ضمير الثورة المدني واستنزاف الحياة في سورية

رائد الفارس - حمود جنيد

تقدّم الثورة السورية، منذ انطلاقتها، صورة يومية دامية، لحالة متواصلة من تحوّل المدنيين إلى أهداف رخوة وسهلة، يتصيّدها كلّ من يرفع واجهة أيديولوجية تسعى إلى إحكام السيطرة على المجتمع وقهره.

ولطالما كان المدنيون، على مدى سنوات الدم الماضية، ضمير الثورة الذي سعى من يريدون قهر رغبة الحرية -بصورتها المؤسسة لهذه الثورة- إلى اغتياله وتغييبه، قتلاً واعتقالاً ونفياً وتجويعاً وحصاراً، بل وإبادة، بكل معنى هذا الاصطلاح في منطق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ولطالما كان أيضاً اغتيال النشطاء المدنيين، وقتلهم تحت التعذيب، عقيدة تتشارك في حرفيتها كلّ قوى القهر التي تسيطر على أجراء من الجغرافيا السورية؛ وحقيقة أنّ نظام بشّار الأسد هو القاتل الأكثر "إنتاجاً و تشغيلاً" لآلة الاغتيال والتعذيب، لاتمنح تنظيمات مثل "داعش" أو جبهة النصرة -بأسمائها المتغايرة شكلاً لا فعلاً- حصانة ظلِّ القاتل الأشرس. والواقع أنّ أسماء الضحايا تؤكد وجود تشاطر في النوايا لا يخفى على أحد بين هذه القوى؛ لتغييب كلّ واجهة مدنية ممكنة للثورة، وللحياة في سوريا.

كيف يكون كمثال أخير، اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد في كفرنبل، غير خدمة مباشرة للنظام وحلفائه الإيرانيين والروس، بإزاحة رمزية مهندس لوحات كفرنبل الشهيرة، التي تمثّل بعض آخر ما بقي حيّاً في العلن والتحدي لضمير الثورة المدني؟

كيف يمكن لهذه الجريمة، التي يعرف أهل كفرنبل من قام بها -وقد اتهموه بها- أن تكون غير استكمال لسعار الإفناء؛ الذي يشنه الأسد، والمليشيات الإرهابية الإيرانية، والقصف البساطي الروسي؟ أو غير توأمة عملانية لقوائم الموت تحت التعذيب؛ التي يسرّبها النظام بخسّة عبر سجلات القيود المدنية، لشهداء يعرف ذووهم بخبر موتهم بمحض الصدفة؟

صحيح أنّ رمزيات النشطاء المدنيين ستظلّ حاضرة، وسيجد رائد من يرث هوسه الحر بتخطيط لافتات تدين القتلة، غير أنّ هذا بات نمطاً مريراً للحياة؛ التي تقاوم قتلها بإنتاج وجودها، وإعادة إنتاجه، ضمن بيئة باتت أخبار القتل والاغتيال والموت تحت التعذيب فيها أشبه بصاعقة يعرف الجميع أنّها ستضرب مجدداً.

هو الضمير المدني لحلم الحرية السوري، صدر الثورة المكشوف لحراب استنزاف ثروته المدنية في أقبية سجون الأسد ومحارق الجثث، وفي مهمات التصفية "القاعدية"، في بيئة سياسية دولية تجاهلت وتتجاهل يومياً عقيدة مناهضة الحياة في سوريا.