زوجات المفقودين: نحســـد الأرامــل على حالــهنّ

لعل من أكثر النساء تعرضاً للضغط أولئك اللواتي مات أزواجهنّ، ليجدن أنفسهنّ وحيداتٍ في مواجهة ضغوطٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ عديدة. فهل يخطر في ذهن أحدنا أن شريحةً من النساء يمكن أن تحسد أرملةً على وضعها؟ هذه الشريحة موجودةٌ وبقوّة، إنهن زوجات المفقودين.

"عين المدينة" التقت بأحد العاملين في مركز التوثيق لمعرفة بعض الحـقائق عـــن هذه الشـــريحة، فقــــال: لا توجد أرقـــامٌ دقيقــــــةٌ لأعداد المفــوديـــن في ســـــوريا عموماً. والسبب الأساسي في ذلك يرجـــع إلى خوف ذويهم علــى حيـــاتهــــــم في حال كــــانوا علـــى قيد الحياة، مــــما يجـعلهـــــم يــــرفــضـون الـــحــديــــث فـــي الأمــــر. إلا أن الــثابت أن الــــغالــــبيــــة الساحقة من المفقودين هم من الذكور، و95% منهم معتقلون عند النظام، أو تمّت تصفيتهم في مجازر ارتكبها ـ مثل مجزرتي الجورة والقصور ـ ولم يعلم أهاليهم بذلك، أما من تبقى فهم مغيّبون نتيجة حالات خطفٍ أو حوادث طارئة.
أما السيدة نورهان، التي فقدت زوجها منذ قرابة عام ونصف، فقد حدثتنا عن معاناتها بالقول: غادرنا دير الزور بعد اشتداد القصف على الموظفين حيث نقيم. ومثل باقي الأهالي، توقعنا أننا سنغيب عدة أيامٍ ثم نعود إلى منازلنا، إلا أن مأساتنا استمرّت بل ازدادت مع قدوم الشتاء. وهنا قرر زوجي العودة إلى دير الزور لجلب ملابس الشتاء لكنه لم يرجع. الكل يؤكّد أنه قضى في مجزرة الجورة، دون أن نعثر له على جثةٍ أو حتى على صورةٍ تؤكد وفاته. أبحث مند أكثر من عامٍ عن خيطٍ يقودني إليه، أو حتى إلى قبره، دون جدوى.

 

لو يطاوعني قلبي لأقول له إن والدك ميت

وحول الضغوط التي تعاني منها هذه الشريحة من النساء التقينا السيدة خديجة مصطفى، التي قالت: نحن، أسر المفقودين، من النادر أن تجد جمعيةً أو جهةً تلتفت إلينا بصورةٍ خاصة، كما يتمّ مع أسر الشهداء أو الجرحى، مع العلم أننا ربما أسوأ حالاً منهم. أما عن الصعوبات التي أعاني منها فبالدرجة الأولى أعاني من ضغطٍ نفسيٍّ مرتبطٍ بحالة الحيرة التي ولّدها غياب زوجي. لديّ ثلاثة أطفال في المرحلة الابتدائية يشاركونني الهمّ، وكلمة مفقود لم تعد تكفيهم. حين يسألني أحدهم: ما معنى "مفقود"؟ أحتار بماذا أجيبه. أحياناً أتمنى لو يطاوعني قلبي لأقول له إن والدك ميت، إلا أنني أتذكر أننا لم ندفنه، فأستغفر الله وأعود لأقول له: "مفقود يعني مفقود". أما الشكل الآخر للضغط الذي نعاني منه فيتمثل في الضغط الاقتصادي الهائل؛ فأنا غير موظفة، وراتب زوجي تم إيقافه حين صدر أمرٌ في الشهر التاسع من العام الماضي بمنع تسليم الرواتب إلا لصاحب العلاقة، وبالتالي فقدنا مصدر الرزق الوحيد. ومن جهـــــــةٍ أخــــــرى تأتي الكثير من المعونات الخاصة بأبناء الشـهداء وبـــــالأيتام ولا يكون لنا نصيب منها، بحجّــــة أن زوجي غير متوفى. إنهم يجعلـــون أبنائي يحسدون الأيتام على يتمهـم، وهـــــذه إحــدى المهـازل التــي نواجهها.
ومن أشكال الضغط الأخرى حالة الريبة التي يقابلني بها البعض. فحين أقيم في منطقةٍ يسيطر عليها النظام هناك من يسألني إن كان زوجي غائباً لأنه يقاتل مع الجيش الحرّ. ربما يقول ذلك بنيّةٍ طيبة، ولكنه قد يتسبب في أذيتنا بثرثرته. وفي المناطق المحرّرة هناك من يضع علامات استفهامٍ لا معنى لها حول غيابه، تحرمنا أحياناً من أبسط حقوقنا في احتواء المجتمع لنا كأسرٍ منكوبة.
وعن تعامل الفرق الإغاثية والجمعيات مع مثل هذه الحالة التقينا بالناشط الإغاثي محمد الصالح، الذي قال: إن تركيزنا يتوجّه بصورةٍ خاصةٍ نحو الأيتام والجرحى، فهؤلاء أكثر الشرائح التي تلقى التعاطف من الجميع، إلا أن أبناء المفقودين يواجهون ما يواجهه الأيتام من معاناةٍ وربما أكثر. ومع الأسف فإنهم لا يلقون الرعاية المناسبة، ولا تشملهم قوائم الجمعيات التي تكفل الأيتام أو أبناء المعتقلين. وهذا ما يجب العمل على تلافيه.