إدلب.. هوامش الجحيم.. العوائق أمام عمل المرأة السورية في الشمال المحرر

ندوات لتمكين المرأة السورية في إدلب

تخرج الثلاثينية مها الأيوب صباح كل يوم تاركة أطفالها الخمسة، متجهة إلى ورشة الخياطة والحياكة التي تعمل فيها، بغية إعالة نفسها وأطفالها بعد أن استشهد زوجها في إحدى غارات الطيران الحربي على مدينتها أريحا. وقد نجحت هذه السيدة الشابة بإرادتها القوية وعزيمتها الصلبة في تحدي مجتمعها المتحفظ على عملها لمواجهة ظروفها الصعبة.

الحرب السورية المدمرة التي أزهقت أرواح الكثيرين، جعلت عدداً من النساء وخاصة في المناطق المحررة موضع المشارك في إعالة الأسرة، يعانين قهراً مضاعفاً في ظل أوضاع معيشية صعبة، يسودها انعدام الأمن والاستقرار وندرة فرص العمل، فضلاً عن عادات وتقاليد بالية استبدت بالمجتمع لمنع المرأة من الخروج للعمل. وأمام هذا الواقع المرير اضطرت الكثير من النساء إلى كسر الأعراف السائدة، بغية تحسين الواقع المعيشي، ومنهن العشرينية سامية القناطري من بلدة بنش الحائزة على شهادة في التمريض والإسعافات الأولية. 

خرجت القناطري من القيود والضوابط الاجتماعية التي وضعت فيها لتنضم إلى فريق الدفاع المدني، بغية مساعدة والدها المسن في سد نفقات البيت في ظل الغلاء الفاحش وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. تقول القناطري لعين المدينة: "واجهت في بداية عملي الكثير من الانتقادات والضغوطات في مجتمعنا الذي يرفض عمل المرأة في هذا المجال ويعتبرها مهنة خاصة بالرجال، ولكن عندما علم الناس حجم الخدمات الإنسانية التي نقدمها للنساء والأطفال أدركوا الأثر الإيجابي لعملنا".

الزيادة الكبيرة في عدد النساء اللواتي يحتجن إلى العمل في إدلب وريفها جعل العرض على العمل كبيراً، ما جعلهن عرضة للغبن ويجبرن على العمل بأبخس الأجور. الأرملة فاتن السيد (36 عاماً، من بلدة سرمين) تشكو من تدني أجرها مقابل العمل الذي تقدمه، فهي تعمل من الصباح حتى المساء مقابل أجر يبلغ 1500 ليرة سورية يومياً لا يكفي لسد رمق أطفالها الثلاثة.

تقول السيد بغصة يتخللها الكثير من الحزن لعين المدينة: "يؤلمني كثيراً أن أمضي معظم الوقت خارج المنزل بعيدة عن أطفالي، وعندما أعود للمنزل أكون مرهقة للغاية ولا أستطيع العناية بهم بالشكل المناسب أو متابعة تحصيلهم الدراسي".

ثمة عوائق وصعوبات وتحديات كثيرة تقف حائلاً أمام عمل المرأة السورية في المناطق المحررة. وعن هذه العوائق تحدثنا الناشطة والحقوقية لمياء الأسعد من مدينة ادلب: "من هذه العوائق انتشار الفصائل المتشددة التي ترفض فكرة خروج المرأة من بيتها للعمل، وصعوبة إيجاد المرأة المناسبة للمنصب الوظيفي المناسب، وقلة التمويل، وساعات العمل الطويلة التي لا تتناسب مع التزامات المرأة الأسرية، وآلية التوظيف القائمة على المحسوبيات بشكل ملحوظ، وعدم ضمان استمرارية المرأة في العمل." وأضافت الأسعد: "كما أن غياب القوانين التي تأخذ بعين الاعتبار وضع المرأة مثل إجازة الأمومة، الرضاعة، توفير الحضانة في مكان عمل الأم، وصعوبة الحصول على إذن العمل لفقدان الوثائق الشخصية، كلها عوائق تحول دون مشاركتها في العمل".

باسمة الخطيب مديرة أحد المراكز الخاصة بدعم وتمكين المرأة في مدينة معرة النعمان، تقول لعين المدينة: "العمل هو حاجة من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، والمرأة هي نصف المجتمع، لذلك لابد من أن يكون للمرأة دور في العمل، وهناك أعمال مهمة جداً لابد للمرأة من أن تكون ضمن دائرة العمل فيها، والمجالات واسعة وكبيرة منها التعليمية والطبية والسياسية والمهنية وغيرها".

وترى الخطيب أن "دور المرأة يظهر عند الأزمات والحروب، وإذا ظهرت الأزمات وهي غير مؤهلة، ستضطر إلى دخول أعمال غير لائقة بها ما يجعلها تعيش في سلسلة من التوترات هي في غنى عنها"، لذلك تنصح الخطيب "كل امرأة بالاستعداد للعمل، وإن لم تكن بحاجة مادية، فالعمل إنجاز وثقة واطمئنان بالنسبة للمرأة عموماً".

وثمة من ينظر لعمل المرأة بأن له نواحي إيجابية وأخرى سلبية. تقول الدكتورة أسماء الصالح المختصة في الدراسات النفسية والاجتماعية من معرة مصرين، لعين المدينة "النواحي الإيجابية لعمل المرأة تكمن في أن العمل عموماً يساعد المرأة وخاصة في الوقت الحالي على الانخراط بالمجتمع وعدم التقوقع والوقوع في الكآبة المنزلية، خاصة أن البيوت مليئة بالفقد والبعد والوحدة وأحزان الحرب وغيرها، كما يمنح العمل المرأة الأمن الاقتصادي، الثقة بالنفس، الخبرة الاجتماعية، القدرة على الإبداع، الحضور المؤثر، والقدرة على اتخاذ القرار".

بينما ترى الصالح "أن النواحي السلبية تكمن في التعرض لمشكلات العمل كالتحرش والاستغلال والضغط النفسي، والوقوع تحت المجهر الاجتماعي المراقب لتصرفات المرأة ولباسها وحركاتها وعلاقاتها، وترك بيتها وأولادها ساعات طويلة ما يؤدي إلى خلل أسري كبير، والإرهاق والتعب أو المرض الجسدي لها كأنثى، فالسوريات غير معتادات على الجهد الكبير في العمل"!.

تعاني المرأة في سوريا عموماً من الضعف والانكسار والتهميش في ظل الواقع المرير الذي تشهده البلاد. وقد يكون لتأهيل النساء السوريات على كافة الأصعدة ودعمهن بكل الوسائل الممكنة، أثراً في تمكينهن من كسب لقمة العيش بكرامة، إلى جانب لعب الدور الفاعل والحقيقي للمرأة