من سير المبايعين في دير الزور
لماذا أثير كلّ هذا اللغط حول مقتل أبو محمد الأنصاريّ

تناقلت مواقع إعلامية، بتاريخ 13 أيار المنصرم، خبر مقتل أبو محمد الأنصاري كأحد قياديي تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة دير الزور. وعزا ناشطون محليون مقتله إلى اشتباكٍ مع قوّات النظام في حيّ الصناعة. ليثور الخلاف إثر ذلك بين الناشطين والمتفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وبنسبةٍ أقلّ بين أهالي المدينة، منقسمين حوله بين شامتين ومترحمين.

ليس من الصعب تفهم اختلاف نظرة الأهالي والناشطين إلى بيعة العناصر المحليين. فمن المؤمنين بتنظيم الدولة حتى المقاتلين ضده تتدرّج المواقف والآراء بحسب درجة القرب من هؤلاء العناصر، ومعرفة أحوالهم ومبادئهم، ولأسبابٍ أخرى تتعلق ببقائهم على جبهات القتال، ورفضهم تركها لأيّ سببٍ كان. الأمر الذي يدفع الكثيرين إلى المنافحة عن هؤلاء العناصر، وخلق هالةٍ حول بعضهم وعدم السماح بالمساس بهم، رغم أنهم منضوون تحت راية التنظيم، وهو الجهة التي يعاديها المنافحون أو يفضلون أيّ سلطةٍ على سلطتها. وتمكن ملاحظة أن حجم المنافحة يتناسب طرداً مع حجم العنصر وتأثيره على الأحداث، بالتزامن مع سرد قصص ووقائع جمعت المنافحين مع تلك الشخصيات، وكأن الامر يتعلق بالبحث عن موطئ قدمٍ إلى جانب أسمائهم التي سيتذكرها الجميع إلى ما بعد حين، بغضّ النظر عن الجهة التي ينتمون إليها، إذ تكون الأسماء ذاتها، في الذاكرة الشعبية، رمزاً يستمد طاقته من ذاته.

في ما يخصّ الأنصاري (مصطفى الحداوي) خرّيج الاقتصاد ذا الأربعة والثلاثين عاماً، لا تختلف الروايات حول انخراطه في الثورة كمتظاهرٍ أولاً، ثم انتمائه إلى كتيبة الأنصار الإسلامية، فعضويته في حركة أبناء الإسلام (تشكيلٌ عسكريٌّ ضمّ عدة فصائل)، وتوجّهه مع مجموعةٍ من رفاقه -بعد خلافٍ في الحركة -إلى فصيل الفاتحون من أرض الشام، ثم، وعلى خلفية رفضه ورفاقه قتال تنظيم الدولة مع الحركة، تركها بعد مدّةٍ قصيرة، ليختار سراً مبايعة التنظيم الذي كان يتمدد على مقربة من المدينة.

على أن الاختلاف والخلاف يبدآن مع التفاصيل التي تحاول وضع سيرته في سياق الأحداث. فهناك من يسوق الأحكام الفقهية التي تتسلسل حتى تصل إلى رفض قتال التنظيم، فضلاً عن الدفاع عن المدينة وتجنيبها الاقتتال؛ وهما تبريران يتصلان بالرأي حول تمدد التنظيم لدى الكثيرين، إذ يسوقون الحجج حول (تفرغ فصائل الريف للعمل في النفط، ثم قتالها التنظيم للدفاع عن عملها، وتوريطها أبناء المدينة في القتال، وأخيراً نكوصها واستسلامها وتركها المدينة تواجه قدرها). وفي هذا السياق يأخذ الحداوي دور المنقذ الذي أخذ بيعات فصائل ومقاتلي المدينة، بعد دخول التنظيم إليها، لتجنيبهم انتقام الأخير.

وهناك من يسلط الضوء على مراحل من سيرة الحداوي في عمر الثورة كي يصل إلى أن بيعته جاءت للانتقام من الخصوم في التشكيلات التي عمل بها، أو التي نافست تلك التشكيلات على قيادة العمل العسكريّ. وهنا تأتي قيادته لكتيبة الأنصار لمدّةٍ بسيطة، ثم تنحيته من قبل مجلس شوراها ليصبح قائداً عسكرياً، ومحاولته الانتقام من جبهة النصرة التي استأثرت بسلاح حركة أبناء الإسلام ولم تسمح له بأخذ سلاحه عند انضمامه إلى الفاتحون من أرض الشام. وفي هذا السياق يصبح الحداوي أحد ممهدي الطريق لسيطرة التنظيم على المدينة للاستفادة منه في القضاء على خصوم الأمس الذين يربط البعض تصفية التنظيم لهم بتحريض الحداوي. ومن وجهة النظر هذه يستطيع المتابع فهم الخبر الذي تداولته صفحاتٌ إعلاميةٌ سوريةٌ وعربيةٌ حول مقتل الحداوي في حيّ الرشدية، وفيه يعزو ناشطون محليون مقتله إلى عملية اغتيال نفذها مجهول، قد يكون أحد أهالي الضحايا الذين كان الأنصاري سبباً في قتلهم على يد التنظيم.

وبين هذا وذاك يقول مقرّبون من الحداوي إنه تقبّل وضعه كشخصيةٍ ثانويةٍ في كتيبته الأم لأسبابٍ تتعلق بالداعمين. وبعد انضمامه إلى حركة أبناء الإسلام لم يعد في الإمكان إقناعه بالانصياع لسياسات الفصائل وداعميها، ما أدى إلى استعصاء اندماجه ورفاقه في أيّ تشكيلٍ في المدينة. وقد حاول إقناع المقاتلين ببيعة التنظيم وقت تمدده بعد أن حصل على وعودٍ منه أنه سيترك الكتائب على حالها إذا قبلت بالانضمام إليه، الأمر الذي عايش الحداوي خلافه وهو يشغل مناصب صغيرةً في المدينة، ثم ليعود مقاتلاً على الجبهات.

على أن أكثر المكترثين لأمر الحداوي وذكره بعد موته هم من معارضي التنظيم!