موجَة المدارس الخاصة في إدلب

مدرسة في مخيم التمانعة بريف إدلب الجنوبي (عدسة مدين بكري - عين المدينة)

مع موجات النزوح المتلاحقة باتجاه مناطق شمال غرب سوريا، وافتقار المخيمات التي أقيمت على عجل إلى المدارس، وتوقف الدعم عن قطاع التعليم المتعثر أساساً، يضطر الأهالي إلى تسجيل أطفالهم في المدارس التعليمية الخاصة، مقابل مبالغ كبيرة قياساً إلى أوضاعهم، ما يزيد في إثقال كاهلهم وسط الأوضاع المعيشية المأساوية التي يعيشها النازحون وسكان المنطقة بالعموم.

طارق تميم نازح من ريف حماة الشمالي إلى منطقة دير حسان على الحدود السورية التركية، كان يعمل حارساً في أحد المنظمات الإنسانية ويتقاضى 300 دولاراً في الشهر، لذلك عمد إلى إرسال ثلاثة من أطفاله لإكمال تعليمهم في المدرسة الخاصة، وذلك مقابل ما يقارب ٧٠ دولاراً بشكل شهري.

وبعد انتهاء عقد عمله، لم يعد قادراً على دفع القسط الشهري للمدرسة، لذا قام بتوقيفهم عن الدراسة. يقول لعين المدينة: "بقي الأولاد شهراً بعد فصلي من الوظيفة، لأنه لم يعد بالإمكان تركهم لوقت أطول بسبب عدم قدرتنا على الدفع. بعد شرح وضعنا للمدرسة لم يكن هناك أي تجاوب، ورفضوا تدريسهم إلى حين تأمين سداد القسط الشهري نهاية العام".

امتياز لمن لديه المال

قرر أحمد سليم (نازح من من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيمات سرمدا) تسجيل أبنائه في مدرسة سرمدا الخاصة بعد أن يأس من افتتاح مدرسة عامة، نتيجة انقطاع الدعم عن قطاع التعليم منذ ثلاث سنوات. "لو بدي بيع تيابي واشتغل ليل نهار رح حطهن بالمدرسة، لأن تركوا المدرسة سنتين قام بطلوا يعرفوا يكتبوا". يقول أحمد الذي يعمل في المقاولات، ويؤمن عمله مردوداً مناسباً يساعده في تعليم أطفاله الأربعة، الذي يكلفه ما يقارب ١٠٠ دولار شهرياً.
افتتحت المدارس الخاصة بجهود خاصة، يتقاضى أصحابها ما يقارب ٢٠ دولاراً عن الطفل الواحد شهرياً، أي ما يقارب ٨٠ دولاراً في الفصل، عدا عن تكاليف القرطاسية واللباس، الأمر الذي دفع الكثير من الأهالي إلى الإحجام عن إرسال أطفالهم، وسط مناشداتهم بفتح مدارس مجانية للأطفال في مناطق المخيمات، لأن آلاف الطلاب فيها باتوا يعانون من التسرب. 

أحد أولئك علاء القاسم النازح من ريف حماة الشمالي إلى مخيمات شمال إدلب. يعاني القاسم من ضائقة مادية خانقة، إذ لا يوفر عمله في تفريغ وتعبئة الخضار في سوق الهال أكثر من ٨٠ دولاراً في الشهر، في حين يحتاج طفلاه إلى ٥٠ دولاراً إذا أراد وضعهم في مدرسة خاصة، وعن ذلك يقول: "ما نعرف بدنا نجيب أكل ولا نوفر مصاري لحط ولادي بالمدرسة. هلق الأكل والشرب أهم، وإذا صار معنا مصاري بالمستقبل بحطهن بمدرسة خاصة".

يطالب القاسم بمجانية التعليم، التي يرى أنها إحدى البديهيات التي يتوجب على المنظمات الالتفات إليها، إذ أن "كل هذا الدعم المقدم من قبل المنظمات ليس له فائدة دون قطاع التعليم وافتتاح مدارس جديدة"، في ظل عجزه عن دفع تكاليف الدراسة والمعيشة في آن واحد، رغم افتتاحه مؤخراً "بسطة" في المخيم إضافة إلى عمله في سوق الهال.

ميزات توفرها الندرة!

تفتتح المدارس الخاصة في أبنية حديثة، تحوي عدداً من القاعات المدرسية المجهزة بمقاعد ومعدات ومدافئ جديدة. وتعيّن المدارس غالباً كوادر وفق آلية اختيار الأفضل. وتدفع قلة فرص العمل مئات المدرسين ذوي الخبرة العالية إلى التقدم للعمل في المدارس الخاصة، ما يتيح للقائمين عليها انتقاء أكثرهم خبرة.

أحمد نجار مدير مدرسة المعرفة الخاصة يقول: "يعاني التعليم في إدلب من أزمة متعددة الجوانب أبرزها عدم الاستقرار في العملية التعليمية، مروراً بانقطاع الطلاب وتفاوت مستوياتهم التعليمية بالإضافة إلى انقطاع الدعم مؤخراً عن التعليم في الحلقة الثانية والثانوي".

يشرح نجار لعين المدينة أن بداية التعليم الخاص كانت مع معاهد التقوية لشهادتي الإعدادية والثانوية وحضانات الأطفال، واليوم يشمل طلاب الابتدائية والإعدادية، الذي بدأ منذ العام الدراسي 2014-2015 خاصة بعد سقوط العمل بالقوانين التي كانت تقيد مثل هذه المشاريع، في مدن حزانو، سرمدا، الدانا، ومدينة إدلب مركز المحافظة، واليوم يشهد انتشاراً واسعاً وإقبالاً متزايداً من الطلاب.

ويرى نجار أن التعليم الخاص "تلبية لحاجة ملحة برفد التعليم العام بحاملة رديفة ومساعدة، خصوصاً مع تلقي التعليم العام ضربات موجعة من حيث البنى التحتية، وتوقف تطويرها وزيادتها والنقص الشديد بالإمكانيات والأدوات". وحول الانتقال من التعليم الخاص للتعليم المجاني يوضح النجار أنه "من الممكن أن يتطور إلى نصف مجاني أو تشاركي، أو أن تتكفل جهات ومنظمات بأقساط عدد من الطلاب في بعض المدارس و المعاهد".

رقابة شكلية:

تتبع المدارس والمعاهد الخاصة للمجمعات التربوية التابعة بدورها لمديرية التربية ودائرة التعليم الخاص في وزارة التربية التابعة للحكومة المؤقتة أساساً، لكنها اليوم تعمل شبه مستقلة. وتشرف مديرية التربية والتعليم على التعليم الخاص من ناحية السجلات والمنهاج والكادر التعليمي والأمور المالية، عن طريق "مكاتب التعليم الخاص" والموجهين في المجمعات التربوية السبعة الموزعة على المناطق، وكذلك دائرة الرقابة الداخلية.

يقول مدير دائرة التعليم الخاص ربيع أبو زيد لعين المدينة: "هناك قسم من المدارس الخاصة المدعومة من بعض الجمعيات تقدم الخدمة التعليمية بالمجان، لكن التعليم الخاص يبنى على الرسوم المفروضة على الطلاب وهي تختلف من منطقة لأخرى وحسب المدرسين الذين يتم التعاقد معهم".

ويوضح أبو زيد أن المديرية تقدم كافة التسهيلات لمن يرغب بالترخيص، وتشترط لذلك مؤهلاً علمياً وقيداً عقارياً أو سنداً للملكية، بالإضافة إلى "موافقة جوار" وتحقيق الشروط الفنية الدنيا في البناء، دون توضيح الآليات التي تتأكد فيها المديرية من صحة المستندات المقدمة ومراقبة مدى تطابق الواقع مع الخطط. أما بخصوص عدد المدارس الخاصة والطلاب المسجلين فيها في إدلب، فلا تملك مديرية التربية ممثلة بمدير دائرة التعليم الخاص أبو زيد الذي حاورته عين المدينة أرقاماً دقيقة بخصوصها!!