سوق العقارات في إدلب يلفت نظر التجار وملاك الأراضي إلى المقاولات.. والمشترون خارج سوريا

تحول تاجر الحطب "أبو رشيد" الذي كان يبيع الحطب اليابس وقشر الفستق والبيرين في خيمة كبيرة وسط مدينة معرة مصرين، إلى مقاول في غمضة عين. ويشير أبو رشيد إلى أنه شاهد غيره من أبناء المدينة وقد شيدوا أبنية عديدة وقاموا ببيع شققها، والمتاجر التي تبنى عادة في الطابق الأرضي من كل بناء فيها وربحوا مبالغ جيدة، لذلك وبحسب ما يضيف ل"عين المدينة"، قام بإزالة خيمة بيع الحطب، واستقدم آليات الحفر، وشرع بتنفيذ مشروعه الجديد.

قصة أبو رشيد تتكرر تقريباً في معظم المدن بمحافظة إدلب، بعد أن حوّل سوق العقارات الناشئ فيها التجار وملاك الأراضي إلى مقاولين يحاولو الحصول على مكاسب سريعة من عمليات تشييد الأبنية الطابقية وبيعها للسكان، وذلك في ظل تسهيلات تقدمها "حكومة الإنقاذ" التي تدير المنطقة، والتي قامت بمنح مئات التراخيص للمقاولين بهدف تنشيط سوق العقارات.

ويعزو وزير الإدارة المحلية والخدمات بحكومة الإنقاذ المهندس قتيبة الخلف ازدياد النشاط العقاري إلى "الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بشكل عام ووزارة الإدارة المحلية والخدمات بشكل خاص عبر مؤسساتها ومديرياتها".

ويضيف الخلف ل"عين المدينة"، أن المديرية العامة للمصالح العقارية توثق شهرياً عدداً كبيراً من البيوع العقارية تقارب ٨٠٠ عملية في عموم المحافظة، إضافة لعمليات الإفراز العقاري والمعاملات العقارية والمساحية الأخرى التي توضح نشاط العمل الاستثماري والاقتصادي العقاري في المنطقة.

ويتابع أن توثيق البيوع العقارية يترافق مع "عدد كبير من رخص البناء التي تمنحها المجالس المحلية، والتراخيص الصحية للمهن مثل المطاعم والمنشآت الأخرى، وكذلك مديرية الخدمات الفنية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات تمنح عدداً كبيراً من التراخيص الصناعية والتجارية تقارب ٥٠ رخصة وسطياً في الشهر".

وبحسب الخلف "تتم عمليات تثبيت الملكية في السجل العقاري وفق قانون السجل العقاري ومبادئ الشريع الإسلامية. وتقوم (مؤسسات الوزارة) بالتدقيق والحفاظ على الملكيات والصحائف العقارية والمساحية".

 شروط وقوانين

وضعت حكومة الإنقاذ شروطاً لبناء العقارات، وتشمل إثبات ملكية العقار وحدوده المساحية، والمطابقة على المخطط التنظيمي وصفات السكن والمخططات الهندسية، فيما تتم عمليات تثبيت الملكية في السجل العقاري، الجهة الوحيدة المخولة بمنح سندات التمليك لعقارات المحافظة، وفق قانون السجل العقاري لعام ١٩٢٦ وتعديلاته.

ويشترط لنقل الملكية حضور البائع والمشتري أو وكيله القانوني مع ما يثبت الشخصية والوثائق العقارية التي يجب إرفاقها في المعاملة، ويتم سماع المعاملة وتوثيقها أمام رئيس مكتب التوثيق العقاري، وتخضع للتدقيق والتسجيل.

وتتابع الإنقاذ شروط البناء وتراخيصه عن طريق مديرية الخدمات الفنية ومديريات الإدارة المحلية والخدمات التابعة لها المنتشرة في المحافظة، إلى جانب المجالس المحلية، بما يتوافق مع المخطط التنظيمي ونظام ضابطة البناء.

 أرباح كبيرة

لم توقف أسعار مواد البناء التي شهدت قفزة واسعة في الأسعار مؤخراً، النشاط الملحوظ لعملية بناء العقارات. ويوضح "أبو المجد" أحد العاملين في مجال البناء ل"عين المدينة" أن أسعار لوازم البناء خطت خطوات كبيرة خلال الأشهر الماضية، وبلغت نسبة الارتفاع 45 بالمئة للاسمنت، إذ بلغ سعر الطن الواحد من الاسمنت التركي 72 دولار.

أما الحديد فقد سجل نسبة ارتفاع لا تقل عن 55 بالمئة، إذ يباع طن الحديد التركي والإيراني ب700 دولار على الأقل، في حين لا يقل سعر البلوكة 15 سم عن 13 سنتاً أمريكياً، بعد أن كان السعر الوسطي لا يتجاوز 9 سنتات.

يضيف أبو المجد أن المقاولين لن يتأثروا بالارتفاع الحاصل في لوازم البناء، لأن أسعار العقارات صعدت بالتزامن مع الغلاء. ويتابع "تباع الشقة التي تبلغ مساحتها 100 متر بمبلغ يتراوح بين 5 وحتى 7 آلاف دولار على العظم (بدون كسوة). وبحسبة بسيطة: تتراوح كلفة بناء شقة على العظم بمساحة 100 متر دون حساب سعر أرض المبنى بين 2500 وحتى 3500 دولار، والفارق يعتبر ربحاً صافياً للمقاول".

 ماذا عن ذوي الدخل المحدود؟

مع أن تشييد العقارات أدخلت أرباحاً جيدة لجيوب المقاولين الجدد، إلا أن الأسعار التي يقول سكان إنها مرتفعة كثيراً، جعلت من الحصول على بيت ملك أمراً أشبه بالمستحيل بالنسبة لشريحة واسعة من السكان، لا سيما المهجرين الوافدين من مناطق سيطر عليها النظام مؤخراً جنوبي إدلب، وغربي وجنوبي حلب، وشمالي وشرقي حماة.

يقول أبو علي وهو أحد مهجري ريف حماة الشمالي، ويعيش في بيت "على العظم" ويدفع إيجاره 25 دولاراً في الشهر، أنه يتمنى شراء شقة غير مكسوة، لكنه تفاجأ بالأسعار التي لا تقل عن 6000 دولار، وهو مبلغ غير متوفر لمعظم الوافدين ممن يشبه وضعهم وضعه.

أما سمير وهو مهجر من معرة النعمان ويمتلك سيارة يعمل بها في نقل الخضراوات إلى سوق الهال بمدينة إدلب، فيشير إلى القلق الذي يساوره من المفاضلة بين بيعه للسيارة التي تبلغ قيمتها 5000 دولار، وشراء شقة تجعله يتخلص من أعباء إيجار المنزل (يدفع 75 دولاراً في الشهر)، أو الاستبقاء على السيارة والاستمرار في العمل.

 من يشتري إذن؟

أسعار العقارات الباهظة قياساً لوضع معظم السكان المقيمين بإدلب، أدت إلى ندرة عمليات الشراء الداخلية، بينما يعتمد النشاط الحاصل في السوق على أموال المغتربين واللاجئين من أبناء المحافظة الذين يقيمون في دول الخليج وأوربا وتركيا، بحسب ما يفيد أبو علاء الذي يدير مكتباً لبيع العقارات بريف إدلب.

ولأن أسعار العقارات -مهما ارتفعت- تعد رخيصة جداً مقارنة بدول الخارج، فقد لجأ عشرات الأدالبة المقيمون خارج سوريا إلى شراء الشقق السكنية في الأماكن البعيدة نسبياً عن الجبهات، كوسيلة للادخار من جهة، وبغية السكن فيها في حال الرغبة بالعودة إلى سوريا.

يضيف أبو علاء ل"عين المدينة" أن عمليات البيع تتم عبر أقارب المغترب أو اللاجئ بإرسال حوالة مالية بغية شراء العقار وإجراء كافة ترتيبات نقل الملكية.