آثار الإغاثة في المناطق المحررة

AFP

قدّمت قناة «حلب اليوم» التلفزيونية برنامجاً عن الإغاثة في المناطق المحررة كان سؤاله الأساسي: «ألا تعيق الإغاثة عملية التنمية في المناطق المحررة، وتعوِّد الشباب على الكسل والبطالة؟». بمعنى آخر: ألا تجعل الناس اتكاليين ما داموا قد تعوّدوا على سلة غذائية كل شهر، أو مبلغ مادي، وبذلك لا يفتش الشباب عن حلول جذرية بالعمل في مشاريع تنموية تقيهم العوز وتفيد المجتمع، ولا تعود لمنظمات الإغاثة تلك الحاجة الكبيرة؟

الحقيقة أن السؤال فيه ظلم كبير للشباب أو للقادرين على العمل، لأن الجواب بكل بساطة: أين أصحاب الثروات الذين سيضعون جزءاً كبيراً من أموالهم في مشاريع كبيرة أو صغيرة تحت خطر القصف الجوي والمدفعي، أي في أماكن ليس فيها استقرار أو الحد الأدنى من الأمان؟ أخذاً في الاعتبار المقولة الشهيرة التي تقول إن رأس المال جبان.

وبفرض وجدت هذه المشاريع، فهل سيكون الأجر كافياً ليعيش الإنسان حياة معقولة؟ بالتأكيد لا! ولنأخذ مثالاً الشباب الذين يعملون حالياً، فالأجر الذي ينالونه لا يتعدى المائتي دولار شهرياً، وفي المعدل العام فإن متوسط الأجور بين مائة ومائة وخمسين دولاراً، وهي لا تكفي لسد الرمق وسط جنون الأسعار ولهيبها الذي يئن المواطن تحت كاهله.

أما الكارثة الأكبر فهي في عمالة الأطفال الذين يتسربون من المدارس ويفقدون، بالإضافة إلى التعليم، طفولتهم التي لا تنمو بشكل صحيح. ولا تقدم لهم الأعمال التي يقومون بها معرفة أو مهارة وإنما هي في الأعم مؤذية، كالعمل في محلات أو حراقات الوقود، أو في المتاجر الغذائية، وهاتان المهنتان هما المنتشرتان بكثرة في إدلب وريفها، وفي معظم المناطق المحررة.

لعبت منظمات الإغاثة دوراً كبيراً في الحد من الفقر المدقع الذي يعيشه الناس. ورغم قيام بعضها بسرقات وحرمان الشعب من حقه، لكنها في المجمل ساعدت كثيراً في مدّ يد العون للمحتاجين. كما كان لبعض المنظمات دور إيجابي كبير في تغيير الحالة الاجتماعية والاقتصادية عبر مشاريع نوعية، ونخص بالذكر المنظمات التي قامت بافتتاح مدارس وتوظيف المدرسين والإداريين وبأساليب تعليمية معقولة، وإن لم تعمل على إقامة دورات تأهيل متقدمة ومتطورة للمدرسين الذين بقي الكثير منهم يتعاملون مع تدريس الطلاب كـ«وظيفة»، لا كعمل إبداعي. وكذلك مشاريع إصلاح شبكات المياه، وإقامة المستوصفات ورياض الأطفال، وتعليم المعلوماتية والتمريض وغيرهما، مما يحسب لهذه المشاريع التي أسهمت في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي لهذه المناطق التي عانى سكانها الأمرّين من القتل والخراب والنزوح.

غير أن المساوئ تكمن في المسؤولين عن التوزيع، مما لعب في أحيان كثيرة دوراً سلبياً في ابتعاد بعض الناس عن السلوك الصحيح الذي كان يجب أن يسود المجتمع ويطوره. إذ إن صلة القربى بالمسؤولين عن توزيع الإغاثة تلعب دوراً كبيراً، مما يحرم الفقراء الحقيقيين منها ويولد الحقد والصراعات التي تصل، في أحيان كثيرة، إلى حد إطلاق النار! كما لعبت بعض الفصائل المسلحة في بعض الأماكن دور السلطة التي تحدد المستفيدين من الإغاثة، دون أن يجرؤ أحد على الكلام علناً عن ذلك، مما أسهم في نشوء رمال متحركة تغذي الكراهية وتبعد الناس عن هذه الفصائل أكثر فأكثر. أو، الأسوأ من ذلك، حين أغرى هذا بالانضمام إلى هذه الفصائل، في كثير من الحالات، بهدف حيازة سلطة تقوم على المنافع المادية لا عن قناعة.

لكن مقدّم البرنامج في «حلب اليوم» تنبه إلى فكرة رائعة جداً تغيب عن بال معظم القائمين على منظمات الإغاثة وعلى التوزيع من المجالس المحلية، ألا وهي «عفة النفس» التي يخسرها المواطن. فيوم توزيع الإغاثة يقف الرجال والنساء ينتظرون رحمة الموزعين ومزاج العاملين في الفصيل المسؤول عن المنطقة، الذين يعملون على تحصيل الإغاثة لهم أو لأقاربهم أولاً، ثم إعطاء الآخرين حقهم بعد أن تمضي على وقوفهم الساعات الطوال في مشهد يليق بالعبيد الأذلاء وليست له صلة بالأحرار!

ورغم أن الكثيرين قد انتبهوا إلى ذلك وطلبوا من القائمين على التوزيع إيصال الإغاثة إلى مستحقيها في بيوتهم، إلا أن قلة نادرة من المناطق التزمت بهذه الطريقة، بينما لا تزال الأكثرية تعمل على الطريقة البدائية التي تنظر إلى الفقراء والمحتاجين على أنهم أرقام لا أكثر!

وكذلك من أكثر الأمور إيذاء لمشاعر المحتاجين قيام بعض المنظمات بالتصوير أثناء توزيع المساعدات، وهذا دليل على فقدان ثقة إداراتهم بهم، وهو استمرار لثقافة «السرقة»!