هلال النار وحرائق الأمل

اتّقد حطب الممانعة، ووجد زعماء المحور في طهران أنفسهم، يواجهون دفعة واحدة حرائق متوالية على امتداد هشيم هلال القحط السياسي والاقتصادي؛ الذي أقاموه بقوة مزيج من الوحشية والثروة.

انهارت معادلة الاستقرار الموهومة في مواقع قوتها، وتداعى منطق آيات الله السياسي القائم على ابتلاع التحدي والضربات الإسرائيلية المتوالية في سوريا تحت ذريعة "التمكين"؛ الذي تنتهجه بذات مساره الخانق، كل تفريعات تنظيم "القاعدة"، بحثاً عن تمركز مستقر يتجاهل صانعوه ثمن تحققه ما دام قائماً.

من دير الزور التي ترفض بعناد أيّ تمدد إيراني إضافي، بمظاهرات صغيرة لكنّها مركزية الأثر بالنسبة إلى مصير سوريا كلّها، إلى لبنان، الذي مادت أرضه بحكم حزب الله، جوهرة تاج الإرهاب في نطاق الحرس الثوري، مرورا بالعراق؛ كنز إيران الأثمن في الشرق الأوسط طائفياً، وصولاً إلى الأحواز ويزد وأصفهان وشيراز وكرمنشاه وطهران، بل وقم ذاتها قلعة الإكليروس الحاكم في إيران، اشتعلت التظاهرات ضد الجدب السياسي، وانعدام أفق الأمل، الذي فرضه إيقاع منتظم لامتصاص ثروات الأمم، من أجل تمويل مشاريع هيمنة، لم تقدم من عائد سوى الفقر والانعزالية الشعائرية البائسة.

تقول حكمة فارسية قديمة "لا آمال في اليأس"، اليأس الذي سعى معسكر الممانعة القمعي إلى تكريسه كحالة وطنية عامة، في هلال إيراني تسوده قسراً معادلة تقديم شعارات معركة القيامة وتحرير القدس بالخطابات، على أولويات وطنية تمس حياة الناس وخبزها وحرياتها ومستقبل أبنائها. والآمال التي انفجرت بشعارات مضادة، أنتجتها الحاجة الملحّة إلى استعادة الحياة، وصاغتها آليات اجتماعية لا تنافق في تحديد أولوياتها وفي حماية مصير أبنائها.

صاح اللبنانيون "هيلا هيلا هو"، ورد العراقيون بوضوح ساطع "بغداد حرة حرة.. إيران تطلع برا"، بينما اختار الإيرانيون -وهم المعنيون أولاً بهذا- أن يعلنوا موقفهم بصيغة تاريخية "مرك بر ديكتاتور" (الموت للطاغية) في انقلاب تام وعاصف لشعار الثورة الخمينية.

يعرف المتظاهرون في شوارع بيروت وبغداد والبصرة وطهران ثمن المواجهة، وهم جميعاً شاهدوا دير الزور وحلب وحمص وريف دمشق تتحول إلى ركام في حرب كاملة، شنهّا محور هلال الدم الطائفي على مدنيين بأسلحة محرمّة دولياً، لكنّ الرسالة التي أريد لسوريا أن تكونها، وصلت مقروءة بوضوح لم يتوقعه سدنة القمع والإرهاب والتفقير المنظم... إنّه الأمل أخطر أعداء القتلة.