98 يوماً في سجن أحرار الشام

عبد اللطيف الجوفان

في منزل أخيه النازح إلى بلدة سلقين بريف إدلب التقت «عين المدينة» عبد اللطيف مروح الجوفان (22 عاماً) من بلدة أبو حمام بريف دير الزور الشرقي، بعيد إطلاق سراحه من سجن أحرار الشام. ونعرض شهادته هنا دون تبنيها أو نفيها، لتعذر الاتصال بالجهة الخاطفة.

يقول عبد اللطيف إنه، مثل غيره من الشبان الهاربين من داعش، حلق لحيته الإجبارية بمجرد وصوله إلى مناطق الجيش الحر، لكن هذا «لم يصرف الأنظار عنا». فبمجرد أن تكون شاباً قادماً من دير الزور فأنت داعشي حتى يثبت لدى بعض الحواجز العكس.

بعد خروجنا من اعزاز قاصدين إدلب أنزلني آخر حاجز لحركة أحرار الشام قبل مدينة عفرين، مشتبهاً بشعري الطويل الذي لم أتمكن من حلاقته وقتها، وطلب «دورية أمنية» للحركة جاءت على الفور. قيدوني وشدوا عصابة على عيني ونقلوني إلى مقر وسجن سري للحركة، علمت لاحقاً أنه يقع تحت خزان المياه في مدينة اعزاز. كان المحقق شاباً من اعزاز في أول العشرينات من العمر، اسمه محمود كرزة ويلقب بأبو الدحداح. قال لي فور وصولي: «بشرع الله.. إذا عليك شي ما راح تشوف الشمس، وإذا ما عليك راح تطلع». «كانت هذه الجملة مطمئنة لي، فأنا هارب من ظلم داعش ووحشيتها»، حسب ما يقول عبد اللطيف الذي اعتقلته داعش في حملة طالت 300 من أبناء عشيرته الشعيطات بتهمة التنسيق مع القوات الكردية، تعرض خلالها لأسابيع من التعذيب الوحشي الذي كان أقله «الخنق بالأكياس» و«الشبح» مقيداً. وقبل ذلك، في صيف العام 2014، «داعش ذبحت أبوي وعمره 65 سنة» واستولت على أغنامه أثناء محاولته الفرار «مع حلاله» من المذبحة الجارية آنذاك. لم تشفع لي قصتي مع داعش، ولم تجنبني التعذيب بالصعق الكهربائي باستعمال عصا خاصة أو بالملاقط التي تثبت على أصابع القدمين. وعندما تتوقف المولدة تغذي البطاريات المشحونة لهذا الغرض أدوات التعذيب التي يستعمل فيها أيضاً ما يسميه الجلادون بـ«الأخضر الإبراهيمي»، وهو أنبوب مصنوع لتمديدات المياه، شديد الإيلام عند استخدامه في جلد المعتقلين.

يقول عبد اللطيف إنه تعرض للتعذيب في سجن أحرار الشام في الأيام الأولى فقط، وقت التحقيق بتهمة الانتماء إلى تنظيم داعش، ثم ألقي به في زنزانة هي غرفة لا تزيد مساحتها عن 25 م2 ولم يقل عدد نزلائها عن 30 شخصاً خلال مدة الاعتقال. وتشكل، إلى جانب غرفة أخرى بالمواصفات نفسها، السجن الأمني الرئيسي لحركة أحرار الشام في مدينة اعزاز.

لأكثر من ثلاثة أشهر في هذا السجن لم ير عبد اللطيف ضوء الشمس، وكان طعامه وجبة واحدة يومياً، برغيف خبز واحد أو رغيفين فقط. ورغم كل هذا يعد نفسه محظوظاً لأنه لم يعترف مكرهاً بالانتماء إلى داعش كما اتهمه المحققون، مثلما فعل غيره من الأبرياء الذين اعترفوا رغبة منهم في الخلاص ولو مؤقتاً من التعذيب. وينقل روايات سمعها هناك من معتقلين فروا من داعش ووقعوا في قبضة من يتهمهم بالانتساب إليها أو بالعمل لحسابها، مثل قصة شاب من الرقة اسمه جمال ما يزال مسجوناً منذ 10 أشهر، وغيره من عابرين التقطتهم شكوك أمنيي الفصائل التي تطال الجميع.

وفضلاً عن الأبرياء التقى عبد اللطيف في السجن بمدانين كانوا يهربون الذخيرة والسلاح من إدلب إلى الرقة، وبدواعش سوريين ومن جنسيات أخرى أغلبهم من المغرب وتونس وليبيا، إضافة إلى شقيقين لبنانيين خرجا من السجن لقاء 3000 دولار، وفق شائعة سرت وقتها بين السجناء.

مرات كثيرة حاول عبد اللطيف استعطاف السجانين بسرد قصته مع داعش، على أمل أن يبلغوا أحداً من أقاربه بوجوده هناك، دون جدوى. لم يقابل إلا بالسخرية: «أهلك نسيوك.. يحسبونك ميت وساوو لك تعزيب». ليستسلم أخيراً إلى قدره يائساً من الفرج حسب ما يقول، إلى أن عرض فجأة على «قاض» أمر بإطلاق سراحه وبرر مدة اعتقاله الطويلة بأنها إجراء احترازي فقط.

يقارن عبد اللطيف بين سجن داعش وسجن الأحرار فيقول: «يوم واحد عند داعش بعشر سنين عند الأحرار». ولكنه يؤكد رغم ذلك أنه لن ينسى هذه الأشهر الرهيبة مظلوماً لدى من يفترض بهم أن يكونوا مختلفين عن داعش وعن النظام.