيث جاءت كوادر شبابية مع معداتها للعمل من جرافات وبواكر وتركسات وجرارات من مناطق جبل الزاوية جنوب المنطقة المنكوبة، ومن مناطق أخرى لم تتأثر بالزلزال. وأشاد بالدور الكبير الذي تجسد في تكاتف الناس والذي أدى إلى العمل المفيد والفاعل في إنقاذ الكثيرين ونجاح سير عملياتهم حسب تعبيره.  وعن عدد العوائل والأشخاص الذين ما زالوا تحت الأنقاض بعد مضي مئة ساعة على الزلزال العنيف، قال عبد الرحمن: "لا يمكن التكهن بهذا العدد لأن العملية ما زالت  مستمرة، ونحن نعمل بناء على بلاغات أهالي المفقودين لنا  بفقدهم، وبناء على تقديراتنا الخاصة وما نشاهده أمامنا".

استنكر الإعلامي السوري محمد الفيصل وصول مساعدات من الأمم المتحدة بعد خمسة أيام من وقوع الكارثة مساعدات غير معنية بإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض أصلاً.

فيما يرى رئيس المجلس المحلي في مدينة كللي (إسماعيل مصطفى)، أنه لا يجب التقليل من شأن المساعدات الأممية المادية لمواجهة الأضرار والاحتياجات للمتضررين بعد الأزمة، فهناك من بقوا بدون منازل بعد تصدع منازلهم وعدم صلاحيتها للسكن مرة أخرى، أو ممن فقدوا أثاثها وحالياً يسكنون في مراكز الإيواء التي أقيمت بجهود المتطوعين السوريين من الأهالي وتبرعاتهم، سيما وأن عددهم يزداد يوماً بعد يوم مع استمرار انهيار المباني المتصدعة بسبب الهزات الارتدادية.

بلغ عدد تلك المنازل المتضررة  بعد مضي أسبوع 550 مبنى متهدم بشكل كامل، و1570 مبنى متهدم جزئياً بحسب آخر إحصائية صادرة عن إدارة الدفاع المدني بهذا الخصوص، وأغلب أصحاب هذه البيوت  أحياءً دون منازل.

تقول فاطمة وهي ناجية نازحة من مدينة حلب تسكن في مدينة سلقين مع عائلتها التي تبلغ ٨ أفراد "قضينا  ليلة باردة جداً يوم الزلزال في أحد شوارع المدينة قبل أن يتطوع أحد الأهالي في الصباح ويأخذنا إلى بيته" وبكل الرضا والتسليم تختم فاطمة كلامها قائلة "لقد تعودنا على الألم والمعاناة، الحمد لله على كل حال".

]]>
اللحظة الوطنيّة التي احتاجت زلزالاً http://ayn-almadina.com/details/5371/5371/ar 5371 date2023-02-15 15:30:52 ayn-almadina لم يكد ينتصف يوم الإثنين السادس من شباط 2023، حتى بدأ الوعي السوري الجمعي يدرك أن ثمّة كارثة كبرى حلّت على البلاد، التي تعيش كارثة أصلاً منذ أكثر من عقد، وعلى ناسها الذين يتوزّعون في أصقاع الأرض وفي جعبة كلّ منهم آثار هزيمة وخسارات فادحة. تقاطرت ص...
اللحظة الوطنيّة التي احتاجت زلزالاً

اللحظة الوطنيّة التي احتاجت زلزالاً

رادار المدينة

لم يكد ينتصف يوم الإثنين السادس من شباط 2023، حتى بدأ الوعي السوري الجمعي يدرك أن ثمّة كارثة كبرى حلّت على البلاد، التي تعيش كارثة أصلاً منذ أكثر من عقد، وعلى ناسها الذين يتوزّعون في أصقاع الأرض وفي جعبة كلّ منهم آثار هزيمة وخسارات فادحة.

تقاطرت صور وفيديوهات الزلزال المدمّر الذي ضربَ سوريا وتركيا دقيقةً إثر دقيقة، مع انقطاعٍ تام لوسائل الاتصال عن غالبية المناطق المتضررة في اليوم الأول. وظلّت المعلومة المؤكّدة الوحيدة أنّ هنالك كارثة.

عاد الخبر السوري ليحتل الفضاء العام في العالم بأسرهِ، بعد أن صار هامشياً وثانوياً لسنوات طويلة، وانقسم السوريون لا سياسيّاً هذه المرّة: قسم يعيش في المناطق المتضررة، نجا أو يحاولُ النجاة، وقسم آخر كان له أقارب وأصدقاء في إحدى هذه المناطق ويسعى لإيجادهم أو معرفة أيّ معلومة تخص مصيرهم.

وبما أنّ الموت لا يُخيف الموتى، فإن القسم الأكبر ممن بقي من السوريين كانَ يعيش رهاب الموت العميم الذي تصدّره الشاشات والهواتف المحمولة. استغرق الأمر يوماً أو اثنين حتّى بدأت تتبدّى ملامح الكارثة، وأمام الهول استُرجع السؤال الكبير بعد أن غيّبهُ اليأس والخذلان ويقين اللا جدوى: ما العمل؟!

بدا واضحاً أمام حجم الضرر أن السوريين يحتاجون إلى كلّ شيء. ليس بسبب وهم الاعتقاد بمركزيّة قضيّتهم، إنما لإيمان معُلن عند من يعيشون خارج سيطرة نظام الأسد، ومُضمر عند من يعيشون تحت قبضته، أنّ النظام لن يقدّم حلولاً واستجابات سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أدركوا أن الوقت عدوّهم الأول، واستشعروا -جميعاً هذه المرّة- أنهم لوحدهم في مواجهة الزلزال، وانضووا في لحظة واحدة تحت راية الفزعة!

بعد يوم الصدمة الأول، وخلال الأيام التي تلت سُيّرت قوافل باصات من المناطق التي نجت من الزلزال باتجاه حلب ومدن وبلدات الساحل المتضررة. أعلن الآمنون عن استعدادهم لتقديم مأوى كريم للمتضررين، سخّر الجرّاحون إمكاناتِهم وأجروا العمليّات بلا مقابل، فتح الأطباء عياداتهم وأعطى الصيادلة أدوية للمرضى وحليباً للأطفال مجاناً، قدّم المهندسون خدمات استشارية تخص المباني المتضررة وإمكانية العودة إليها، أرسل المزارعون من منتجاتهم الزراعية ودفع التجار أموالاً لمبادرات الإغاثة الأهلية، أرسلت النسوة قطرميزات المكدوس والمخلّل التي استغرقت في صناعتها أياماً، أرسلن أيضاً اللحف وفرشات الصوف التي كنّ يحملنها في زفافهنّ قديماً إلى بيوت الأزواج. تلك الثروة التي لطالما اعتُدّ بها.

وفي حين كانت الأمم المتحدة قد أدخلت أربع عشرة شاحنة إغاثية إلى سوريا، كان السوريون قد أرسلوا مئات الشاحنات والسيارات الإغاثية إلى المناطق التي يُمكنُ الوصول إليها، المُدن الواقعة تحت سيطرة النظام أرسلت مساعداتها إلى حلب وحماة ومدن الساحل، بينما أوصل عشائرُ وسكّان دير الزور والرقّة والحسكة والقامشلي ما يفوقُ مائتي شاحنة من المساعدات العينية لضحايا الشمال السوري الخارج عن سلطة الأسد.

جاء رجلٌ مُسنٌّ إلى أحد مستشفيات مدن الساحل السوري لا يحمل في يده شيئاً، وحين سُئلَ عن سبب مجيئه قال إنّه جاء "ليسلّم نفسهُ" للمستشفى، وبصوت مرتجف قال: قطّعوا من جسمي ووصلوا للمصابين البريئين.. أنا قربان سوريا.

أطلقت مساجد المخيّمات والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري حملات تبرّع للمتضررين جمعت خلالها عشرات آلاف الدولارات. دخلت طفلة إلى مسجد فاطمة الدملخي في بلدة عقربات وتبرّعت بحصّالتها الصغيرة، ورفضت طلب شيخ المسجد بالعدول عن الفكرة.

المُهجّرون والمنفيّون السوريون صار اسمهم مغتربين. استفاق منهم من أكلهم اليأس، أولئك الذين يقضون أيامهم في منافيهم بلا أيّ إحساس بجدوى وجودهم، ولم تستطع الحياة الحديثة التي يعيشونها أن تزيل الآثار النفسية للهزيمة التي مُنيت بها حيواتهم القديمة. استطاعوا بجهود جبّارة تحمّل المسؤولية وحشد محيطهم وإمكاناتهم من أجل تقديم العون؛ منهم من اكتشف أنّ خطوط الهاتف في مدن مثل أنطاكيا تعمل إذا كان الاتصال خارجياً فحسب، فأعلن الاستعداد لطمأنة الناس عن ذويهم الذين يعيشون في تلك المدن، ومنهم من استطاعوا تنظيم حملات تبرّع ضمن أماكن عملهم، وغير ذلك الكثير من أشكالِ الدعم والمؤازرة.

ولئن كان الموقف السياسي عاملاً أساسياً في تقديم العون الإنساني بين السوريين خلال العقد الأول من الثورة، فإنّ الزلزال الذي لا هويّة لمُسبّبه، خلق شعوراً بدائياً لدى السوريين: شعور الجنس البشري في مواجهة الطبيعة، التي لا يُمكن لأحد أن يقوى على معاداتها، وكل ما يمكن فعله هو التكاتف لتخفيف الأضرار الناجمة عن جبروتها.

أخوّة الجنس البشريّ تلك ولّدت لحظة وطنيّة خاصة لم يحظَ السوريون بمثلها منذ بداية الثورة عام 2011، ولعلّها كانت أكثر صدقاً نظراً لانتفاء الخلاف على المسبّب: لم يسأل أحد عن هويّة الضحايا السياسية والدينية والجنسية، كان ثمّة رغبة جامعة بالاحتفاء بالسلوك الإيجابيّ، وتحييد السلوكيّات المشينة التي تُظهرها النوائب عند البعض، مثلما تُظهر نقيضها عند الغالبية. وعلى الرغم من انتشار صور ومقاطع فيديو لبسطات تبيع بضائع ومواد إغاثية كانت قد وصلت من دول عربية إلى مناطق سيطرة النظام، وما يعنيه ذلك من أنّ أزلام النظام يبيعون المساعدات التي تصلُه قبل أن تُكمل طريقها إلى من يستحقّها، بالإضافة إلى قرار سلطة الأمر الواقع في دمشق حصر تقديم المساعدات بالمرور عبرها، ووصول الأمر إلى اعتقال بعض الأشخاص الذين يقدّمون العون بمبادرات فردية كما أكد شهود في الداخل- إلّا أنّ هذا كلّه لم يأخذ مساحة كبرى من المتداول لدى السوريين.

صار النظام هو الهامشيّ في اللحظة الوطنيّة الفارقة، صار أصغر من الهويّة الجامعة، وبدا التحالف أكثر وضوحاً: النظام وأهله حلفاء الزلزال والكارثة، وبقية السوريين حلفاء الضحايا والمتضررين.

كأنّ السوريين احتاجوا إلى أي شيء يجمعهم في خندق واحد، وإن كان خندقاً لدفن الموتى. ولكأنّ معجزة وجودهم في مكان واحد وعلى هدف واحد، كانت ترقى إلى المستحيل، وتحتاج إلى أن تُحدث زلزالاً بهذا الحجم!

لحظة وطنيّة خالصة تنتظر من يستطيع الاستفادة منها.

]]>
هزات الزلزال الارتدادية والنفسية ما تزال تعصف بالسوريين http://ayn-almadina.com/details/5372/5372/ar 5372 date2023-02-16 18:57:22 ayn-almadina تصرّ الطفلة أماني ذات الثمانية أعوام على اعتقدها أن ما جرى ليلة 6 شباط الجاري، كان بمثابة حلم مزعج وليس حقيقة، وهي لا تكف تطالب والداها بالعودة إلى منزلهم الكائن في بلدة جنديرس بريف حلب. حوّل الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غرب سوريا، ال...
هزات الزلزال الارتدادية والنفسية ما تزال تعصف بالسوريين

هزات الزلزال الارتدادية والنفسية ما تزال تعصف بالسوريين

رادار المدينة

تصرّ الطفلة أماني ذات الثمانية أعوام على اعتقدها أن ما جرى ليلة 6 شباط الجاري، كان بمثابة حلم مزعج وليس حقيقة، وهي لا تكف تطالب والداها بالعودة إلى منزلهم الكائن في بلدة جنديرس بريف حلب. حوّل الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غرب سوريا، الحي الذي كانت تسكنه عائلة الطفلة أماني إلى أكوام من الركام التي تناثرت تحتها مئات الضحايا. وكانت سرعة استجابة والد الطفلة، وصمود البناء الذي كانت تقطنه العائلة لدقائق إضافية، حالا دون إزهاق أرواحهم. حالة الإنكار "قُدر لنا العيش، إلا أننا ما زلنا نعيش الصدمة" يقول والد أماني ويوضح بأن طفلته لا تفتأ تطالبه بالعودة إلى المنزل، وبأنها تشعر بالملل من زيارة أحد أقربائهم في مخيمات دير بلوط، وتقول أنها تشتاق لصديقاتها. أصيبت الطفلة أماني بصدمة نفسية دفعتها لإنكار الكارثة كوسيلة دفاعية لديها باللاوعي، وفق ما يصف خبراء نفسيون هذه الحالة. فقد عاشت الطفلة تفاصيل الكارثة، منذ سماعها لصوت اهتزاز الأرض وانهيار الأبنية ونداءات الاستغاثة، إلى مبيتها ليلة في العراء وسط ظلام حالك وبرد شديد مع هطول المطر. وبحسب خبراء في الطب النفسي، فإن الزلزال كأحد الكوارث الطبيعية يؤثر على الإنسان، فعندما يواجه شخص ما كارثة يتعرض لأمرين، الأول هو مرحلة الصدمة وذلك عندما يكون الشخص موجوداً داخل الزلزال أو رآه بعينه. وتتمثل أعراض الصدمة في الدوار، وعدم القدرة على التركيز، وعدم فهم طبيعة ما مر به، ثم يدخل الشخص بعدها مرحلة الإنكار، ما يعني أن الذي مر بالكارثة ينكر إحساسه بأن ما حدث كارثة أو يشعر أنه موهوم. يوضح والد أماني أنه لم يتمكن من عرض طفلته على طبيب نفسي أخصائي، بسبب انشغاله في إيجاد مسكن لعائلته ومساعدة من نجى من الجيران، ناهيك عن افتقار المنطقة لمثل هذه التخصصات. فاكتفى بتلقي بعض التوجيهات من استشارية ناشطة في مجال الدعم النفسي، بهدف مساعدة طفلته على تقبل الوضع الجديد، دون مضاعفات خطيرة على صحتها النفسية. "تمارين الاسترخاء، وطرق في التنفس، والكف عن إجبار الطفلة على تذكر الليلة، واتباع أسلوب بسيط لمحاولة توضيح ما جرى، وإشغالها ببعض النشاطات التي تحبها" كانت نصائح المرشدة التي راسلها والد أماني عبر تطبيق "واتساب". ويقول خبراء نفسيون إن الزلزال الذي لم تتجاوز مدته عشرات الثواني فقط، يمكن أن يمتد تأثيره النفسي لوقت طويل، وتكون أهم الأعراض التي يعانيها الشخص الانشغال العقلي الدائم بالزلازل ورؤية كوابيس وأحلام مزعجة وصعوبة في التواصل مع آخرين، وعزلة اجتماعية وانشغال بفكرة الموت وفناء الجسد (قلق الموت) والخوف من فقدان عزيز، وربما يمتد لوساوس قهرية مثل تخيل حركة واهتزازات، وقد يعاني الشخص بعضاً من تلك الأعراض أو يعانيها مجتمعة بحسب الحالة. ووفق منظمة "يونيسف"، فإن آلاف الأطفال ممن تعرضوا للزلزال أصيبوا بصدمات نفسية من جراء الكارثة، وبالأخص الأطفال في سوريا التي عانت أزمات إنسانية قبل الزلزال الذي تسبب في تفاقمها، وإن تقديم الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال يأتي في الأهمية ذاتها مع تقديم الغذاء والعلاج الجسدي والحاجات الإنسانية الأساسية. تفريغ المشاعر على مدار ثلاثة أيام أجبرت طفلة السيد خالد ذات الستة أعوام عائلتها على النوم بالسيارة بدلاً من المنزل. وتقيم العائلة في بلدة معرة مصرين حيث شعر سكانها بقوة الزلزال، إلا أنها لم تسجل أي ضحايا أو انهيارات كبيرة بالأبنية. يقول خالد أنه هرع في تلك الليلة مع عائلته وسكان المبنى جميعاً، بالنزول إلى الطريق بعد سماع صوت الزلزال والشعور باهتزاز البناء، ولأن الجو كان شديد البرودة جلس خالد برفقة زوجته وطفلته سلوى وطفلهم الرضيع في سيارتهم التي اتجه بها بعيداً عن المباني، وكانت الطفلة سلوى قد استيقظت على صوت الزلزال وأصوات الصراخ والبكاء، لذلك بقيت خائفة وتخشى العودة إلى المنزل لأيام عدة. يقول والد الطفلة أنه يتحايل على ابنته بأعذار مختلفة، وحكايات وقصص تساعدها من الهدوء والطمأنينة، ويخشى بذات الوقت من كوابيسها المستمرة، واستيقاظها في كل ليلة وهي تصرخ وتبكي. وبحسب عاملين في مركز "النفس المطمئنة التابع لمنظمة سامز بريف إدلب"، فإن حالة البكاء والكلام مع الوسط المحيط بالشخص الذي تنتابه آثار نفسية جراء صدمة الزلزال هو أمر جيد، على أن تجري عملية تفريغ المشاعر أمام مختصين، أو أشخاص يمتلكون وعي كافي للتعامل مع الحالة ولا سيما الأطفال. وتشير الظواهر الأولية إلى أن آثار الزلزال النفسية ربما ستستمر لفترة ليست بالقليلة، لا سيما مع استمرار وسائل الإعلام والناس بالحديث عنها، وعدم هدوء النشاط الزلزالي الذي مازال يهز المنطقة. دوار ما بعد الزلازل بينما تؤكد السيدة ضحى (23 عاماً) من سكان دركوش بريف إدلب، أنها لم تخلد لنوم عميق منذ ليلة الزلزال، "يرافقني صداع مستمر وغثيان ودوار وهلع من أي صوت قوي أو دوي". لم تخلع ضحى مع أطفالها ملابس الخروج من المنزل، كما أنها ترفض أن تخلع الحجاب عن رأسها حتى خلال ساعات نومها القليلة، وتبقى مستعدة في كل لحظة مع أي هزة مفاجئة لمغادرة المنزل، وتقضي طيلة يومها بتتبع تحديثات الهزات وكلام خبراء الجيولوجيا، ولا تصدق منهم إلا من يتنبأ بحدوث زلازل أخرى في المنطقة. تقول: "منذ ليلة الزلزال لم أدخل لغرفة النوم حيث شعرت ببداية الاهتزاز، كما لا أستطيع أن أقوم بأي من أعمال المنزل، وأعاني حالة قلق وخوف مستمر لم تنفع معه أقوى أنواع المهدئات". ويصف الطبيب النفسي جلال نوفل، والذي يعمل ضمن مبادرة "العلاج النفسي أونلاين" لتقديم الاستشارات والدعم النفسي، أن الحالة التي أصابت السيدة وتصيب نسبة تصل إلى 30 بالمئة تقريباً من الأشخاص الذين عاشوا الزلزال، هي ما يعرف بـ "متلازمة دوار ما بعد الزلزال (PEDS)"، فعندما يحدث الرعاش القوي في الجسم الذي تتسبب به الزلازل، يتعارض مع الأداء الطبيعي ويسبب خللاً قد يكون له تأثير طويل بعد انتهاء الزلزال. ويوضح الطبيب أن بعض الحالات تسبب التوتر والقلق من خلال تذكر الزلزال، مما يؤدي بالناجين إلى الاعتقاد خطأ أنهم يتعرضون لزلزال، لكنهم في الحقيقة في مكان لا يحدث فيه أي هزة، وهذا ما يعرف بـ "متلازمة الدوار بعد الزلزال PEDS"، والتي تحدث عندما يكون هناك عدم تطابق عصبي بين آلية التوازن في الجهاز الدهليزي للأذن الداخلية، والإشارات الحسية من الأعصاب في العينين والقدمين. كما يشير إلى أن أعراض متلازمة دوار ما بعد الزلزال المميزة غير محددة، وتختلف من شخص لآخر، وتتراوح هذه الأعراض بين تأرجح وهمي في الجسم، وهي شعور بأن القدمين وكأنهما يتأرجحان في الهواء، ويستمر أقل من دقيقة واحدة ولعدة مرات بعد الزلزال، إضافةً لاضطرابات النوم، وطنين الأذن والقلق والتعرق، ومشاكل في وظيفة الجهاز البولي والرؤية والحمى والقيء. نوعان من الأشخاص بعد الكارثة نجى أبو راشد وهو لاجئ سوري كان يقيم بمنطقة كرخان بتركيا من الموت، وحالت دقائق قليلة بينه وبين انهيار المبنى ذو الثمانية طوابق الذي كان يقطنه، حيث استطاعت العائلة القفز من الطابق الثاني الذي أصبح أقرب إلى الأرض مع لحظات انهيار المبنى. هام الرجل مع عائلته ليلةً في العراء، وحاولوا الاحتماء بخيمة صنعوها من بقايا البطانيات التي تطايرت من الأبنية المنهارة حولهم. ومع طلوع خيوط الفجر الأولى اتجه أبو راشد مع عائلته لموقف الكراج، واستقلوا أول سيارة صادفوها دون أن يحددوا وجهتهم، ليصلوا خلال ساعات إلى منطقة بورصة عند أحد أقربائهم. يقول أبو راشد أنه حاول طيلة الساعات التي تلت الكارثة عدم التفكير بما جرى، ولا حتى الحديث مع عائلته عما تعرضوا له، وماذا سيحل بهم.  "عندما وصلنا إلى بورصة وأنا ببيجاما النوم كما خرجت من منزلي، ظننت أنني سأنام ليومين على الأقل" يقول أبو راشد. ويوضح أنه لم يستطع النوم منذ ليلة الواقعة إلا إغماءً لساعات قليلة من شدة التعب، ودائماً ما تطارده كوابيس النوم وتخيلات اليقظة التي يسمع خلالها صرخات الجيران، ويطن بأذنيه صوت انهيار المبنى واهتزاز الأرض، وتتعاقب أمامه صور بعضهم التي تحت لأشلاء، كما أنه لم يكتفِ بما رآه بأم عينه ليلتها، إنما يستمر بالبحث ومتابعة الأخبار ومقاطع الانتشال وانهيار الأبنية. ويؤكد العشرات من الناجين معاناتهم من الأعراض ذاتها، إذ يحجمون عن النوم ويعانون من قلق وصداع، يرافقه تأنيب الضمير، والشعور بالذنب بأنهم نجوا وتركوا غيرهم يموتون. ويميز الطب النفسي بين نوعين من الأشخاص، فهناك من تعرض للكارثة، وآخر شاهد على مَن حدثت لهم الكارثة، الأول يدخل مرحلة الصدمة مباشرة ثم مرحلة الإنكار، يلوم ويعاتب ويسأل نفسه: لماذا حدث له ذلك. ويحاول التحدث مع الله لفهم ما حدث له، ثم يدخل مرحلة الاكتئاب، ويشعر بالضيق والقلق والتوتر، وأنه ليس هناك مستقبل، ويفقد الشغف، ويتمنى الموت، خاصة الذين فقدوا منازلهم أو أشخاصاً عزيزين عليهم. وأما عن الذين شاهدوا الزلزال ولم يتعرضوا لخسارة أو كارثة، فتكون المراحل أقل حدة من الأشخاص السابقين، ويتعرضون لاضطراب ما بعد الصدمة، فتراودهم أفكار بسبب تكرار المشهد أمام أعينهم وأثناء النوم، كأنهم يعيشون ذلك الموقف مرة ثانية وثالثة، ويشعرون بالتوتر والقلق، وأحيانًا يحتاجون علاجاً دوائيّاً أو سلوكيّاً لتخطي تلك المرحلة. وبحسب الطبيب جلال نوفل، فإن الآثار النفسية التي تصيب الأشخاص بعد الزلزال، من الطبيعي أن تزول بعد فترة يجب أن يتم خلالها إظهار التكاتف والتعاطف الكبير مع الأشخاص الذين تبدوا عليهم الأعراض أكثر من غيرهم، وكلما تحسنت حالة الشخص بشكل أسرع فإن ذلك يساعده على النسيان والتأقلم مع ما حصل دون أعراض نفسية مستقبلية. ويوضح النوفل أن 15 لـ 40 بالمئة من الأشخاص يمكن أن يعانوا من اضطرابات نفسية قد تمتد لفترة طويلة، مع التأكيد على أن معالجة الحالات في بدايتها يساعد بالتخفيف من حدتها أو استمرارها. لكن تشابه الأعراض والآثار النفسية التي يصاب بها من تعرضوا للكوارث، لا يعني أنه يمكن اتباع العلاج النفسي ذاته، لاختلاف حالة عن أخرى، فمن الممكن جداً أن تتحول الآثار النفسية عند أشخاص إلى أمراض ربما تصبح مستدامة، وخاصة عند الشخص الذي يعاني هشاشة نفسية، فهم بحاجة للتدعيم النفسي والعلاج الدوائي أيضاً. لكن يبقى أن ضعف الإمكانيات في شمال غرب سوريا التي عجزت عن إنقاذ العشرات من تحت الأنقاض أو انتشال جثثهم، تقف عاجزة عن معالجة أو دعم مئات الأنفس التي أثقلتها سنين الحرب ودمرها هول الزلزال، مع انشغال الناس بالعثور عن مأوى لعوائلهم وبعض البطانيات لرد البرد عن أجساد أطفالهم.

]]>
زلزال آخر يكرس المزيد من الخوف والتكيف والفشل السوري http://ayn-almadina.com/details/5373/5373/ar 5373 date2023-02-21 18:23:14 ayn-almadina بالرغم من توسط قوة زلزال أنطاكية الذي طاولت فاعليته الشمال والساحل السوري، إلا أن تفاصيله وتداعياته على الصعيد المجتمعي كانت أكبر. فالزلزال الذي تجاوز 6 ريختر بقليل أحدث هزة عاصفة في النفوس، وبين زلزلة المنازل والمباني الطابقية كانت الركب تتقصف تحت ح...
زلزال آخر يكرس المزيد من الخوف والتكيف والفشل السوري

زلزال آخر يكرس المزيد من الخوف والتكيف والفشل السوري

رادار المدينة

بالرغم من توسط قوة زلزال أنطاكية الذي طاولت فاعليته الشمال والساحل السوري، إلا أن تفاصيله وتداعياته على الصعيد المجتمعي كانت أكبر. فالزلزال الذي تجاوز 6 ريختر بقليل أحدث هزة عاصفة في النفوس، وبين زلزلة المنازل والمباني الطابقية كانت الركب تتقصف تحت حركة الأرض الهائجة.

ومع كل هزة جديدة تضرب المنطقة يمكن العثور على جديد ما يعصف بالسوريين في منطقتي السيطرة للمعارضة والنظام. الزلزال الجديد سجل وبشكل غير مسبوق عشرات الإصابات الناجمة عن نوبات الهلع التي أدت إلى لجوء بعض سكان الأبنية الطابقية إلى القفز من النوافذ والفرندات تحسباً للنجاة مع بعض الإصابات وهرباً من الموت هرساً أو رضاً أو خنقاً تحت الأنقاض. الإحصائية الأخيرة الصادرة عن الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) تؤكد حدوث 190 إصابة جميعها نتيجة الهلع وقفز البعض من الأبنية، إضافة إلى العديد من حالات الاختناق والإغماء.

مدن الساحل السوري التي تقع تحت سلطة النظام سجلت وفيات وإصابات من هذا النوع، وينقل الإعلام الموالي عن رئيس الطبابة الشرعية بـ طرطوس وفاة الطفلة نور داود في صافيتا بسبب إصابتها بصدمة عصبية أدت إلى توقف قلبها نتيجة الخوف من الهزة، وإصابة العديد من المواطنين برضوض وكسور نتيجة سقوطهم أثناء الخروج من منازلهم وسط الخوف والهلع وإسعافهم إلى المستشفيات للعلاج.

تحفز الكارثة التي يعيشها السوريون نوعاً من الأمنيات المتواضعة التي تساعد على ضمان البقاء بشكل أو بآخر. فالذي يمتلك سيارة يغبط من يمتلك خيمة، وصاحب الدراجة النارية يتمنى امتلاك سيارة لإيواء أفراد أسرته المشردين في الطرقات، والذي يقيم في خيمة ربما يشعر اليوم أنه ملك زمانه.. في جو يكمل رسم اللوحة السريالية التي تشكل وضع سوريا، هذا البلد التعيس الضائع.

ولعل أبرز التداعيات الجديدة الناجمة عن النسخة الأحدث من الزلزال، هو أن عشرات الآلاف من الأشخاص باتوا يبحثون عن خيام بغرض الإقامة المؤقتة فيها، في تبدل جذري لمعادلة السكن في منطقة منكوبة حافلة بآلاف المشردين من سكان الخيام. لتأتي عبارة من نوع "بتنا نحسد سكان الخيام" ملخصة للوضع الكارثي، أو أن لسان الوضع الكارثي هو من يلخصها.

هناك المئات -إن لم يكن الآلاف- ممن باتوا يفكرون بشكل جدي في شراء خيمة ونصبها في مكان آمن "المهم أن يكون بعيداً عن البيوت السكنية"، على أن هذا المطلب لم يعد سهلاً في هذه الظروف، ففي ظل حياة التشرد في الطرقات عقب كل هزة قوية، صارت الخيمة شبه نادرة بسبب كثرة الطلب عليها، كما تسمع من هنا وهناك.

ومع برودة الطقس وفداحة الخروج من المنزل والتشرد في الساحات العامة، تزدحم المخيلة بالأمنيات المتواضعة التي ستكون مفيدة جداً في كارثة من هذا النوع، فتجد من تلتقي به يسير مع عائلته المرتجفة من البرد في شارع واسع، يخبرك عن حلم حياته في هذه اللحظة أن يمتلك سيارة مهما كان نوعها؛ ما يهم الآن هو سقف نأوي إليه ويكون آمناً من الهبوط علينا، فعند التشرد لا يوجد بيت سيء.

ولأن الزلزال كأي كارثة طبيعية أو بشرية له متطلبات مقاومة وتكيف بما يعيد ترتيب الأولويات، وكأنه نقل طاقته إلى المجتمع حركة واضطراباً، تزايد الطلب على حزمة من الاحتياجات بشكل كبير جداً. فالخيام تأتي على رأس قائمة احتياجات كل أسرة وبالأخص الأسر المقيمة في منازل آيلة للسقوط، والأغطية والوسائد ووسائل التدفئة والأغذية تأتي كبند ثانٍ، ويضاف إلى بنود أخرى تلحق كل ما سبق، الاحتياجات النسائية التي غالباً ما يتم إغفالها ضمن فعاليات الاستجابة الطارئة.

ومن يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي عقب الزلزال، يلاحظ حالة الرعب العارمة التي اجتاحت السكان في زحمة التدوينات حول الكارثة. هذه الأجواء بالضبط تشكل البيئة الخصبة لانتشار الشائعات حول هزات جديدة وكوارث قادمة، ما يزيد من حجم الكارثة. وبهذه الصورة تشكل مرحلة ما بعد الزلزال عامل هدم على كافة الصعد، النفسية، الصحية، والاقتصادية.

وكما في كل كارثة، يعري الزلزال الإدارات الحالية للكيانات السورية التي أثبتت فشلها في إدارة الأزمة. فعدا عن الفشل في تأمين السكن البديل لمتضرري الزلزال، هناك فشل على الصعيد الرسمي يتمثل في تراجع دور الحكومة في اعتمادها كمصدر أساسي للمعلومات والبيانات والتمثيل السياسي في مناطق المعارضة خصوصاً، وأما في مناطق النظام فالفشل أوسع وأشد لأن رئيس البلاد مشغول منذ اللحظات الأولى للكارثة بدبلوماسية الزلزال لا بإنسانية الكارثة.

]]>
معايشة الزلزال من سيارة http://ayn-almadina.com/details/5374/5374/ar 5374 date2023-03-01 16:37:03 ayn-almadina في المناطق التركية التي أصابها الزلزال بالهلع والتوتر والهواجس دون أن يكون له تأثير على الأرواح، كان الناجون معلقين بين برودة الطقس القاسية وخوفهم من بيوتهم التي قد تقع في أي لحظة. عندها اكتظت بهم الجوامع والحدائق والمقاهي للبحث عن مكان يلجأون إليه ف...
معايشة الزلزال من سيارة

معايشة الزلزال من سيارة

رادار المدينة

في المناطق التركية التي أصابها الزلزال بالهلع والتوتر والهواجس دون أن يكون له تأثير على الأرواح، كان الناجون معلقين بين برودة الطقس القاسية وخوفهم من بيوتهم التي قد تقع في أي لحظة. عندها اكتظت بهم الجوامع والحدائق والمقاهي للبحث عن مكان يلجأون إليه في الخطوة التالية، بينما شكلت السيارات الخاصة لدى من يملكها ملاجئ اجتمعت في الساحات والحدائق والمناطق المفتوحة، حيث قضيت في إحداها يومين مع عائلتي رفقة المئات من العائلات في سياراتهم، ثم صارت سيارتي بعدها الخيار الأول الذي أتوجه إليه كلما أحسسنا بهزة ارتدادية.

كان لتوقيت الزلزال الأول في الساعة 4:17 من صباح السادس من شهر شباط المنصرم، أثر كبير في زيادة عدد ضحاياه الذين كانوا نياماً في أسرتهم، دون أن يكون لهم أن يأتوا بردة فعل مناسبة لتفادي الكارثة، بينما كان لبرودة الطقس القاسية أثر أقل وطأة ولكنه موجود على كل حال، في سقوط المزيد من الضحايا، الذين عادوا إلى منازلهم هرباً من تلك البرودة، بعد أن خرجوا هائمين على وجوههم، وكان سعيد الحظ من امتلك سيارته الخاصة التي استخدمها كمكان إقامة مؤقت إلى أن تستقر الظروف.

تبعد ولاية ماردين التي أسكن فيها قرابة 300 كم عن ولاية كهرمان مرعش حيث مركز الزلزال؛ مسافة كانت كفيلة بأن تهر المنازل والأبنية بشدة، وتدفع سكانها إلى الهيام في الشوارع. بعد انتهاء الهزة الأولى خرجت مع أمي وزوجتي وطفليّ من البناية إلى الشارع، فلفت نظري قيام الكثيرين من أصحاب السيارات الخاصة بتشغيلها والانطلاق بها، فاعتقدت للوهلة الأولى أن الخوف عليها دفعهم إلى الابتعاد بها من تحت الأبنية، وعندما سألت أحد الجيران قال لي أنه سيتوجه بالسيارة إلى مكان آمن أفضل من البقاء تحت الأسقف التي ربما تنهار في أي لحظة. عندها انطلقت بسيارتي رفقة عائلتي إلى الأماكن الخالية البعيدة عن الأبنية السكنية، حيث كانت مئات السيارات الخاصة التي تحمل أصحابها وعائلاتهم مركونة هناك.

رغم أن مدينة ماردين بعيدة نسبياً عن مركز الزلزال، إلا أن الخوف كان واحداً، وطرق التعامل مع الكارثة واحدة. قال لي علي (36 عاماً) المقيم في مدينة العثمانية في اتصال عبر واتساب، أنه انطلق بسيارته الصغيرة مسرعاً باتجاه الطريق العام القريب من مسكنه، وعند وصوله إلى هناك تفاجئ بوجود 12 شخصاً معه في السيارة، زوجته وأطفاله الثلاثة وأمه وأبوه وأخوه وزوجته وأطفاله. وأكمل "بقينا على هذا الحال إلى الساعة 12 ليلاً، عندها أنزلت مروحيات تابعة للجيش التركي خياماً في أكثر من موقع، ولحسن الحظ كان أحد المواقع ملعب قريب منا، حيث بدأ الأهالي وبمساعدة من أفراد الجيش التركي ببناء الخيام. فانتقلنا من السيارة إلى الخيمة". ويعلق الآن بشئ من التندر أنهم في الأحوال الطبيعية لن يستطيعوا حشر أنفسهم في سيارته الصغيرة.

يوسف (42 عاماً) المقيم في ولاية شانلي أورفا منذ سنوات، حدثني عن تجربته في معايشة الكارثة من سيارته قائلاً، أن استخدامه للسيارة كان فقط لعدة ساعات، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة بعد الساعة الواحدة والنصف عصراً، والذي أقنعه بترك المدينة برمتها إلى ريفها رفقة عائلته وعائلة من الجيران. أوضح يوسف أن خطته كانت تقضي التوجه إلى مدن غرب تركيا، لكنه لم يستطع تطبيقها بسبب تضرر الطريق الواصلة بين ولايتي العثمانية وغازي عينتاب، ما اضطره إلى اللجوء إلى أحد أقربائه في ريف شانلي أورفا، حيث أقامت النساء في كرفانة والرجال في سيارته. "أقمنا على هذا الحال 3 أيام، ثم تابعنا طريقنا إلى مدينة نصيبين في ولاية ماردين حيث نقيم إلى اليوم".

وروى لي محمد نور (32 عاماً) الذي كان يقيم في مدينة غازي عينتاب أنه في البداية خرج مسرعاً بمنامته، ومن أمام البناية اطمأن بالجوال على زوجته وأطفاله في بيت جدهم في ولاية كهرمان مرعش، ثم أعادته إلى البيت برودة الطقس الشديدة، حيث ارتدى المزيد من الألبسة وحمل مفتاح السيارة. اتخذ نور سيارته منزلاً لثلاثة أيام يأكل وينام فيها، واستضاف فيها صديقين أرسلا عائلتيهما إلى اسطنبول وبقيا قريباً من بيتيهما. كان الجو يجبر المقيمين في الملجأ المتنقل أن يتدثروا بالأغطية طوال الوقت، وفي بعض الأحيان يدفئون السيارة بتشغيل مكيفها لبعض الوقت، خاصة في الليل أثناء نومهم حين ينجحون في الوصول إليه، أما حين يبتعد النوم فيذهبون لزيارة أصدقاء آخرين لاجئين في سياراتهم أو يأتي أولئك لزيارتهم.

كان الجوع وسكون الأرض يغري المقيمين المؤقتين في السيارة أن يتسللوا إلى أحد منازلهم بسرعة لإخراج بعض الطعام، لكنهم يفعلون ذلك على حذر؛ يركن نور السيارة في ساحة أو قرب حديقة على مقربة من أحد منازل الثلاثة، ومنها يخف صاحب المنزل مسرعاً ليحمل ما يؤكل من مطبخه مثل الخبز واللبنة والمرتديلا والجبنة، ويعود مسرعاً إلى السيارة/ الملجأ، التي تركها كل واحد منهم حين عرف الخطوة التالية. ونور بعد أن اصطحب عائلته، توجه إلى مدينة جيلان بينار في شانلي أورفا حيث يقيم الآن.

قضيت بدوري رفقة عائلتي يومين في السيارة، التي تحولت إلى غرفة نوم ومطبخ ومعيشة وترفيه. كان الهم الأول التزود بالوقود كحال عشرات السيارات التي وقفت في طوابير المحطات، ثم البحث عن محلات نشتري منها الطعام والماء، وحيث أجد كنت أركن السيارة في أقرب ساحة وأتوجه بمفردي إلى المحل وأخرج على عجل. أما اللجوء إلى الجامع كحال الكثير من الناس، فكان مجرد خاطرة حاولت تجريبها، لكن صدمة الزلزال جعلتني أرى المأذنة تنقض علي كلما اقتربت منها أكثر، وتفضيل الحديقة حيث نجلس لبعض الوقت ثم نعود إلى السيارة متجمدي الأطراف. وعندما ننتهي من تنفيذ كل تلك المهام، ونحس ببعض الطمأنينة والسكون، نتجول في شوارع المدينة بالسيارة أيضاً.

]]>
حياة السوريين المعطَّلة بين ناري النزوح وترقب الزلزال http://ayn-almadina.com/details/5375/5375/ar 5375 date2023-03-07 16:44:03 ayn-almadina بات السوريون يتلقون إشعارات برامج ترصد الزلزال عبر هواتفهم المحمولة بدلاً من مراقبة أسعار الدولار مثلاً، أو رسائل الجمعة المباركة أو الأدعية وملصقات الورود. وأصبحت أخبار متابعة حركة الأرض هي الشغل الشاغل، لا سيما بعد ما عايشه السوريون من أهوال ليل...
حياة السوريين المعطَّلة بين ناري النزوح وترقب الزلزال

حياة السوريين المعطَّلة بين ناري النزوح وترقب الزلزال

رادار المدينة

بات السوريون يتلقون إشعارات برامج ترصد الزلزال عبر هواتفهم المحمولة بدلاً من مراقبة أسعار الدولار مثلاً، أو رسائل الجمعة المباركة أو الأدعية وملصقات الورود.

وأصبحت أخبار متابعة حركة الأرض هي الشغل الشاغل، لا سيما بعد ما عايشه السوريون من أهوال ليلة الزلزال المرعبة، وما يعيشونه من استمرار للهزات الارتدادية الخفيفة والمتوسطة، مع مواصلة الإعلام لبث التقارير والتحليلات عن احتمالية وقوع زلازل جديدة بالمنطقة.

ويؤكد مختصون تراجع حدة الهزات مشيرين إلى ترجيح استقرار طبقات الأرض، إلا أن آخرين يتحدثون عن زلازل مدمرة ربما ستضرب المنطقة مجدداً، وبينما يتبادل خبراء الجيولوجيا الاتهامات عن دخول الشعوذة في تنبؤات الزلازل، وعن صحة اختبار نظرية جديدة تفسر ما يحصل للأرض، يقاسي السوريون آلامهم ويعيشون محطة نزوح جديدة تضاف لسنواتهم المريرة.

في ولاية هاتاي التركية بات أبو أيمن (34 عاماً) يعيش مع زوجته وأطفاله في خيمة شيدها بجانب بيته الذي تعرض لبعض التصدعات جراء الزلزال، وقد لجأ إلى تركيا منذ العام 2013. يقول إنه يخشى أن تطول إقامته في هذه الخيمة، وأن تصبح سكنهم بشكل دائم.

ويوضح أنه اضطر إلى التوقف عن العمل منذ قرابة الشهر، وهو أمر كارثي لعامل مياومة ينتظره دفع إيجار البيت مع نهاية الشهر؛ "يطالبني صاحب البيت بإخلائه في حال تأخرت عن الدفع، ومن الصعب الآن إيجاد بيت" يقول أبو أيمن الذي يتمنى العودة إلى سوريا لا سيما بعد قرار السماح بالإجازات، إلا أن هذه الرحلة بحاجة إلى مصاريف كبيرة، ويضيف متحسراً "وفي سوريا سنعيش بالخيمة أيضاً، فقد تصدع منزلي من القصف سابقاً ومن الزلزال الأخير".

ويعيش أكثر من 1.7 مليون لاجئ سوري في المحافظات الـ10 التركية الجنوبية التي ضربها الزلزال، وفق الإحصائيات الرسمية التركية، على حين وصل عدد اللاجئين العائدين إلى سوريا إلى أكثر من 53 ألف نسمة، مع تواصل توافد السوريين عبر المعابر الحدودية، وتعتبر نسبة كبيرة من الواصلين بحاجة إلى تأمين المأوى والمساعدات الإنسانية بعد فقدانهم ممتلكاتهم في تركيا، وفق فريق "منسقو استجابة سوريا".

وفي بلدة سرمين شرقي إدلب لم يحرك أبو خالد (42 عاماً) سيارته من نوع "بيك آب" من أمام باب المنزل منذ ليلة وقوع الزلزال في 6 شباط الماضي، وقد جهزها بأغطية بلاستكية ووسائد ومخدات للنوم.

يقول أبو خالد أنه ينام مع عائلته في السيارة خشية حدوث زلزال جديد في الليل، ويتابع "طالما نحن بالسيارة نشعر بالأمان، ففي المنزل نشعر باهتزاز بشكل متواصل ولا نستطيع أن نغمض أعيننا".

وعلى مقربة من منزل أبو خالد تنتشر عشرات الخيام التي شيدت إلى جانب المنازل، حيث تعطي الأسقف القماشية الطمأنينة للأهالي، بينما تشكل الأسقف الإسمنتية باهتزازها هاجساً من الرعب والخوف من الانحشار تحت ركامها.

لا يدري أبو خالد كما جيرانه المدة التي سيقضونها في هذه الخيام، إنما ينشغلون في تتبع حركة الأرض ومراقبة الهزات، والتبسم والشعور بالغبطة بعد كل إشعار حدوث هزة قوية لم يشعروا بها وهم يجلسون في خيامهم.

تتكفل الفرق التطوعية بتأمين بعض هذه الخيام لعشرات الأهالي في مناطق شمال سوريا ممن تركوا بيوتهم إلى العراء أو الحدائق العامة والأماكن المفتوحة، بينما يحصل الجزء الأكبر منهم على الخيام عبر دفع ثمنها والذي بات يتراوح بين 150 إلى 350 دولار أمريكي.

ويقول لؤي قدحنون العامل مع مجموعة تطوعت لإغاثة منكوبي الزلزال عبر حملة عون وسند، أن الفريق عمل ضمن قدرات متواضعة شملت جمع التبرعات العينية والنقدية من فاعلي الخير، وساهم بتأمين سلل إغاثية ومساعدات طارئة كالأغطية والوسائد والخيام. ويضيف: "حرفياً كان يلزم لكل عائلة خيمة، فمن لم يتضرر منزله بالزلزال سيطر الرعب على قلبه".

وبحسب قدحنون فإن الفرق التطوعية ساهمت بشكل كبير في مساعدة متضرري الزلزال ضمن إمكانيات متواضعة لم تكن قادرة على سد الحاجة، لا سيما الخيام التي كان يحب شراؤها. ويشير محدثنا إلى أن المنظمات المرخصة والجهات المسؤولة عن ملفات الإغاثة بالمنطقة، قد عانت من فوضى كبيرة وعملت بغير تنظيم، وهو ما أسهم في تراجع العملية الإغاثية وترك مئات العوائل بلا مآوى. ويقول: "صحيح أن حجم المساعدات التي قدمت لمناطقتنا لم تكن كافية، إلا أنها كانت كفيلة بتأمين خيمة لكل عائلة لو جرى تنظيمها ومراقبتها".

في حين تمر الأيام على السوريين في المناطق التي ضربها الزلزال بطيئة وقاسية مع ليالي البرد التي يعيشونها في العراء، وتبدو وكأن الحياة تسير وهي معطلة لا تشمل جميع مناحيها، رغم أن المؤسسات الرسمية في إدلب لم يطرأ تغير على دوامها، وبقيت تعمل بنفس الآلية، إلا أن وتيرة العمل تراجعت بسبب غياب بعض الموظفين ممن تعرضوا للضرر جراء الزلزال.

بينما أعلنت المجمعات التربوية والجامعات عن استئناف الدوام بعد تمديد العطلة النصفية لمرات عدة بسبب تضرر عشرات المدارس، وفقدان بعض الكوادر التعليمية، وحالة الخوف التي تسبب بها الزلزال. لكن الدوام لم ينطلق بشكل فعلي وفق ما يؤكد المدرس عبد الله في إحدى مدارس مدينة إدلب، ويقول "أعداد الغائبين كبيرة، كما أن الطلاب الحاضرين يشكون من توتر مستمر وتبدو علامات القلق واضحة عليهم". ويستطرد "باختصار الأوضاع غير مواتية لإلقاء الدروس، ونكتفي بساعات دوام قليلة لتسجيل الحضور فقط".

وكانت وزارة التربية في "حكومة الإنقاذ" أعلنت أن عدد المدارس التي تضررت بفعل الزلزال بمناطق إدلب قد وصل إلى 250 مدرسة، وتفاوتت نسبة الضرر حيث تهدمت 203 مدرسة بشكل جزئي، و46 مدرسة تعاني من تشققات بسيطة، مع وجود مدرسة مهدمة بالكامل، كما لم تقتصر الأضرار على الماديات فقط، إذ إن هناك 39 مدرساً وإدارياً، و421 طالباً وطالبة فارقوا الحياة جراء الزلزال.

وبحسب فريق "منسقو استجابة سوريا" فإن عدد النازحين في مراكز الإيواء شمال غربي سوريا بلغ 63,738 نازح، ضمن 236 مركز منتشر في المنطقة.

ووفق آخر إحصائية نشرت في بيان عبر معرفات الفريق الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، فقد بلغ عدد الأسر المتضررة المسجلة 211,763 عائلة، بعدد أفراد 1,164,805 نسمة، وبلغ عدد النازحين المتضررين من الزلزال 41,783 عائلة، بعدد أفراد 229,747 نسمة، ويشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة 64 بالمئة منهم.

وسجل عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال بشكل فوري  1,812، على حين بلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 3,817 مبنى، وهي المباني التي تعرضت لأضرار جسيمة، أو بحاجة لهدمها بشكل عاجل. بينما بلغ عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 11,733، أما عدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة فقد بلغ 17,927 مبنى.

سرمين شرقي إدلب- بعدسة الكاتب

سرمين شرقي إدلب - بعدسة الكاتب

]]>
أهالي مناطق المعارضة السورية يقودون عمليات الترميم في ظل غياب الأمل بالمساعدة الدولية http://ayn-almadina.com/details/5376/5376/ar 5376 date2023-03-10 15:50:42 ayn-almadina يأتي تأجيل مؤتمر المانحين بسبب الخلاف بين أعضائه على دعوة مندوب عن النظام السوري، في ظل ظروف قاسية يعانيها السوريون المتضررون من الزلزال. وفيما دخلت الاستجابة الإنسانية مرحلتها الثانية وهي إزالة الأنقاض، يغيب أي أمل بإمكانية تطبيق المرحلة الثالثة الم...
أهالي مناطق المعارضة السورية يقودون عمليات الترميم في ظل غياب الأمل بالمساعدة الدولية

أهالي مناطق المعارضة السورية يقودون عمليات الترميم في ظل غياب الأمل بالمساعدة الدولية

رادار المدينة

يأتي تأجيل مؤتمر المانحين بسبب الخلاف بين أعضائه على دعوة مندوب عن النظام السوري، في ظل ظروف قاسية يعانيها السوريون المتضررون من الزلزال. وفيما دخلت الاستجابة الإنسانية مرحلتها الثانية وهي إزالة الأنقاض، يغيب أي أمل بإمكانية تطبيق المرحلة الثالثة المتضمنة إعادة إعمار ما دمره الزلزال، هذا الملف الذي تقف أمامه عوائق سياسية وداخلية من شأنها زيادة مآسي المنكوبين الذين غدوا دون مأوى منذ لحظة الكارثة. ويصل عدد المباني المهدمة أثناء الزلزال في مناطق المعارضة بشكل فوري إلى 1,983 منزلاً، بينما يبلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 4,073 مبنى، وعدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 12,043 مبنى. أما عدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة فيتجاوز 19,446 مبنى، وعدد المباني الآيلة للسقوط التي تم هدمها بعد الزلزال يصل إلى قرابة 124 مبنى حتى الآن، في حين بلغت الخسائر الاقتصادية التي تم توثيقها 952 مليون دولار أمريكي، وفقا لأحدث إحصائية صادرة عن فريق "منسقو استجابة سوريا". تأخر الاستجابة المتعلقة بترميم المنازل المتضررة نشّط العمل الأهلي الذي يعتمد على داعمين في الخارج متأثرين بالظروف القاسية التي يعيشها المنكوبون، وهم أفراد سوريون وعرب يتواصلون عادة مع مجموعات إغاثية في الداخل السوري ويرفدونهم ببعض الأموال. سجل أبو أكرم أحد مهجري ريف دمشق في إحدى اللجان الأهلية التي تقوم بترميم البيوت الآيلة للسقوط، إذ تعرض منزله لتشققات جدارية وينبغي هدم الجدران ثم إعادة بنائها مجدداً، بحسب ما يؤكد لعين المدينة. ويتابع أبو أكرم أن الفكرة "جيدة جداً"، متسائلاً "هل أنتظر حتى يسقط المنزل على أسرتي! لذلك بادرت لإخبار اللجنة وقد وعدوني بترميم المنزل خلال الأسبوع القادم". ويقول عبد اللطيف الذي فقد منزله نتيجة تهدمه منذ بداية الكارثة لعين المدينة، أنه استعان بمجموعة إغاثية أهلية  للحصول على منزل جديد، معتبراً أن "العرض كان مقبولاً.. طلبوا مني شراء أرض صغيرة على أن يتكفلوا ببناء المنزل". ومع ردود الأفعال المتحمسة من قبل المتضررين تجاه الجهود الأهلية، فإنها تبقى مجرد مبادرات فردية وغير متناسبة مع حجم الأضرار التي خلفها الزلزال. وإذا كان الحظ قد حالف كلاً من أبو أكرم وعبد اللطيف، فإن آلاف الأسر المنكوبة ما تزال تقيم داخل الخيام أو لدى الأقارب غير المتضررين. ويقف ارتفاع أسعار مواد البناء مثل الحديد والإسمنت والطوب عائقاً أمام ترميم المنازل، لاسيما تلك التي يشرف أصحابها على عمليات تأهيلها بأموالهم الخاصة. يؤكد جميل الذي يعمل على ترميم غرفة مهدمة داخل منزله الأكلاف العالية للعملية، لكنه يوضح لعين المدينة اضطراره إلى "الاعتماد على الذات بدلاً من انتظار المنظمات.. ربما لن يكون هناك إعمار للمنازل بسبب غياب الداعمين". ويرتبط ملف إعادة إعمار ما دمره الزلزال بالواقع السياسي في سوريا، ومستقبل النظام وإعادة تعويمه أو تحسين سلوكه، ووجود حل سياسي متفق عليه بين الدول. لكن يمكن لمؤتمر المانحين أن يقدم وعوداً بالمنح تسمح لمؤسسات التمويل بالتوجه إلى سوريا، وأن تدوّل قضايا ضحايا الزلزال، كما قد يعطي المؤتمر تعويماً دوليا لكل من النظام والمعارضة. ويرى الباحث ومدير منصة "اقتصادي" يونس الكريم خلال حديث لعين المدينة، أنه لا يوجد اهتمام دولي بإعادة إعمار المناطق المنكوبة من الزلزال في سوريا، ويعود ذلك إلى أن المنطقة السورية هي منطقة نزاع بدون أفق لأي حل سياسي، ويضاف إلى ذلك الفساد المستشري فيها والذي يمنع المانحين من إرسال أموالهم إليها. ويتوقع الكريم أن تركيا سوف تحاول الاستحواذ على أموال المساعدات التي تمنح للسوريين على اعتبارها أكثر تضرراً، ولأنها تحتضن اللاجئين وهي أيضا الضامن للشمال السوري، وبالتالي كل المنح سوف تمر عبر تركيا التي ستحاول أن تكون المتحدث الرسمي باسم متضرري الزلزال. ولا تمتلك السلطات التي تدير مناطق المعارضة خطة لإعادة تأهيل أو إعمار المنازل والمنشآت العامة والبنى التحتية المدمرة، وتكتفي الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ بتجهيز مراكز إيواء تتمثل بخيام وصيوانات مؤقتة تكتظ بآلاف الأسر المنكوبة.

]]>
دير الزور.. مديرية الصحة التابعة للنظام تعرقل برامج اللقاح في منطقة قسد http://ayn-almadina.com/details/5378/5378/ar 5378 date2023-03-19 14:28:36 ayn-almadina منذ إغلاق معبر اليعربية الحدودي مع العراق أمام المساعدات الإنسانية بموجب التفويض الذي منحه مجلس الأمن الدولي في مطلع العام 2020، أصبحت وزارة الصحة في حكومة النظام الشريك الوحيد لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف في برامج وحملات اللقاح الذي ...
دير الزور.. مديرية الصحة التابعة للنظام تعرقل برامج اللقاح في منطقة قسد

دير الزور.. مديرية الصحة التابعة للنظام تعرقل برامج اللقاح في منطقة قسد

رادار المدينة

منذ إغلاق معبر اليعربية الحدودي مع العراق أمام المساعدات الإنسانية بموجب التفويض الذي منحه مجلس الأمن الدولي في مطلع العام 2020، أصبحت وزارة الصحة في حكومة النظام الشريك الوحيد لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف في برامج وحملات اللقاح الذي تقدمه هاتان المنظمتان، إضافة إلى تقديم الدعم التشغيلي في محافظات دير الزور والحسكة والرقة، أو في الأجزاء الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" من هذه المحافظات.

بهذه الشراكة الحصرية احتكرت وزارة صحة النظام ومديرياتها إدارة برامج اللقاح وحملاته في منطقة قسد في محافظة دير الزور، ما تسبب بانخفاض عدد المستفيدين الفعليين إلى حد كبير كما يؤكد عاملون في القطاع الطبي، فلا يتجاوز عدد المستفيدين في أعلى التقديرات نسبة 50% بالمئة من العدد المفترض في كل حملة أو في برامج التلقيح الروتينية، بخلاف ما تدعيه مديرية صحة دير الزور التابعة لحكومة النظام في إعلاناتها، أو في التقارير التي تقدمها لمنظمة الصحة العالمية أو لليونيسيف عن اللقاحات، كما في حملة التلقيح الأخيرة التي نفذتها في شهر آذار الجاري، وقالت بأن 57 فريقاً جوالاً يشارك في هذه الحملة، إضافة إلى تقديم اللقاح في 32 مركزاً، وبأن هذه الحملة تشمل جميع المناطق في المحافظة، ومن دون أن تعلن عن التوزع الجغرافي لهذه الفرق وهذه المراكز.

حسب الخطة النظرية، يجب تنفيذ حملة لقاح كل شهرين تمتد كل حملة من 3 إلى 10 أيام، ويجب متابعة المستفيدين اعتماداً على بطاقة اللقاح الخاصة بكل مستفيد لتجديد اللقاح في المستقبل وفق جدول زمني محدد مسبقاً، غير أن التطبيق العملي يبدو بعيداً عن هذه الخطة نتيجة لعدة أسباب؛ أبرزها العراقيل التي يضعها بعض موظفي مديرية الصحة وأحياناً بعض عناصر المخابرات المنتدبين لمراقبة عمل المديرية، يتسبب ذلك بتأخير نقل اللقاحات من منطقة سيطرة النظام إلى منطقة قسد، كما تسبب بعض الحواجز ونقاط التفتيش التابعة لقوات النظام وميليشياته المنتشرة على الطرق،  في بطء نقل اللقاحات وتأخر وصولها، ما يتسبب بتغيير مستمر في البرنامج الزمني لحملات التلقيح.

يقول محمود وهو عامل طبي شارك بالعديد من حملات التلقيح "في بعض المرات نتأخر لمدة شهر في استلام اللقاح من مديرية صحة النظام بسبب تأخر صدور الموافقات الخاصة باستلام ونقل اللقاحات، وبعد ذلك تبدأ مشكلة النقل وعرقلة عناصر قوات النظام على الحواجز، وأخيراً قد تكون المعابر مغلقة ما تسبب أحياناً بتلف اللقاح".

تعتمد مديرية صحة النظام على موظفيها المقيمين في منطقة قسد، إلى جانب بعض المتطوعين لتنفيذ برامج وحملات اللقاح، ونتيجة لانخفاض أجورهم لا يبذل الكثير من هؤلاء ولا سيما الموظفين، الجهد اللازم لإنجاح هذه البرامج والحملات، نظراً إلى انشغالهم في أعمال خاصة أخرى. كما يتسبب ضعف التنسيق بين الأطراف المختلفة المنخرطة في عمليات التلقيح في مشكلات إضافية، أبرزها عدم معرفة السكان المحليين بمواعيد تلقي اللقاح، ما يقلص عدد المستفيدين بالنهاية.

يقول سامر وهو متطوع طبي في الريف الشرقي "لا نستطيع الالتزام بالمواعيد المسبقة للتلقيح بسبب التأخير وقلة عدد المتطوعين في الفرق المنفذة لعملية التلقيح، لأن التعويضات المالية التي يتلقونها زهيدة، ما يخفض ساعات العمل الفعلية إلى ساعتين أو ثلاث في اليوم من أصل 6 ساعات مفترضة". ويضيف  بأن هذا الاضطراب والفوضى والتأخير خلق بعض الشائعات التي تتحدث عن فساد اللقاحات وإلحاقها الضرر بصحة الأطفال المستهدفين، ومن ثم زيادة عدد الأطفال المتسربين عن برامج اللقاح.

لا توجد لدى إدارة  المنظومة الصحية التابعة للإدارة الذاتية أرشفة أو قاعدة بيانات خاصة ببرامج اللقاح، كما لا يملك الكثير من ذوي الأطفال بطاقات لقاح يثبت عليها اللقاحات التي يتلقاها الطفل، في حين تعتمد مديرية الصحة التابعة للنظام على معطيات وأرقام زائفة أو غير دقيقة في الأرشفة والبيانات الخاصة ببرنامج اللقاح وحملاته التي تنفذها في منطقة الإدارة.

يفاقم كل ذلك من المخاطر التي تهدد الصحة العامة، وينذر بانتشار المزيد من الجوائح والأوبئة التي تعاني منها المنطقة، وقد يمهد لعودة بعض الأمراض مثل شلل الأطفال وغيره من الأمراض التي نجحت برامج التلقيح السابقة قبل العام 2011 في القضاء عليها.

]]>
الأمهات السوريات في الأيام الأخيرة قبيل رمضان.. امتناع عن الطبخ وانهماك في شؤون أخرى http://ayn-almadina.com/details/5379/5379/ar 5379 date2023-03-22 17:59:17 ayn-almadina تستنكف السوريات عادة عن الطبخ قبيل رمضان لاعتبارات عديدة لم يكن أهمها التوفير سابقاً. أما اليوم وفي ظل حالة التردي المعيشي التي أنزلت معظم السوريين في حفرة الفقر العميقة، فيشكل عامل إيقاف طبخ الأكلات الدسمة وتأجيلها لتكون حاضرة على الموائد الرمضانية،...
الأمهات السوريات في الأيام الأخيرة قبيل رمضان.. امتناع عن الطبخ وانهماك في شؤون أخرى

الأمهات السوريات في الأيام الأخيرة قبيل رمضان.. امتناع عن الطبخ وانهماك في شؤون أخرى

رادار المدينة

تستنكف السوريات عادة عن الطبخ قبيل رمضان لاعتبارات عديدة لم يكن أهمها التوفير سابقاً. أما اليوم وفي ظل حالة التردي المعيشي التي أنزلت معظم السوريين في حفرة الفقر العميقة، فيشكل عامل إيقاف طبخ الأكلات الدسمة وتأجيلها لتكون حاضرة على الموائد الرمضانية، المحفز الرئيسي لآلاف ربات البيوت لممارسة عادة التوقف عن الطبخ التي تبدأ قبل بضعة أيام من قدوم الشهر الفضيل.

وهذه العادة لا تعني البدء مسبقاً بالصيام، بل الاعتماد على أكلات خفيفة أو الطعام الجاهز الذي يفتقد عادة في رمضان أو "حواضر البيت" التي تشمل وجبات خفيفة موجودة على الدوام في كل البيوت السورية، مثل المكدوس والزعتر والزيتون والمربيات واللبنة. غادة سيدة أربعينية تعيل أسرة من 3 أفراد وتقيم في دمشق، لم تحضّر أي طبخة منذ ثلاثة أيام، مكتفية لإطعام عائلاها بما توفر من حواضر البيت "مكدوس، زعتر وزيت، زيتون، ولبنة" وفق ما تعدد. وتضيف بأن "الطبخات الدسمة مؤجلة لرمضان، هي ليست دسمة بالضبط، فمثلاً أكلة المحشي مع القليل من اللحم والتعظيمة لم تعد وجبة دسمة".

ويقود التوفير عدداً كبيراً من السيدات في إدلب حيث تعمل الكهرباء التركية على مدار ال24 ساعة، إلى الامتناع عن طبخ الأكلات التي يدخل الدجاج ولحم الغنم أو العجل ضمن مكوناتها، وينشغلن بتوضيب ما يجلبه أزواجهن من كميات قليلة أو كثيرة من اللحم في أكياس شفافة، ثم زجها في الثلاجة كجزء من التحضيرات الرمضانية التي اعتاد عليها السوريون.

لكن عامل التقشف حاضر بكثافة في إدلب أيضاً، كما في دمشق ومعظم المحافظات السورية. جميلة سيدة خمسينية تقيم في مدينة معرة مصرين شمالي إدلب وتعيل أسرة متوسطة، تمكنت من توضيب بضعة كيلوات من لحم الدجاج في ثلاجتها التي تقول عنها بأنها "كانت شبه فارغة، وما تزال حتى الآن بحاجة إلى المزيد".

تزامن انتظار شهر رمضان مع عيد الأم، وهذا ما جعل الأمهات اللواتي احتفلن بهذه المناسبة يخبئن نصف كميات أكلات الاحتفال بعيدهم إلى رمضان. أميمة (44 عاماً تقيم في ريف دمشق وتعيل أسرة صغيرة ) قامت بفرز كمية الكبة المقلية التي طبختها بمناسبة عيد الأم "إلى نصفين: قسم للأكل والقسم الآخر في الثلاجة" كما تروي لعين المدينة. ومن حسن حظها أنها تمتلك طاقة شمسية ومدخرة كبيرة، وثلاجتها تعمل لساعات نهارية طويلة.

تقتنص بعض السيدات الأيام الأخيرة من الإفطار لتأدية زيارات مكوكية لا تكاد تنتهي، إلى منازل الجارات والأقارب. لذلك يمتنعن عن الطبخ لأن "هذه الزيارات تأكل النهار بأكمله" بحسب أم توفيق وهي سيدة خمسينية من دمشق تعيل أسرة متوسطة. وفي غيابها تعتمد أسرة أم توفيق على صنع طبخات خفيفة مثل البيض المقلي أو المسلوق والمعكرونة والمجدرة والسبانخ والبطاطا المسلوقة أو المقلية، إضافة إلى ما يتوفر في المطبخ من الحواضر المنزلية المعروفة.

بعض السيدات يفضلن ترك الزيارات والاستقبالات إلى أيام عيد الفطر، وينهمكن في الأيام الثلاثة أو الأربعة التي تسبق رمضان في "تعزيل المطبخ وتنظيف الأواني وغاز الطهي". بينما تلجأ بعضهن إلى توسيع أعمال التنظيف لتشمل سائر المنزل، ولأن العملية تبدأ قبل أسبوع، فعدم توفر الأكل المطبخي طوال هذه المدة أمر تعتاد عليه أسرهن قبل كل رمضان.

كما تستغرق عملية التحضيرات الرمضانية -خاصة للأسر الأقل فقراً- مدة لابأس بها تقوم السيدات فيها بفرط الفول والبازلاء، بسبب تزامن الموسم الرمضاني مع موسم البقوليات، وتقطيع وتتبيل الدجاج الذي يعتبر العنصر البروتيني الأساسي على المائدة الرمضانية، وتجهيز المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها الصائمون.

وفي المجمل يتحول التوقف عن الطبخ في هذه الأيام من استراحة تهدف إلى شحن الطاقة الجسدية والنفسية للسيدات قبيل "عجقة المطبخ الرمضاني"، إلى الدخول في ما يشبه "خلية النحل"، التي تجهد في مشاوير المعارف والأسواق، وعمليات التنظيف والتوضيب. مع ما تتكبده السيدات العاملات أو الموظفات من مشقة مهنية تفاقمها مشقة التحضير للشهر الفضيل، لكنها مشقة تجلب الكثير من المتعة كما روت العديد من السيدات لعين المدينة، لاسيما حين تتوفر معظم الاحتياجات الرمضانية أو حتى جزء منها.

]]>