المازوت الأنباري...
قنابل موقوتة في منازل الجنوب السوري

من أحد مشافي ريف درعا الغربي - خاص

تعرضت نور (9 سنوات) لحروق من الدرجة الأولى جراء انفجار عبوة تحوي على المازوت الأنباري كانت تستخدمها لترش منها داخل مدفأة الحطب، ما أدى إلى اشتعال منزلها بريف درعا الغربي بشكل كامل. نقلت الطفلة إلى مشاف ميدانية عدة لكن حالتها المزرية ونقص الإمكانات اللازمة كانا سبباً في وفاتها.

بشكل مشابه لهذه الحادثة المأساوية شهدت محافظتا درعا والقنيطرة، خلال أشهر الشتاء الماضية، عشرات حالات الاحتراق نتيجة استهلاك الأهالي وبعض المؤسسات، كالمشافي والمجالس المحلية، لما يسمى بالمازوت الأنباري، الذي يتم استخدامه بديلاً عن المازوت النظامي في كثير من الأمور الحياتية.

السيد أبو محمد، وهو خبير في المواد البتروكيماوية، قال لـ«عين المدينة» إن المازوت الأنباري هو مزيج من المواد البترولية غير متناسقة التركيب تنتج عن عملية تصفية وتكرير بدائية باستخدام حراقات تعتمد على درجات حرارة عالية. وهي مواد مضرة بالبيئة والصحة والسلامة الشخصية، ولا يوجد في استخلاصها أي عامل من عوامل الأمان والتقنية الحديثة التي توجد في المعدات الحقلية النظامية التي تنظف البترول الخام من الشوائب والغازات وتفصله إلى قطفات مختلفة المكونات والمواصفات من حيث الكثافة واللزوجة باستخدام أبراج الفصل، معتمدة على درجات حرارة محددة.

السيد أحمد جميل، وهو أحد تجار الوقود في ريف درعا الغربي، أكد أن مصدر المازوت الأنباري هو المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش شمال شرق سورية، ويتم تهريب كميات كبيرة منه من خلال تجار يتعاملون مع عناصر في اللجان الشعبية بريف السويداء إلى قرى ريف درعا الشرقي ومنها إلى ريفها الغربي والقنيطرة. وبحسب السيد أحمد يغطي هذا المازوت حاجة السوق المحلية بشكل كبير، معوضاً نقص المازوت النظامي الذي يتم الحصول عليه بعمليات تهريب محدودة من مناطق النظام.

يتحدث السيد أحمد عن عدة أنواع للمازوت الأنباري؛ فيقول إن هناك نوعية جيدة تقترب من المازوت النظامي نوعاً ما، يتم استخدامها للتدفئة ولتشغيل الآليات. وهذا النوع ليس سريع التجمد عند انخفاض درجات الحرارة. ويبلغ سعر الليتر الواحد منه حوالي 270 ل. س وسطياً. ويكون لونه عسلياً تقريباً. وهناك نوع آخر أسوأ من السابق يتميز بتجمده بشكل أسرع مع انخفاض درجات الحرارة، ويحوي على نسبة معينة من الشوائب، ويستخدم في التدفئة فقط. ويبلغ سعر الليتر منه حوالي 200 ل. س وسطياً. وعند انقطاع النوع الأول يلجأ البعض إلى خلط النوع الثاني مع البنزين أو مع نوع ثالث من المازوت الأنباري مشابه بمواصفاته لمادة البنزين. ويكون النوع الناتج من المازوت بلون النوع الأول تقريباً، ويسبب العديد من حالات الاحتراق والانفجار بسبب سرعة تطاير المركبات الخفيفة وسرعة اشتعالها أيضاً.

السيد أبو معتز، وهو ممرض في إحدى النقاط الطبية بريف درعا الغربي، أكد تزايد حالات الحروق الواردة إلى المشافي، وخصوصاً بين الأطفال. ووضح أن معظم الحروق كانت تتراوح بين الدرجة الأولى والثالثة، وأدى بعضها إلى حالات وفاة سريعة نتيجة الضرر الجسدي الكبير أو حتى بسبب الاختناق. وعن أسباب الحروق قال أبو معتز إن معظم الحالات الواردة كانت نتيجة الخطأ أو العشوائية في استخدام المازوت الأنباري؛ فكثير من الحالات كان يتم فيها تسخين المازوت -لأنه يتجمد بسرعة- على المدفأة نفسها، ما يؤدي إلى الانفجار في حال تجاوز الحرارة حداً معيناً.  وترش بعض العائلات المازوت على الحطب وتفل الزيتون في مدافئ الحطب، ما يؤدي أيضاً إلى اشتعال العلبة مع الشخص الذي يقوم بالرش، وغيرها الكثير من العادات الخاطئة.

وبالرغم من أن ارتفاع أسعار الحطب والتفل خلال الفترة الأخيرة، وانقطاع البدائل المناسبة لتعويض التدفئة، كانت الأسباب الرئيسية في زيادة استخدام المازوت الأنباري؛ فإن مسؤولي فرق الدفاع المدني في المنطقة الجنوبية ينبهون إلى ضرورة اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة والكفيلة بإنهاء خطر استخدام هذه المادة. فيجب، بحسب تعليمات الدفاع المدني، عدم تسخين المازوت على المدافئ لتلافي خطر انفجاره، وإنما يمكن وضع العبوات الحاوية على المازوت المتجمد تحت ماء ساخن أو تعريضها لأشعة الشمس. وبدلاً من الرش على التفل والحطب للمساعدة على الاشتعال يمكن تبليل قطع قماشية بالمازوت ووضعها بين التفل أو الحطب في المدفأة. كما يجب إبعاد الأطفال بشكل تام عن التعامل مع هذه المواد الخطرة، لأن نسبة مهمة من حالات الاحتراق نتجت عن عبث الأطفال وعدم اهتمام الأهل ورعايتهم.