افتتاحية العدد 80

معارك حلب واستتباعاتها

لم يعد «التورّط» الروسيّ مجرّد مشاركةٍ فعالةٍ في معركة بشار الأسد ضد معظم السوريين فحسب، فالأسلحة الإستراتيجية القصوى التي ترسلها موسكو تباعاً إلى الأراضي السورية، من جهةٍ، وانفراد روسيا بموقفٍ سياسيٍّ متعنّتٍ تزداد عزلته في نادي الدول الكبرى، من جهةٍ أخرى؛ باتا ينذران بصدامٍ عالميٍّ قد لا تكون المسألة السورية فيه إلا خلفيةً وأرضاً للمنازلة.

العالم يستشعر، يوماً بعد يوم، خطر الطموحات الإمبراطورية للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، ويخشى من تمتين معسكر الشرّ الذي بات يقوده، وتندرج فيه إيران وملحقاتها الطائفية في عددٍ من البلدان وما تبقى من أطلال النظام السوريّ. ويجري تدارس الوسائل الكفيلة بمنع تضخّم جنون العظمة البوتيني من تحويل صاحبه إلى هتلر العصر، سياسيةً أكانت هذه الوسائل، ولكن حازمة، أم عسكريةً رادعةً دون الوصول إلى خطر اندلاع حربٍ عالمية.

وبما أن مدينة حلب هي «مكسر العصا» الحاليّ، وقت أن انقطع الحوار بين روسيا والغرب أو يكاد، وفي ظلّ أماراتٍ على نضوج التوفّز الدوليّ؛ فمن المرجّح أن يبدأ ضبط وتحجيم معسكر المارقين من معركتها. لم تتضّح صورة ذلك عملياً بعد، وما زالت الصور والفيديوهات القادمة من هناك تفطر القلب، من آثار انفراد الطيران الروسيّ والأسديّ بالجوّ واستهداف كلّ شيء، الأبنية السكنية والمشافي والأسواق، بأسلحةٍ شديدة الفتك. ولكن الأرجح أن تكون لكلّ هذا نهايةٌ قريبة، إذ يبدو أن العالم قد أدرك أن عليه أن ينقذ نفسه ابتداءً من حلب، بعد أن تخاذل طويلاً عن نصرة أهلها المستضعفين.

ومن طرفٍ آخر تبدو مسيرة تحرير ريف حلب من داعش مبشّرة، فبينما نضع اللمسات الأخيرة على هذا العدد وردت الأنباء بتمكن قوّات الجيش الحرّ، المدعومة تركياً، من السيطرة على عدّة بلداتٍ وقرى من بينها «دابق» التي تحوز أهميةً رمزيةً كبيرةً في أسطورة التنظيم عن نفسه وبين مؤيديه.

ولكن الأمر لم يمرّ دون تفجيرٍ في مدينة غازي عنتاب التركية، في الوقت نفسه تقريباً الذي أُعلن فيه عن تحرير دابق. ما زال من المبكّر الحكم بارتباط الحدثين من عدمه، بانتظار نتائج التحقيقات، ولكن البديهيّ أن الإرهاب، الأسود أو الأصفر، لن يتوانى عن الانتحار على الأراضي التركية، معرّضاً وجود ملايين اللاجئين السوريين للإرباكات.