- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
أحمد اسطنبليمن رئيس مجلس محلي في حلب.. إلى «مختار» لدى النظام!
من إداري في مؤسسة إغاثية تابعة لإحدى كبرى فصائل المعارضة في حلب إلى مختار في حيّ المواصلات الخاضع لسيطرة النظام، قطع أحمد اسطنبلي مسيرة تحوّل مدهشة، بعدما كان يُمثل لدى بعض الأوساط المعارضة في منطقته «أباً روحياً» للثورة.
اسطنبلي، المعروف بـ«حج أحمد»، شخصية محبوبة، لما يتمتع به من لسان «رطب» كما يُقال في حلب، وإن كان لا يمكن إخفاء التزلف والنفاق في حديثه. دخل اسطنبلي الوسط الثوري بعد تقديم نفسه على أنه من منظمي المظاهرات في تنسيقية حيّ الشعار.
عمل اسطنبلي سائقاً في مؤسسة إغاثية تابعة لإحدى كبرى الفصائل في حلب، قبل أن يثبت جدارته فيتم تعيينه مديراً لـ«مكتب الطحين» الذي كان يُزوّد كامل عناصر الفصيل وعدداً كبيراً من المدنيين بالخبز المجاني وشبه المجاني. وتزامن عمله هذا مع تشكيله «المجلس المحلي لحي المواصلات» في عام 2014، وتوليه رئاسته.
عَمَلُ اسطنبلي كمدير للطحين، وكرئيس لمجلس حيه، أكسباه علاقات مدنية وعسكرية واسعة في حلب وريفها، نظراً للزيارات التي كانت ضمن مهامه العملية لمقرات الفصائل. ولم يقتصر الأمر على تعرفه بقياديّي الفصيل المُسلّح الذي يعمل معه، وإنما تعداه إلى معارف مع المؤسسة الأمنية وأمراء في جبهة النصرة و«الهيئة الشرعية»، ما جعله مقصداً وصلة وصل بين هؤلاء وفصيله في حالة العوائق والخلافات. وبعد ذلك تسلّم كامل مقدرات القمح والطحين في الفصيل.
استمرّ اسطنبلي في الصعود. فقبل قرابة شهر من سقوط حلب تسلّم إدارة المطبخ الذي يزود مقاتلي الفصيل بالطعام على الجبهات، وكان خلال تلك الفترة متعصباً، فهاجم وعادى كل من تحدث عن السقوط الوشيك أو حاول إحباط المعنويات، مؤكداً أن الأمور ما تزال جيدة وتحت السيطرة. وبعد وصول قوات النظام وميليشياتها إلى مشارف حيّ طريق الباب كان يرى في المدنيين النازحين من الحرب والاشتباك «خونةً» للمبادئ، وكان يصرخ بهم ليلتحقوا بالجبهات، أو على الأقل ليساهموا في إعداد طعام للمقاتلين.
اختفى اسطنبلي فجأة دون أن يترك أثراً أو خبراً لدى المؤسسة أو الفصيل، وعُرف في ما بعد أنه غادر إلى مناطق النظام، بالتنسيق مع شقيقه عبد الرحمن الذي يعمل سائقاً للعميد سهيل الحسن الملقب بالنمر، والذي اصطحبه من معبر طريق الباب إلى مكان آمن، ولم يُعرف بعد إن كان متورطاً في إرسال إحداثيات مواقع الفصائل ونقاطهم، التي يعرفها جيداً، إلى النظام ليقصفها.
لدى علم المؤسسة الإغاثية بحادثة فراره ذهبت إلى البيت الذي كان يقيم فيه في حيّ المواصلات لاسترداد أشياء كانت بحوزته، بينها سيارة ومال وأوراق تخص العمل، لكنْ لم يكن هناك أثر لأي شيء عدا السيارة التي سبق و«وهبها» لعضو في «الهيئة الشرعية» يُدعى أبو شريف، لتغطية «حسبة قديمة» بينهما تتعلق بخلافات شخصية.
حتى الآن لا يتجاوز ما حدث سياق المعقول، ففي حلب سجلت حالات مشابهة. لكن اسطنبلي، الذي يبدو أن المفاهيم انقلبت لديه تبعاً لـ«هوا السوق» والمسيطر الجديد على المدينة، لم يكتفِ بذلك. ففي مطلع شباط 2017 داهمت قوات الأمن العسكري منزل أحد زملائه السابقين في العمل الإغاثي، واسمه محمود فاعور، في حيّ الشعار، واعتقلته بعد أن «عفّشت» كامل أغراض منزله، بتهمة «التعامل مع الإرهابيين». وكان الفاعور قد تسلّم إدارة صالة ألبسة في المؤسسة الإغاثية ذاتها التي عمل فيها اسطنبلي، إلا أنه ظل بعيداً تماماً عن أي عمل عسكري، ولم يكن معروفاً إلا للإداريين في المؤسسة. ولدى تقدّم النظام اضطر إلى البقاء في منزله لارتباطه بمسؤوليات تجاه أطفاله وأخواته، ظاناً أنه بمأمن، لكنّ زميله لم يدع ذلك يمرُّ بسلاسة فـأبلغ عنه الأمن. وربما يكون اسطنبلي قد أخبر عن كُثر غيره، قبل أن يصبح منذ فترة قصيرة مختاراً لحيّ المواصلات، ويبدأ بالتحدث عن «الإرهابيين» بذات نبرة التعصب والنفور التي كان يتحدث بها عن ميليشيات النظام.
بين رئيس مجلس محلي معارض و«مختار» موالٍ، وبين «عراب للثورة» و«ناهش جسدها»، تضيع الكثير من العناوين. وإذا كان من المتعارف عليه أنه في الحروب توضع الكثير من الأعذار والمبررات للآخرين الذين يحاولون التماس خيط نجاة، فإنه أمام الحالة هذه تسقط كافة المعايير الأخلاقية والإنسانية أيضاً.