الليرة ومذبحة الأرقام.. السوريون بين برميلين

لطالما كان الاقتصاد في سوريا، تحت حكم آل الأسد، أحد أبرز وجوه التعبير عن فصامية الواقع، ومعياراً دائماً لفشل متزامن في جانبي السياسة والثروة، في بلاد حُكمت نظرياً خلال العقود الثلاثة الأولى من عمر طغيان السلالة بشعارات الاقتصاد السياسي الماركسي، واستنساخ مشوّه لتجارب سوفيتية فاشلة ومفقرة أصلاً، مع التشدق بتعديلات لا جدوى منها؛ تتعلق بخصوصية نظام النهب العلني للثروات الوطنية وتكريس حياة "خشاش الأرض"، التي عاشها السوريون حتى مطالع الألفية الثالثة.

عاش نظام الأسد بنسختيه زماناً على ثنوية تمكين السياسة بقوة القبضة الأمنية العسكرية بما يكفي لإنتاج آلية وأد ذاتيّة داخل المجتمع لأي تذمر اقتصادي - معاشي، والواقع أن هذه الآلية نجحت إلى حدٍّ بعيد على مدى عقود، وأتاحت للنظام في المقابل إنتاج آليات استخفاف بحيوية هذه المطالب وخطورتها.

وتجلّت هذه الخفّة بوضوح في حالتين بارزتين، الأولى ارتبطت ببدايات الثورة حين حاول النظام امتصاص المطالب الوجودية التي طرحها الشارع بتقديمات مالية رثّة أهانت الشارع وأجَّجت الاحتجاجات، أما الثانية فهي حادثة الآن مع الانهيار المتسارع في سعر صرف الليرة متأثراً بالانغلاق السياسي في لبنان.

يبدو النظام معزولاً عن اقتصاده، عاجزاً بصورة مطلقة عن التحكم في سعر الليرة، وغير مكترث على الإطلاق بالدمار الاقتصادي الشامل الذي يحيق بالسوريين جراء متوالية الغلاء التي تحفر عميقاً في أسس حياتهم.
المفارقة هي أنه وبينما تغلي المنطقة خصوصاً في لبنان والعراق لأسباب اقتصادية أساساً، بل إنّ الثوار في البلدين يستلهمون بعضاً من شعارات وميكانيزمات الثورة السورية، فإنّ نظام الأسد يبدو مرتاحاً لما يعتقد أنّه انعدام احتمال قيام ثورة رغيف في مناطق سيطرته، وربما يعود هذا إلى يقين بعمق أثر حرب الإبادة الوحشية التي شنها خلال السنوات الماضية وإلى صورته التي تكرست دولياً كسفاح محصّن من العقاب الثقيل.

لم يعد الأسد في حاجة إلى فرض حصارات تجويع على المدن السورية، تفقد الليرة معناها في استحالة الحصول على ما يقابلها، هو موهوم الآن بالنصر، وحرّاسه الروس والإيرانيون منتشرون في كل شبر، وهم في الحقيقة يواصلون ارتكاب المذابح في إدلب دون اكتراث بسؤال الشارع، سواء كان معارضاً مقموعاً أو منحبكجياً يقمع اضطراراته لإخفاء إلحاح المقارنة بين أولوية قتل المدنيين ببراميل المتفجرات في إدلب وبين توفير براميل المازوت في دمشق