محنة مدينة حماة المُحتلة بالمخابرات والشبيحة والموظفين الطائفيين

فاقم "النصر" المزعوم لقوات الأسد وشبيحته على الساحة السورية أوضاع أهالي مدينة حماه مأساوية، إذ أُطلقت يد الشبيحة دون رادع، وباتت استباحاتهم للمدينة مشهداً مألوفاً في حياة الحمويين، من خطف وسلب وإتاوات، على الرغم من خروج كل الفصائل المسلحة من المدينة، ومنذ عام 2013، تجنّباً لمصير مشابه دفعته حماه في ثمانينات القرن الماضي، أيام حكم الأسد الأب، والمجازر التي ارتكبها بحق الأهالي آنذاك.

يرزح سكان حماه تحت وطأة قمع منفلت منذ بداية الثورة، ومع استقدام الأسد لمئات من جنوده الذين نشرهم في أحياء المدينة وتشديد القبضة الأمنية وتشكيل الكثير من الميليشيات، وتسليمهم مفاصل المدينة ليعيثوا فيها فساداً، زرع رعباً مزمناً في قلوب أهل المدينة، الرّعب الذي يمنعهم من التنفس في حضرة الجلاّد، الرعب الذي يدفعهم للاستكانة أمام موظف عادي في دائرة النفوس يُمارس سخطه عليهم مع كل ورقة يريدون استخراجها، وهم مُجبرون على تقبّل هذا السخط فقط لأن الموظف، في غالب الحالات، مُعبّئ طائفياً بحكم انتمائه لواحدة من القرى أو البلدات الموالية للنظام في ريف حماة.

تعدّت المشاهد رؤية مئات أهالي المدينة في طوابير على أفران الخبز والمشافي وغيرها من الأمور الخدمية، إلى انتشار حالات من الخطف والمساومة والسرقة ودفع الإتاوات، يقول أبو أحمد من سكان المدينة "خطفُ أي مواطن بحجة التواصل مع الثوار ومفاوضة أهله على مبلغ من المال لإخراجه بات أمراً شبه يومي، وإن لم تستطع العائلة تأمين المال يختفي الشاب ويضيع في أقبية الاعتقالات". قادة الشبيحة وأشهرهم من أبناء المدينة "طلال الدقاق" خطفوا الكثير من المدنيين وقاموا بوضعهم في أحد المنازل الطرفية في المدينة، وإخبار الأهالي بأن أولادهم معتقلون في مطار حماه المدني، الثمن معروف لإخراجهم، فعليك أن تدفع مليوني ليرة سورية للدقاق عن كل شخص، يقول أحد المختطفين. وفي مرات كثيرة تتعرض المدينة لما يشبه الغزوات من ميليشيات سلحب أو قمحانة ومصياف، يُلقى القبض خلالها على أثرياء من أهل المدينة، أو تُصادر بضائع أو سيارات. يروي محمد (اسم مستعار) كيف شاهد من شباك بيته "شبيحة" مسلحين يسرقون سيارته دون أن يجرؤ على فعل شيء أو حتى الاحتجاج كلاماً على اللصوص.

يُتّهم طلال الدقاق بارتكاب معظم هذه الجرائم بعد أن تحول إلى الرجل الأول في حماه مستفيداً من دعم لا محدود، حسبما يُقال، من سهيل الحسن. ينتمي الدقاق إلى "حي طريق حلب"، وعمل قبل الثورة سائقاً لسيارة أجرة ثم عاملاً في معرض سيراميك، إلى أن اندلعت الثورة لينضم إلى مجاميع الشبيحة الذين شاركوا بقمع المتظاهرين في مدينة حماة. لا تعرف بالضبط الطريقة التي اتصل بها الدقاق بسهيل الحسن، لكن علاقاته بشبيحة كبار من ريف جبلة أوصلته إلى الحسن، الذي أُعجب به بعد اقتحام حي الحميدية وما رافق ذلك من جرائم قتل بحق أهل الحي واعتقال، ثم بتنفيذ إعدامات وحشية بـ (20) شاباً من حي الفراية، قضى بعضهم حرقاً قبل أن يُطلق عليه الرصاص، فضلاً عن جرائم مُفردة حرق فيها أحد الإعلاميين بحي الأربعين، وتقطيع رئيس بلدية قرية الخالدية في مكتبه بتهمة اتصاله بالثوار.

أحياناً يعتلي الدقاق منبراً في أحد المساجد ليلقي خطبة عن الشرف والأخلاق ومحاربة الإرهابيين، في الوقت الذي يستبيح المدينة، ويتفنن بقتل ضحاياه بعد تعذيبهم.

يُفرض للدقاق ولغيره من قادة الميليشيات حصص ثابتة على كل بضاعة تدخل المدينة.  يقول تاجر طلب إغفال اسمه "كان عليّ أن أدفع خمسة ملايين ليرة لعلي الشلة مقابل إدخال أربع شاحنات فروج إلى المدينة". قبل ذلك، أوقف الشلة، وهو قائد لميليشيا يسميها "قوات الصقر علي الشلة"، شاحنة لهذا التاجر تحمل الدجاج الحي لمدة أربعة أيام ما أدى لنفوقها وتكبده خسارة فادحة علّمته أن يدفع أولاً.

"حماة تشعر بالخذلان" يقول عبد الحميد الشحنة وهو مقاتل وإعلامي من الجيش الحر خرج مع كتيبته من المدينة وكان يأمل، حسب ما يقول، بالعودة إليها "بشكل منظم وقوي لتخليص حماة من الظلم الذي عاشته وتعيشه كل يوم"، وحين كانت كتائب الحر في العامين 2012 و2013 نشطةً في المدينة قبل خروجها "لم يكن النظام وشبيحته يجرؤون على الممارسات التي يقومون بها اليوم".

يقول "أبو شادي الحموي" وهو ناشط كان من أوائل المتظاهرين "نشعر بغصّة وغضب لما يعانيه أهلنا اليوم على يد الشبيحة دون أن نتمكن من فعل شيء دفاعاً عنهم".