إدلب.. هوامش الجحيم.. الألعاب الإلكترونية.. وسيلة هروب الأطفال من واقع الحرب ولكن

تشكل الألعاب الإلكترونية جزءاً هاماً وأساسياً من عالم الطفولة في وقتنا الحالي، فهي تكاد تطبق بشكل كامل على اهتمامات الأطفال حتى أصبح الأمر خارجاً عن سيطرة الأهل الذين يعانون من تعلق أبنائهم المفرط بها. وقد جعلت ظروف الحرب القاسية التي يعيشها السوريون من هذه الألعاب متنفساً لأطفالهم ووسيلة لإخراجهم من أجواء الحرب والخوف والقلق.

تقول أم محمد من بلدة حاس في محافظة إدلب: "بعد المجزرة التي حدثت في مدارس بلدة حاس في 26/10/2016 وراح ضحيتها أكثر من 43 شهيداً بينهم أكثر من 20 طفلاً، رفض أولادي الذهاب الى المدرسة ثانية بعد نجاتهم من موت محتم ومشاهدتهم لجثث وأشلاء زملائهم التي سببت لهم اضطرابات نفسية وخوفاً دائماً. كان اللجوء إلى الألعاب الإلكترونية يخفف عنهم هذه الحالة وينسيهم كل شيء يتعلق بالحرب من حولهم، كما اعتادوا على تبادل الأحاديث مع رفاقهم حول التفاصيل المتعلقة بتلك الألعاب، الأمر الذي كان يبعث في نفسي بعض السعادة والسرور".

ربما تمكنت الألعاب الإلكترونية من إخراج الكثير من الأطفال من حالتهم النفسية المؤلمة، لكنها في الوقت نفسه قد تتحول إلى ما يشبه مادة المورفين أو الترامادول التي تشعرهم بالراحة لبعض الوقت قبل أن يتحول الأمر إلى إدمان قد يكون مؤلماً أكثر من الألم الذي تم علاجه، كما تقول سميحة (35 عاما) من بلدة كفرومة في محافظة إدلب. وتضيف: "كل حياة ولدي أحمد (13 عاما) هي مع الهاتف واللابتوب وقد ترك المدرسة بعد وفاة والده مباشرة. عندما أحاول الحديث معه فإنه يرد بكلمة واحدة ليتخلص من سؤالي بينما كل تركيزه وعينيه باتجاه الهاتف، حتى بات معزولاً ليس عن العالم الخارجي فحسب بل عن عائلته أيضاً".

 وتابعت السيدة وهي تروي بحزن مشكلتها مع ابنها "شرحت للطبيب النفسي سامر حاج موسى (في مركز مستقبل سوريا الزاهر في معرزاف التابعة لأريحا) عن وضعه، وأعطيته المعلومات التي يريدها عنه، فطلب مني أن أحتال عليه وأحضره إلى المركز، وبالفعل استطعت إحضاره وبدأ الطبيب بإخراج هاتفه من جيبه ليحدث أحمد عن قريته في لعبة (كلاش أف كلانس). سال لعاب أحمد واتجه نحو الطبيب مسرعاً ليتشاركا الحديث حول قريتيهما ومدى القوة التي وصلت لها قرية أحمد وقرية الطبيب. استطاع الطبيب الدخول الى قلب أحمد، وأصبح ابني يتردد على المركز بشكل دائم حتى تحول الأمر إلى صداقة بينهما، ومع الوقت شعرت بتحسن أحمد قليلاً من خلال فك العزلة التي كان يعيشها وتكوين بعض العلاقات الاجتماعية. لكن مازالت الألعاب الإلكترونية تأخذ الجانب الأهم من حياته".

يشعر الطفل بسعادة كبيرة أثناء ممارسته لهذه الألعاب لدرجة أنه لا يشعر بالتعب حتى لو استمر لساعات طويلة. يقول لعين المدينة سفيان الأعرج (12 عاما): "أتمنى أن ألعب بـ(الجنيرال) و (الزيرو هور) كل الليل والنهار. لكن أمي تمنعني من اللعب لأكثر من ساعتين.  تمضي الساعتان بسرعة ولا أستطيع خلالهما أن ألعب كثيراً ".

تقول الأخصائية النفسية نسيبة حصرم من كفرومة في إدلب، لعين المدينة: "إن قضاء أوقات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية بداعي تخفيف حدة القلق والخوف والتوتر يؤثر على الطفل من عدة نواح. فمن الناحية الجسدية يسبب التهابات في القرنية ويؤثر على البصر بشكل عام كما يؤثر على فقرات الرقبة ويسبب المناقير في سن مبكرة. كما أن الإشعاعات المنبعثة من الشاشة تؤثر على الدماغ فيبقى مستيقظاً لفترات طويلة خلال النوم مما يسبب اضطراباً في الوظائف الحيوية لدى الطفل وتأخراً في النمو. أما من الناحية النفسية والاجتماعية فيدفع الأطفال إلى الانعزال والابتعاد عن الواقع وضعف العلاقات الاجتماعية وعدم القدرة على التأقلم، بالإضافة إلى تأثيرها على المشاعر والعواطف، فيتقمص الأطفال شخصيات عنيفة من خلال الألعاب التي يألفونها مثل ألعاب القتال والحرب التي تجعل سلوكهم يتسم بالعنف والقسوة بعد تقمصهم شخصيات هذه الألعاب لدرجة يتمنون فيها أن تتم تسميتهم بأسمائها".

وتتابع حصرم "خسر عدد كبير من أطفالنا فرصة التعليم بسبب النزوح والتهجير المستمر، ما زاد أوقات الفراغ لديهم وسمح لهم بالذهاب الى مراكز لهذه الألعاب أو اللجوء إلى الهاتف أو اللابتوب المنزلي لممارستها في البيت، ليبدأ الطفل مرحلة التعلق بهذه الألعاب في ظل غياب الرقابة والتنظيم من الأهل".

وعن الحلول لعلاج هذه المشكلة، تقول الأخصائية حصرم "ليس هناك من حلول جاهزة لمساعدة الأطفال على عدم الإدمان على هذه الألعاب، لكن التعاون بين الأهل والأخصائي النفسي قد يساعد الطفل على تنظيم وقته بشكل أفضل، ومن المستحسن عدم إبعاده عن هذه الألعاب بشكل مفاجئ وإعطائه الوقت والاهتمام الكافيين لإيجاد بديل أكثر صحة، كالتوجه إلى الألعاب الجسدية وممارسة الرياضة أو الألعاب العقلية كالمسابقات الثقافية والعلمية، ما قد يساعد الطفل على الخروج من هذا النفق قبل التورط في مشاكل أسوأ لا تظهر مباشرة"