من صفحة الكاتب على الفيسبوك

أندريه زوبوف *
28 تشرين الثاني 2019 
ترجمة د. علي حافظ


الليلة الماضية، تحدث السياسي السوري المعروف البروفيسور محمود الحمزة، عندنا في حزب "حرية الشعب"، عن بلده وعن الحرب الرهيبة، التي تعاني منها سوريا لمدة 9 سنوات. الحرب التي تشارك فيها روسيا بشكل مباشر...

أشعرُ بالخجل بشكل خاص من هذا على بلدي. يقول البروفيسور الحمزة: "لا يوجد شعب في الشرق الأوسط صديق لروسيا مثل السوريين. لقد جلب المبشرون السوريون المسيحية إلى روسيا في القرن العاشر، وتمت ترجمة وقراءة أعمال الآباء السوريين للكنيسة -إفرايم وإسحاق- من قبل العديد من الأتقياء الروس. وفي الخمسينيات من القرن الماضي قامت روسيا ببناء الكثير من المنشآت الصناعية في سوريا، وعلّمت مهندسينا وعسكريينا...

سمح بريجنيف للرفيق حافظ الأسد باستعباد هذا الشعب في سبعينيات القرن الماضي، هذا الدموي المحب للسلطة قتل جميع منافسيه تقريبًا، وحول الديمقراطية السورية إلى ديكتاتورية تحت اليافطة الأيديولوجية للاشتراكية العربية لحزب البعث. مثلما سمح لصدام حسين في العراق المجاور، بأن يؤسس نظامًا قاتمًا للمخابرات في بلد عريق ومثقف، ما جعل المواطنين يمزحون بمرارة قائلين للجدران عيون وآذان؛ وهي عيون وآذان الحراس.

ورث بشار الأسد والده وديكتاتورية هذه الأسرة منذ نصف قرن. لكن، في عام 2011، ثار شعب سوريا. وكان السبب فظيعًا. ففي مدينة درعا كتب العديد من الصبية في المدرسة: "الأسد ديكتاتور. نريد حرية"! تم نقلهم إلى الفرع المحلي من الكي جي بي (KGB)، وبعد بضعة أيام ألقيت جثثهم المشوهة بآثار التعذيب المروعة -شفرات الكتف محفورة، والأعضاء التناسلية للذكور مقطوعة، والعيون مفقوءة- أمام منازل أهاليهم. أعلنت المخابرات: هكذا سيكون مصير كل من يعارض السلطات؛ انسوا هؤلاء الأطفال وأنجبوا غيرهم موالين للنظام، وإذا فشلتم فسنساعد زوجاتكم".

بعد ذلك، خرج مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع في جميع أنحاء سوريا للمطالبة برحيل الأسد، ومحاكمة ضباط الأمن الساديين، وحل الشرطة السرية، وإجراء انتخابات ديمقراطية.. المظاهرات كانت سلمية؛ وشاركت فيها كل طوائف وشعوب سوريا. ولكن بعد شعور الأسد بأن العرش تحته أخذ يتأرجح، بدأ هو ومخابراته بث الفتنة الطائفية، مثيرًا العلويين، الذين ينحدر منهم الديكتاتور السوري، ضد الغالبية السنية من السوريين، والمسيحيين ضد المسلمين. أخذ القناصة بإطلاق النار على المتظاهرين. ثم ظهرت الدبابات في الشوارع، وسال الدم أنهارًا.

ردًا على ذلك، أعلن العديد من ضباط الجيش الخروج عن تبعية الأسد وإنشاء جيش سوري حر. انطلقت الحرب ضد النظام في البلاد. تذكر الأسد فجأة أن العلويين شيعة (وهذا خطأ في الأساس)، فدعا الحرس الثوري الإسلامي من إيران إلى البلاد للمساعدة. بدأ التدخل العسكري.

لكن لم يستطع، لا الحرس الإيراني ولا حزب الله اللبناني مقاومة الجيش السوري الحر. هذا الجيش المدعم بكوادر من الضباط حقق انتصارًا ساحقًا على حلفاء الديكتاتور. في صيف عام 2015، تم تحرير البلاد عمليًا، باستثناء اللاذقية ذات الغالبية العلوية.. جرى القتال في شوارع دمشق!

وهنا تحول الأسد، وربما أسياده الإيرانيون، إلى بوتين طلبًا للمساعدة. ومنذ 30 أيلول 2015، تقاتل روسيا إلى جانب الأسد في سوريا، ويقوم الدبلوماسيون الروس والصينيون بتجميد جميع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تسعى إلى إنهاء الحرب. لمدة أربع سنوات، قام الطيران الروسي بأكثر من 90 ألف طلعة قصف جوية. حولت الصواريخ والقنابل الروسية الدولة، التي ازدهرت يومًا ما، إلى أكوام من الأنقاض، وجعلت ثلثي سكانها من اللاجئين (7 ملايين خارج البلاد، و7 ملايين آخرين داخلها).

بسبب روسيا، هناك في سوريا كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. إن عدد قتلى الحرب بين 700 ألف ومليون شخص، بحيث لا يمكن حتى نطق هذا الرقم دون ارتعاش. ومعظم القتلى والمشوهين هم من المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن.

كان من الصعب عليّ الاستماع إلى هذه المحاضرة. لقد كره السوريون الآن الروس. إنهم أعداء شرسون لهم.
لكن لماذا انتهى بنا المطاف في سوريا؟ ولماذا ألحقنا بأنفسنا عار القتل وهزيمة الحياة السلمية؟ لماذا تدخلنا في كفاح السوريين من أجل حريتهم، ووقفنا حتى إلى جانب الديكتاتور الدموي؟

لا فوائد من هذا بالنسبة إلى روسيا. النفقات الهائلة فقط، والأضرار الفادحة لسمعة البلد، والخطيئة الرهيبة التي ارتكبت على أرض أجنبية وضد أناس لم يفعلوا أي سوء لروسيا. الفوائد الاقتصادية شبحية وغير ذات أهمية. تصرفات بوتين في سوريا هي شيطانية خالصة، وحسب مبدأ: الشر من أجل الشر.

وكان عزائي الوحيد أن حزبنا قد عارض عدوان بوتين بحزم منذ البداية، واعتمد عدة قرارات تدين تصرفات نظامه المتعلقة بسوريا. لم نتمكن من فعل شيء آخر. لو فزنا في الانتخابات لفعلنا المزيد. لكنكم تعرفون ماهية الانتخابات التي تجرى عندنا!

والآن يقوم بوتين بنشر أعمال "الشر من أجل الشر" الرهيبة هذه في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق. شوهدت آثار يد خدماته الخاصة في تشيلي وكتالونيا، وهي واضحة للعيان في فنزويلا، وتتدخل في الانتخابات والاستفتاءات حول العالم.

يجب أن أقول بمرارة: بوتين في العلاقات الدولية هو كومنترن اليوم [الأممية الشيوعية]. لكن الكومنترن، الذي تخلص من مظهره الأيديولوجي -وكان حتى ذلك الحين مجرد غطاء لشهوة السلطة والتمتع بخلق الشر- تحدث بكل صراحة مثل شيطانية عارية، الغرض منها، إذا استخدمنا كلمات ألكسندر ياكوفليف، هو "إنتاج الجثة"!

 


* أندريه بوريسوفيتش زوبوف: كاتب ومؤرخ ومستشرق وباحث ديني وعالم سياسي روسي، يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم التاريخية. نائب رئيس حزب "حرية الشعب" المعارض في روسيا منذ كانون الاول 2016. (من صفحته الشخصية على فسيبوك