الجيش الوطني ومحاولات الإنقاذ الأخيرة

أطلق المجلس الإسلامي السوري بادرة جديدة، أواخر الشهر الماضي، دعا فيها، عبر بيان رسمي، الفصائل السورية إلى إنشاء جيش وطني ثوري، تقوده وزارة دفاع تشكّلها الحكومة المؤقّتة، تذوب فيه الفصائل وتقف صفاً واحداً في وجه «قوى الاستكبار» التي تحاول إجهاض ثورة الشعب وتجهّز لـ«مشاريع عدوانية» قد تكون محافظة إدلب فصلها القادم، على حد تعبير المجلس.

استجابات بالجملة

سرعان ما لاقت هذه الدعوة صدىً واسعاً وقبولاً في أوساط الثورة كبارقة أمل قد تكون الأخيرة. وعلى غير المتوقّع أبدت معظم الفصائل استجابتها، فبلغ عدد الفصائل الموافقة ما يزيد على 45 فصيلاً، باستثناء بضعة فصائل من أبرزها هيئة تحرير الشام في الشمال السوري، وفيلق الرحمن في الغوطة الشرقية، والجبهة الجنوبية العاملة في درعا.

أما الحكومة المؤقتة فقد سارعت إلى عقد اجتماع مع الفصائل، تم الاتفاق فيه على قيام رئيس الحكومة، د. جواد أبو حطب، بمهام وزير الدفاع، وتشكيل لجنة مفوضة من الفصائل مهمتها اختيار رئيس للأركان، كما تم الاتفاق على اعتماد مجلس القضاء الأعلى مرجعية وحيدة للقضاء في المناطق المحررة، والعمل على توحيد الجهود السياسية للمؤسسات الثورية كافة.

أهمية الخطوة والموقف الدولي منها

يتساءل البعض عن جدوى هذه الخطوة المتأخرة، لا سيّما وأن خيار إزاحة النظام أو دعم أي عمل عسكري ضده بات من الماضي في حسابات بعض الدول، بل ربما أصبح شريكاً مهماً لها في مكافحة الإرهاب!

وردّاً على ذلك يقول مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم، في لقاء مع «عين المدينة»: هذه الخطوة ضرورية رغم تأخرها، وهي عامل مهم في استعادة روح الثورة وضبط العمل العسكري وإنهاء الفصائلية التي سبّبت الكثير من التراجع في مواجهة الأسد وأدواته من المجموعات الانفصالية والمتطرفة. مثل هذه الخطوة لا تحتاج داعماً دولياً، تلزمها الإرادة والوعي والصدق فقط. ونجدها الخطوة الأهم في قطع الطريق على من يريد إعادة إنتاج الأسد.

ويقول د. عبد الرحمن الحاج (خبير في الجماعات الإسلامية) في لقاء خاص: تلامس هذه الخطوة حاجة ماسّة يشعر بها الجميع، رغم تأخرها. وبالرغم من أن الظروف الحالية في عموم سورية، وفي إدلب خاصة، تشكّل أرضية مناسبة لخطوة من هذا النوع، إلا أن آلية عمل الفصائل وعلاقاتها الخارجية لم تختلف كثيراً.

التحديات وفرص النجاح

يقول د. الحاج: لا شك أن أمام هذه الخطوة العديد من العقبات والتحديات، لا سيما وأنه من الصعب الجزم بجدية مواقف الفصائل، رغم سرعة استجابتها -وهو أمر جيد من حيث المبدأ- إلا أن التجارب المريرة السابقة لا تدعو إلى التفاؤل. ولذلك نرى ضرورة الضغط المدني على هذه الفصائل لأنه قد يساعد على تعاملها بجدية مع هذه المبادرة. وأضاف: نجاح هذه الخطوة -وهو ما نتمناه- سيغيّر كثيراً في خريطة العمل العسكري؛ فمن جهة سيؤدي إلى ربط عسكري مركزي بين مناطق خفض التصعيد، وهو ما سيساعد على تحولها إلى مراكز قوة للمعارضة بدل تحولها مع الوقت إلى مكاسب للنظام، ومن جهة ثانية سيعيق مشروع القاعدة في إدلب، وربما يغيّر مصيرها تماماً. لذا فإن دعم هذه المبادرة غاية في الأهمية، حتى لو كانت فرص نجاحها ضئيلة.

من التحديات الأخرى أيضاً ضمّ وإقناع الفصائل التي لم توافق على المشروع أصلاً أو لم تعلّق عليه، وهي فصائل لا يمكن إنكار ثقلها ودورها على الأرض. وعن أسباب عدم موافقتها يقول سيجري: محاولاتنا السابقة في التوحد لم تنجح لأسباب معروفة للجميع، لعل من أهمها أن بعض الفصائل تمتلك مشروعاً خاصاً بعيداً عن الشعب ومطالب ثورته.

وأردف سيجري: لا بد، لنجاح أي مشروع وطني، من عمل مؤسسي يقوم على اختيار الأكفأ والمتابعة والمحاسبة. ومن هنا نحن مؤمنون تماماً بضرورة بناء المؤسسة العسكرية على أسس سليمة وإنهاء حالة التشرذم. وبالتالي فإن أي فصيل لا يعمل لأجل الوحدة يتحمل مسؤولية إعادة إنتاج الأسد، بل هو شريك في الجريمة في حق الشعب. وأمام هذا الاستحقاق الكبير يجب على الفصائل تحديد موقفها، فإما أن تنحاز إلى الشعب ومطالبه، وإلا فإن موقفها سيكون في صف أعداء الشعب والتاريخ!