مؤيّدو النظام في المناطق المحرّرة!

صورة مؤرشفة لمدينة حارم

تختلف الحياة في ريف إدلب الشماليّ قليلاً عن سواه من الأرياف السورية المحرّرة، فقد كانت هذه المنطقة أقل تعرّضاً لقسوة الهجمات البربرية والقصف المدفعيّ الهمجيّ لقوات النظام وميليشياته. ولذلك عاش ريف إدلب الشماليّ، طوال سنوات الثورة، استقراراً نسبياً وبأوضاعٍ أمنيةٍ معقولة، ما مكَّن من إقامة بعض المشاريع الخدمية، من بناءٍ للمدارس والمستوصفات ومشاريع تأمين مياه الشرب وشبكات كهرباءٍ متواضعةٍ تلبي، نوعاً ما، الحاجات الأساسية للسكان. وقد تمّ تأمين الدعم الماديّ اللازم لهذه المشاريع من المنظمات أو من بعض المواطنين المقتدرين مادياً، ما أدى إلى استقرارٍ اقتصاديٍّ متواضعٍ تتوافر فيه كافة المواد الغذائية والحاجات الأساسية، وإن لم يمنع الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار الجنونيّ، كما في كل أنحاء سوريا. لكن ما ميّز الحياة هنا هو غنى الأفكار وتنوّع المواقف السياسية، من معارضةٍ شديدةٍ للنظام إلى تأييدٍ شديدٍ له. وما أسهم في ظهور هذه المواقف بشكلٍ علنيٍّ أو شبه علنيٍّ هو عدم وجود قبضةٍ أمنيةٍ شديدةٍ في معظم الأحيان، كما لعبت علاقات القرابة وتداخلها وقوتها دورها في هذا «الرخاء الديمقراطيّ». إذ تجد في البيت الواحد من هو موالٍ للنظام، وآخر متحمسٍ للثورة، ومن لا يعنيه الأمر.

ومما يثير الدهشة والاستغراب أن ريف إدلب كان من أوائل الأرياف التي خرجت بمظاهرات التعبير عن معارضة النظام، ومن أوائل من بدأ بالكفاح المسلح، وذلك لأسبابٍ كثيرة، منها الفقر والبطالة والهامشية التي كان يُعامل بها سكان إدلب والقمع المديد الذي تعرّضوا له مدينةً وريفاً. إذاً... لماذا يؤيد بعض الناس فيها النظام المتوحش والظالم؟

يقول الشيخ أبو عبدو: «هناك عدة أسبابٍ تجعل قسماً من الناس يؤيدون النظام، منها ضعف ارتباطهم بالدين. فالمؤمن لا يقف مع الظالم الذي يقتل الناس ويستعبدهم ويهدم المساجد ويهزأ بالشريعة الإسلامية، متباهياً بذلك أمام الدول الغربية كي يقدم نفسه على أنه «محاربٌ للإرهاب وحامٍ للعلمانية»، أي للكفر!».

أما المحامي أبو سعيد فيرى أن «الخوف والجبن في أساس شخصيتهم وسلوكهم. فمؤيد النظام لا يمكنه إلا أن يكون عبداً، أي جباناً، وهو يخاف أن ينتقم منه النظام إذا انتصر، كما حصل في تجربة الإخوان المسلمين أيام حافظ الأسد».

وللدكتور حازم رأيٌ آخر، إذ يردّ على ما سبق بقوله: «من الظلم نعتُ جميع المؤيدين بالجبن أو بضعف الإيمان. إذ إن أهم سببٍ هو أن الثورة دامت لفترةٍ طويلةٍ لم تستطع خلالها تأمين فرص العمل للناس وإيجاد مؤسّساتٍ بديلةٍ عن النظام، لذلك تردد الكثيرون في الالتحاق بالثورة. إن ارتباط الناس بعملهم لدى النظام أمَّن لهم لقمة العيش –ولو بشكلٍ متواضع- كي يستمروا متفرّجين أو مؤيدين، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التعب واتخاذ الموقف».

أما أبو الوليد، ناشطٌ سياسيّ، فيرى أن الأسباب السابقة مهمة، لكن الأهم أن نرى أن الكثير من شعبنا قد تردد ولم يحسم أمره، وكان أقرب إلى النفاق من خلال سيطرة مقولة «كنا عايشين» على فكره وسلوكه. وهذا سببه الجهل والخوف وغياب الحياة السياسية وسيطرة الدولة بأجهزتها القمعية على كل مفاصل الحياة.

أما أبو ملهم سراج الدين، باحثٌ سياسيّ، فيرى أن «الحرية -وهي الشعار الرئيسيّ الذي حمله الثوار- كلمةٌ تعبر عن المسؤولية والفعل وإرادة التغيير ودفع ثمنه، ولذلك تخيف الكثير من الناس الذين يرون أن العبودية والاستكانة والتصفيق لحكام الأمر الواقع لا تكلف شيئاً، وهم ليسوا على استعداد، لا نفسياً ولا جسدياً ولا فكرياً، للتمرد والعمل على خلق حياةٍ جديدة، مختلفةٍ وكريمةٍ وحرة، ولذلك استمروا في حياة العبودية يلعقون أحذية سادتهم لأنها تبقيهم في اطمئنانٍ شكليٍّ يعفيهم من أيّ مسؤولية».

ويرى أبو اصطيف، وهو قائدٌ في إحدى الفصائل العسكرية الثورية، أن من أهم أسباب ابتعاد عددٍ من الناس عن الثورة هو الممارسات الخاطئة لكثيرٍ من الثوار، إن على مستوى القيادات أو على مستوى الأفراد. إذ سقطوا في فخ الفساد وجمع المال الحرام وغيرها من الأمور التي أساءت إلى قدسية الثورة.

حاولنا أن نستعرض الآراء التي تلخص النقاشات داخل الأراضي المحرّرة حول تفسير هذه الظاهرة بموضوعيةٍ وصدق، ويبقى الموضوع غنياً ومفتوحاً للتحليل.