سوريا المباغتة وهذر المافيات الدموي

ترفض الأحداث في سوريا أن تسلك مساراً نمطياً يريح حلف بشار الأسد وداعميه، فهناك دائماً ما يعيق تكريس وهم الانتصار الذي يبنيه النظام على الأنقاض السورية، وهناك دائماً ما يبدد محاولات تثبيت الأوضاع على أي صورة مستقرة، حتى لو كانت أسوأ الممكن بحيث يمكن إعادة تسمية ما بقي من هيكلية الحكم باعتباره دولة.

من تقلبات الليرة المنهكة، إلى حزم العقوبات الأميركية التي تنهش الحلفاء في إيران وحزب الله، وصولاً إلى الخؤولة المحظية، تترنح استقرارات الأسد الوهمية على أرض مائعة سياسياً واقتصادياً، وعلى إدمان الحماية الروسية عسكرياً، حتى أنّ النظام بات يعاني أعراضاً انسحابية بكل ما للكلمة من معنى حين يقلل الحامي بوتين جرعة القصف اليومية.

وبينما تهوي الليرة وتصعد في أرجحة غير منطقية لا تروم إلا "تعفيش" ما بقي من عملة صعبة في سوريا، تبرز حكاية واجهة المافيا العائلية السوداء وقناعها التجاري، كواحد من مجموعة وجوه أنتجها نظام بشار الأسد مع بدايات تكونه ومحاولات إنشاء كارتل خاص به يفصله عن أثرياء سلطة أبيه.

أُخرج رامي مخلوف من الصورة بجرّة قلم، لتغطي دراما إقصائه بأرقامها المليارية على حفنة يتردد أنّهم كانوا كذلك عرضة لحملة "حرب التعفيش الأهلية" داخل النظام. وخرج الأسد إلى عالمه المفضل حيث صغار الشبيحة يمارسون طقوس عبادة ثرثراته المفككة، ويحتفلون بعيد ميلاده على هامش عرض فيلم أثار على الفور مواجهة نكران في معسكر الموالاة الذي بوغت بعضه بنعته بالجبن لصالح "شجاعة شبيحة الدم النقي".

والمفارقة أن سرعة استجابة المؤسسة العامة للسينما ومخرج الفيلم للضغط وسحب الفيلم لإعادة صياغته، قد ربطت في بيان توضيحي باتهام البعض -من الشبيحة أيضاً- بأنهم ينكدون فرحة طرفي الإنتاج والإخراج بحضور الأسد الذي مارس كالعادة هوايته بهذر أعلنته المؤسسة نقداً مهماً لمحاولة تعفيش تاريخية مزورة.

لا تنتهي المباغتات السورية أبداً، والأسد ليس وحده من يشغل فراغ انتظار الحدث الكبير التالي بتعفيشات اقتصادية وفنية، فالبغدادي مثلاً عاد ليظهر معلنا "تمدد" تنظيمه المنكمش، ومتهماً أهل السنة بـ"الجهل" كعذر يستوجب من مقاتليه "الصبر" قبل اكتمال مهمتهم.. وهمٌ آخر ينبئ باستمرار توالد اللامنطق واللاعقل في سوريا.. حيث لا دولة إلا في الهذر الدموي.