عيد السوريين.. مواقيت الرغبة بالخير والحرية والحياة

الأعياد مواقيت الزمن، وعند السوريين -الأحرار الأسرى تحت حكم نظام الأسد، والأحرار المنفيين والمهجرين في أرض الله- تتسيد الأعياد روزنامة تعداد مواسم الفقد وإحصاء سنوات الخذلان، لكنّ الأعياد بصفتها أيام خيّرة في الوعي العام، وهي كذلك في المقابل اجتماع السوريين على الأمل في حلول مواسم نهاية المعاناة.

على مدى سنوات الثورة والحرب، وقبلها عقود من العسف والظلم والقمع المكبوت بقوة الصمت، مرّت على السوريين أوقات كثيرة مشابهة لهذا الوقت الذي لا يحمل مؤشرات على أنّ هناك ما يدعو إلى التفاؤل، غير أنّ قوّة الناس تجاوزتها وحملت سوريا إلى أهم لحظة في تاريخها الحديث، ورفعت يوماً من أيام البلاد إلى صدارة مواقيتها.

وتحت هول البراميل والقصف العشوائي ووسط غمامة الكيماوي الخانقة، وجد السوريون مراراً مساحة من قوتهم الضمنية لمواصلة تمني "أعوام من الخير" لأحبتهم وجيرانهم ولكل الأخيار من البشر، وهذا ليس مجرد تفاؤل ساذج يتجاهل مرارة الواقع وقسوته الوحشية، بل هو انتصار لقوة الرغبة بالحياة التي يعرف السوريون جيداً صناعتها، وهو الآن وفي مواقيت الثورة انتصار لرغبة الحياة مشفوعة بمعنى جديد اسمه التوق إلى الحرية، والتوق إلى العدالة، والنزعة التي باتت أصيلة لبناء وطن مدني متحضر على أنقاض "سوريا الثكنة" التي بناها حافظ وبشار الأسد على سحق أحلامنا ومستقبل أطفالنا.

هذا العيد سيشبه ما سبقه خلال السنوات السبع الماضيات، لن يكون له في إدلب وأرياف حماة إلا وقع الدمار والمجازر، وسيمر في حوران حذراً فوق سيل من حمم الاحتقان المتزايد، وفي دير الزور تحت جسر مدمر من الخيبة وترقب لحظة استعادة زمام الثورة والقتال، سيكون عيداً فصامياً كالعادة في حاضرتينا الكبيرتين دمشق وحلب، حيث تتراقص فقاعات الوهم داخل المدينتين على ترف تجار الحرب وسماسرة الجثث والاعتقالات والعفيشة، بينما تنوء كتل بشرية هائلة بين دفتي رحى الفقر والخوف.

سيكون عيداً قلقاً في إسطنبول، ومذعوراً في لبنان، وموصداً في مخيمات اللجوء والنزوح البائسة. لكنّه عيد الله، ويوم استفاقة القدرة على تمني الخير واستعادة جذوة الرغبة بالحياة الملونة كثياب طفل محتفل بعمر قادم يجب أن يكون أفضل.. لأن الأفضل "حق" لكل البشر.

أيها السوريون.. منّا (فريق عين المدينة): كل عام وأنتم أحرار.