"Qui est ton Dieu wlak" السترات الصفراء

AFP

يقول نابليون بونابرت: "في السياسة الغباء ليس عائقاً"، وهي مقولة في غموضها تحتمل وجهين للتفسير. هناك أمثلة يومية في عالمنا للغباء السياسي، وهذا شائع في الواقع، لكنّ نماذج محددة تطرح نفسها على الدوام بقوة كأمثلة إكلينيكية لـ"الغباء المتذاكي" وهذه تحديداً لا أحد أكثر "براعة" من نظام الأسد وحلفه الإيراني بها.

قد لا يعرف كلّ الفرنسيين تفاصيل ما يجري في سوريا، لكنّهم يتذكرون حتماً أنّ بلادهم شاركت في ضربات محدودة ضده بعد أن استخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين. ومهما كان موقفهم من رئيسهم إيمانويل ماكرون، فسيبدو مثيراً للسخرية عندهم -كما هو عندنا- أن يكون إعلام السفاح بشار الأسد وحليفه الإيراني هو من ينوح الآن على "همجية" الشرطة الفرنسية، وهو ذاته الذي يبشر بالثورة الفرنسية الثانية، وتنشر صفحة الإذاعة والتلفزيون الرسمية لديه صوراً لـ"قمع التظاهرات".

بل وينشر شبيحته صوراً لجادة الشانزيليزيه في حالة فوضى لمقارنتها مع دمشق "الهادئة" الآمنة والسعيدة؛ والتي ينتظر سكانها بهدوء وطني لساعات في طابور يمتد لكيلومترات كي يحصلوا على أسطوانة غاز منزلي... لا تسمحوا لتسرعكم أن يقودكم إلى استنتاج خطأ، فالغاز ليس وقوداً مثل ذاك الذي أحرق باريس بالتظاهرات، وما هو وقود في فرنسا الفاشلة ليس وقوداً في دولة الأسد السعيدة.

بعيداً عن الإعلام الرسمي، هناك ما هو أكثر غباء. ببحث صغير على تويتر سيظهر أنّ تفسير "القوات الفكرية الرديفة"، التي يمثلّها اليسار السوري الموالي للنظام وللرجعية الإيرانية واليمين البوتيني، لحركة السترات الصفراء التي تتظاهر ضد ضريبة الوقود -يا للمفارقة- هو أنّها ثورة ماركسية لينينية جديدة تزلزل أركان الإمبريالية الفرنسية؛ بل إنّها "كومونة" جديدة، وتباشير عصر البروليتاريا الأوروبية التي ستنهي أكذوبة الديمقراطية الليبرالية.

لكن هناك مشكلة، فهذا الرهط المستبعث والعاشق للديكتاتورية العسكرية، أيّا تكن صفتها، يمين، يسار، رأسمالية، اشتراكية، قومية، دينية أو حتى فاشية.. كان سينقلب ضد السترات الصفراء ويحيل أعضاءها إلى "جراثيم" لو أن ماكرون قصفهم بالطائرات، أو أنه أرسل شبيحة يدعسون على رؤوس الناس وهم يصرخون Qui est ton Dieu wlak "مين ربك ولاك؟"

هناك تفسير "فلسفي" آخر للسترات الصفراء في سوريا الأسد: هي انتقام إلهي من بلاد وقفت ضد القمع الوحشي في سوريا، وعلى الفرنسيين أن يدركوا قبل فوات الأوان أنّ الحرية التي جلبتها لهم الثورة الفرنسية الأولى هي خطأ كارثي ستصححه السترات الصفراء التي تتظاهر بحرية.

ومع أن حظ الفرنسيين السيئ حرمهم من الحصول على تفسير فلسفي من النمر قائد "الطراميح" لمصيرهم وفق نظرية "أعداء العالم"، فلربما يحصلون على بعض العزاء بتغريدة تحت وسم "السترات الصفراء" كتبها "رفيق بعثي" في اتحاد طلبة سوريا؛ ينصح فيها الطلبة السوريين في فرنسا بتجنب مواقع التظاهر، بل ويقدم وصفة "تعفيشة حرفياً" لاتقاء ومعالجة آثار الغاز المسيل للدموع.
هناك غباء، وهناك غباء مضاد، ووحده حلف الأسد يجمع مجد الطرفين، فحتى نابليون ليس لديه تفسير لهذه الظاهرة.