- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
المزاح والنكات في الشمال السوري وسيلة لتحدي مرارة الوضع الصعب
هل بقي من مكان للمرح والضحك والمزاح لدى السوريين في ظل الحرب وما يرافقها من قتل وتدمير وتهجير؟ في إدلب لا يزال الأهالي يلجأون إلى المزاح وﺍﻟﻀﺤﻚ لتسهيل تحمل الواقع ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻣﻦ ﻗﺼﻒ ﻭﺗﺸﺮّﺩ ﻭﺍﻧﻘﻄﺎﻉ اﻠﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، فيتدﺍﻭﻟﻮﻥ ﺍﻟﻨﻜﺎﺕ التي تولد من معاناة يومية يعيشونها ﻭﻳﻀﺤﻜﻮﻥ، ﻋﻠّﻬﻢ ﻳﺨﻔّﻔﻮﻥ بذلك ﻣﻦ معاناتهم ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮﺓ.
على وقع أصوات الصواريخ والبراميل المتفجرة يجلس الحاج أبو علي مع أصدقائه أمام باب محله التجاري في سوق مدينة معرة النعمان يشربون الشاي، ويراقبون حركة الطيران، ويتبادلون النكات والمزاح، ويطلقون الضحكات علهم يبعدون شبح الخوف الذي يخلفه القصف ووطأة النظام المستبد. عن ذلك يقول الحاج علي: "نحاول ﺍﻧﺘﺰﺍﻉ ﺍﻟﻀﺤﻜﺔ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺃﻗﺴﻰ ﺍﻟﻈﺮﻭف، وتتنوع الأحاديث والنكات لدينا لتشمل ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺆﻳﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻨﺪﺳﻴﻦ على حد سواء"
ويتابع ضاحكاً: "براميل الموت عم تنزل، أما براميل المازوت عم تطلع في هذه الأيام"، في إشارة إلى ارتفاع أسعار المحروقات، قبل أن يضيف مقهقهاً: "في العيد ينتظر الأطفال السوريون ﻣﺎﻣﺎ ﻧﻮﻳﻞ ﻷﻥ ﺑﺎﺑﺎ ﻧﻮﻳﻞ ﺍﺳﺘﺪﻋﻲ ﻟﻼﺣﺘﻴﺎﻁ".
وبعد أن خرجت ﺍﻟﻨﻜﺘﺔ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ مﻦ ﺍﻟﻬﻤﺲ ﺍﻟﺴﺮﻱ لتصل ﺇﻟﻰ ما يشبه ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ المدوي ﻋﻠﻰ ﺻﻔﺤﺎﺕ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، حطمت كل ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﻈﻮﺭﺍﺕ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، لتصنع ﺿﺤﻜﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻗﻮﻳﺔ ﻭﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻭﻣﻌﺎﻓﺎﺓ، تحمل العديد من ﺍﻟﻤﻀﺎﻣﻴﻦ ﺍلاجتماعية ﻭﺍﻟﺴﻴﺎسية ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ التي يعبر عنها بطريقة ساخرة. وأمام العجز عن إيجاد الحلول لمشاكلهم ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻠﻘﺔ التي تدفع بهم إلى حالة من ﺍلانكسار ﻭﺍﻹﺣﺒﺎﻁ، بات بإمكان السوريين في المناطق الخارجة عن سلطة النظام في شمال سوريا أن يستهدفوا بصوت عال الحاكم وعائلته عبر نكاتهم بدلاً من الهمس بها كما كان يحصل في السابق.
وﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﺍﺭﺗﺒﻄﺖ ﺍﻟﻄﺮﺍﻓﺔ ﻭﺧﻔّﺔ ﺍﻟﺪﻡ قبل بدء الثورة السورية بالنكات التي كان ﺃﺑﻄﺎﻟﻬﺎ "ﺣﻤﺎﺻﻨﺔ"، ﻭﻣﻊ ﺍﻟﻮﻗﺖ بدأ الحماصنة أنفسهم بتأليف النكات والمواقف الطريفة عن أنفسهم. لكن الأمر ﺍﺧﺘﻠﻒ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ، ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﻧﻜﺎﺕ ﺍﻟﺤﻤﺎﺻﻨﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺗﺪﺍﻭﻻً ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻢ ﺗﻐﺐ ﺗﻤﺎﻣﺎً. ففي ﻣﺪﻳﺢ ﺑﻄﻮلاتهم ﻳﺴﺘﻌﻴﺪ ﺍﻟﺤﻤﺎﺻﻨﺔ ﻧﻜﺘﺔ ﺗﻘﻮﻝ "ﺳﺌﻞ ﺣﻤﺼﻲ ﻋﻦ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺣﻤﺺ، ﻓﺄﺟﺎﺏ: ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ، ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺃﻋﺮﻓﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻤﺎﺻﻨﺔ ﻛﻠﻬﻢ ﺃﺑﻄﺎﻝ."
كذلك في المخيمات، رغم صعوبة الحياة وضيق العيش وانعدام الخدمات يحاول النازحون أن يتحدوا واقعهم بالضحك وإطلاق النكات، والسخرية من مرارة الواقع.
رامي السيد تهجر من مخيم اليرموك في شهر أيار 2018، وانتقل للعيش في مخيم دير بلوط بريف عفرين حيث يعاني الكثير مع غيره من الشبان بسبب انسداد فرص العمل بوجهه وتردي وضعه المعيشي، لذلك يحاول أن يتخيل أنه موجود في مكان مختلف مثل كندا التي يحلم أي شاب بالهجرة إليها. يقول عن ذلك لعين المدينة "بأسلوب ساخر وسلس وقريب من القلب أحاول أن ألقي الضوء على ما نعيشه من معاناة نتيجة النزوح وانعدام الخدمات داخل المخيم، من خلال ما أنشره على صفحتي الشخصية على الفيسبوك لعرض المضحك المبكي، حيث أسمي المخيم الذي أعيش فيه (دير كندا) بدلاً من دير بلوط، وأنشر تصرفات أطفال المخيم المضحكة التي تصور براءتهم المحببة، وطفولتهم الضائعة بين الخيام، ومداعبتهم للخروج بهم من جو الحرب والتعقيد".
كذلك قامت مجموعة من الفنانين بتصوير مسلسل كوميدي في مدينة إدلب ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ "ﻳﻮﻣﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﻴﻠﺔ"، ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺴﻠﺴﻞ ﻣﻦ تأليف وﺇﺧﺮﺍﺝ ﻋﺒﻮﺩ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ، يتم عرضه في موقع الفيسبوك على صفحة الفرقة السورية للفنون المسرحية، ﻳﺤﻜﻲ المسلسل ﻋﻦ ﺷﺎﺑﻴﻦ يشتكيان من حظهما العاثر في هذه ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻳﻮﺍﺟﻬﺎﻥ ﻣﺼﺎﻋﺐ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻛﻌﺪﻡ ﺗﻮﺍﻓﺮ ﻓﺮﺹ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭضيق ذات اليد.
عبود ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ مخرج هذا المسلسل يقول عن عمله "ﺍﻟﻤﺴﻠﺴﻞ ﻳﻨﺎﻗﺶ ﻋﺪﺓ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﻏﻼﺀ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ، ﻭﻏﻼﺀ ﺍﻟﻤﻌﻴﺸﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﺍﻓﻘﺔ ﻣﻊ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺳﻌﺮ ﺻﺮﻑ ﺍﻟﺪﻭﻻﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، وﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ الصعبة ﺍﻟﺘﻲ يمر بها الأهالي، ونحن نريد إعادة الفن إلى الداخل السوري ﺳﻮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺪﺭﺍﻣﻲ". وأضاف "ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺷﺠﻌﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ، ﻭﺟﻮﺩ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﺎن ﺍﻟﻤﻮﻫﻮﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻧﺼﻨﻊ شيئاً ﻟﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﺪﻡ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻫﺎﺩﻓﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎﻡ”.
ﻭﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍلحس ﺍﻟﻜﻮﻣﻴﺪﻱ ﻳﻘﻮﻝ المخرج الشامي: "ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺤﺎﺟﺔ إلى الضحك، ﻭهي ﻣﺘﻌﻄﺸﺔ له بعد أن بات حديثها مقتصراً على مآسي الحرب وتداعياتها، لذلك ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺭﺳﻢ الابتسامة وﺍﻟﻀﺤﻚ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ تصوير معاناتهم وهمومهم اليومية بطريقة ساخرة ومضحكة".
ومن اللقطات المضحكة التي ذكرها الشامي، بحث الشاب موفق عن عمل خلال الحلقة الأولى دون جدوى، وسؤال أخيه له: "لقيت شغل إلا لقيت شغل!" في إشارة إلى ما يعانيه الشبان من ندرة فرص العمل في هذه الأيام، وما قالته الجدة وهي غاضبة منه: "تجيك مجية وحمة وبردية ويدقو راسك بالنملية، من بكرة لعشية." دون التعليق على السؤال عن موقف سلطات "هيئة تحرير الشام" من عمله في إدلب