- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
رحلة ممثل: من السينما الروسية إلى داعش
لم يقتصر تأثير دعاية داعش عن الدولة الإسلامية المنشودة على الناس العاديين، بل تعداهم إلى نخب، تركت بلادها وأسرها، مغامرة بسمعتها ومكانتها الاجتماعية، معرضة نفسها لأشد أنواع الخطر، كي تأتي إلى سورية وتنضم للتنظيم!
يعد الممثل السينمائي والمسرحي الروسي فاديم غيناديفيش دوروفييف، المولود في موسكو عام 1983، أحد هؤلاء المخدوعين ببريق الدعاية الكاذبة. فهو ممثل واعد، ومسيرته الفنية الحافلة والغنية بالنجاحات كانت تبشر بنجومية سينمائية على مستوى روسيا بأكملها!
كي نعرف ماذا حصل لفاديم؟ وكيف ومتى حدث هذا التغيير في حياته؟ علينا تتبع مسيرته نحو نقطة الذروة التي دفعته إلى اعتناق الإسلام؛ ثم تحوله نحو التشدد فالهجرة إلى «ربوع الخلافة»؛ رغم الأجواء الفنية المخملية المليئة بالمغامرات والأكشن، التي لا تسمح منطقياً بأن يكون صاحبها متطرفاً؛ إلا إذا حاول تقمص أحد الأدوار، أو حدث انقلاب تدميري كلي في منظومة تفكيره.
عام 2004 جرب فاديم نفسه لأول مرة في السينما، فلعب دوراً صغيراً في فيلم «الفورمولا». وفي عام 2010 تخرج من ورشة سيرغي غولومازوف الفنية، ليعمل بعض الوقت في مسرح مالايا برونايا. مثل عام 2012 في فيلم «الساحة» للمخرج إدوارد بوردوكوف، والذي استقبله النقاد بشكل إيجابي، وشارك في مهرجان كان السينمائي السادس والستين، وعرض في الكثير من البلدان الأوربية. أما أبرز أعمال دوروفييف فكان دور البطولة في فيلم المخرج سيرغي بودروف «ابنة ياكوزا»، الذي لعب فيه دور شاب تنفذه من الموت ابنة رجل ياباني معروف، وحسب التقاليد الشرقية فإن هذا الأمر يلزمه بخدمة الفتاة طالما بقي على قيد الحياة.
مثل فاديم في عشرة أفلام تقريباً، ولعب أدواراً مهمة في المسرح. لكن فجأة بدأت التغييرات تطرأ عليه، بعدما أخذت دائرة معارفه الروس تضيق، ويظهر فيها أصدقاء مسلمون من القوقاز، ثم اعتنق الإسلام. قالت زوجته يلينا دوروفييفا، المرأة المسكوفية البالغة من العمر 24 عاماً، لصحفيي قناة «إن. تي. في.»: «تحول فاديم، مع صديقه الممثل ليونيد تيليجينس، نحو الإسلام الراديكالي في كانون الثاني 2014... حاول إقناعي حتى وقت قريب بأن أعتنق الإسلام ونأخذ أطفالنا إلى سورية. كان هدفه الجهاد في سبيل الله. قال: إذا لم تعتنقي الإسلام فلن أتصل بك على الإطلاق». ثم أضافت: «غادر البيت، في 16 أيلول 2014، وعلائم السعادة بادية على وجهه، بعدما أخبرني أنه ذاهب لمناقشة مشروع فيلم جديد في البار الرياضي. وفي صباح اليوم التالي وصلتني رسالة نصية تؤكد سفره إلى سورية. اشترى تذاكر وسافر مع رجل آخر.. قال إنه سيعاود الاتصال، وقد فعل هذا من أجلنا جميعاً... كان يتحدث دائماً عن الله...».
ترك فاديم زوجته وطفليه (ابنه إيليا مواليد 2010، ابنته فاسيلينا مواليد 2014)، وغادر إلى سورية للقتال مع داعش. مع أن الكثيرين حاولوا ثنيه عن الالتحاق بها، مثل شامل عليوتدينوف، إمام أحد مساجد موسكو، والذي يعد من أكثر المسلمين موثوقية هناك.
دقت زوجته ناقوس الخطر قبل سماعها بخبر مقتله. ذهبت إلى جميع الجهات الحكومية الممكنة وخاطبتها طالبة المساعدة، كتبت رسائل لهيئات تحرير المجلات والجرائد والبرامج التلفزيونية للحصول على الدعم. لكنها لم تتلق أي شيء!
فجأة فقدت الاتصال معه لمدة طويلة، وفي الأسابيع الأخيرة من عام 2016 بدأت بتلقي الرسائل القصيرة من هاتفه السوري، ولكنها لم تكن متأكدة من أنه قد كتب هذه الرسائل، بسبب كثرة الأخطاء الإملائية فيها. في النهاية تلقت رسالة أخيرة عن مقتل فاديم في 20 كانون الأول 2016؛ وكدليل على هذه الحقيقة أرسلوا لها صورته وهو ميت. لكن تفاصيل مقتله ظلت غير معروفة. ويشير بعض الصحفيين إلى أنه قتل قبل كانون الأول 2015، أثناء معارك عين العرب.
إن المأساة التي وقعت للممثل البالغ من العمر 31 عاماً، حينذاك، تثير العديد من التساؤلات التي ربما ستبقى دون أجوبة. لكن أغلب الظن أن فاديم كان في ضائقة مالية، فقد صرحت زوجته: «لم يكن لدى زوجي نقود، لأنه لم يتلق عروض تمثيل جديدة منذ فترة طويلة». ربما تصور أن الذهاب إلى دولة الخلافة سيحل أزمته المستعصية، بسبب ما سمعه من قصص أسطورية عن الإلدورادو الإسلامي في العراق والشام؟!