بعد عقد التسويات بدأت تصفية الحسابات مع قادة الفصائل في الجنوب

الأناضول

دعوات البقاء التي أطلقها قادة فصائل معارضة سابقة في الجنوب السوري، والتطمينات التي أقنعوا بها عناصرهم وعدداً من الكوادر الثورية في قطاعاتهم، والتوقيعات التي خطوها على اتفافيات التسليم، وبطاقات التسوية التي حازوها بعد إجراء التسويات الفردية، ومهام استقطاب وتجنيد العناصر المقاتلة معهم في صفوف النظام السوري- لم تكن حرزاً من الاعتقالات المستمرة التي تشنها أجهزة النظام الأمنية على قادة فصائل التسوية في درعا بشكل شبه يومي.

ذرائع وتهم متعددة تلصق بقادة الفصائل، الذين يجري اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية في حملة اعتقالات بدأت مطلع أيلول الجاري، طالت حتى الآن تسعة عشر قائداً؛ وسط حالة من التخوف والترقب الشديدين تعتري عشرات القادة الذين رفضوا التهجير إلى الشمال السوري، ومساعٍ حثيثة يبذلونها لإرضاء الأجهزة الأمنية لتجنب الاعتقال وتلافي المساءلة.

وبحسب ناشطين، فإن تهمة الانتماء إلى تنظيمي "داعش" و"هيئة تحرير الشام" تعدّ أبرز التهم التي وجهتها قوات النظام للمعتقلين وأكثرها انتشاراً، حيث تجاوز عدد المعتقلين بهذه التهم 100 شخص، بينهم قادة فصائل ومقاتلون سابقون، ومدنيون جرى اعتقالهم في قرى وبلدات منطقة حوض اليرموك ومدينة الشيخ مسكين وبلدة عتمان ومعربة ونمر وغيرها.

فقد اعتقل "فرع الأمن العسكري" القيادي السابق في "الفيلق الأول" في مدينة الشيخ مسكين (صلاح الخلف) الملقب بـ "الدبور"، على الرغم من انضمامه إلى "قوات النمر"، خلال عودته إلى محافظة درعا قادماً من محافظة إدلب التي خرج يتحضر للقتال فيها، وذلك بتهمة انتمائه إلى تنظيم داعش الإرهابي، ذات التهمة التي ألصقت ب"أبو نبيل" القائد السابق للواء "المدينة المنورة" التابع لسيوف الشام في بلدة نمر شمال غرب درعا.

الاعتقالات طالت قادة آخرين بتهمة الانتماء أو التعاون مع تنظيم "هيئة تحرير الشام الإرهابي"، كما أورد الناشطون، كان أبرزهم القيادي في تجمع "شهداء الشام"، (أبو طارق الجمل) من أبناء منطقة بيت جن، والقيادي (أحمد حسن الزعبي) الملقب "سنجر"، الذي عاد إلى درعا لأسباب مجهولة بعد شهر من خروجه إلى الشمال السوري، لتقوم مجموعة من قوات فصيل "شباب السنة" التابعة لقوات النمر باعتقاله في بلدة معربة شرق درعا.

"العمالة مع إسرائيل" تهمة أخرى تستخدمها أجهزة النظام في الحملة الأمنية التي طالت مقاتلين سابقين ومدنيين تلقوا سابقاً العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، فقد جاوز عدد المعتقلين بهذه التهم 18 مقاتلاً ومدنياً، من بينهم الملازم المنشق (أيهم الجهماني) قائد "لواء المنصور" في مدينة نوى، والذي انتهى علاجه مؤخراً في المشافي الإسرائيلية، بعد تعرضه لإصابة خلال مشاركته في عمل عسكري ضد تنظيم داعش في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي.

وفي تقرير لها من الجنوب السوري، كشفت وكالة "آكي" الإيطالية عن ازدياد حملات الاعتقال الجنائية التي تقوم بها أجهزة النظام الأمنية في الجنوب السوري، والتي تطال قياديين سابقين وقّعوا على اتفاقيات "تسوية" مع النظام، بحجّة وجود مذكرات اعتقال جنائية بحق هؤلاء، بدلاً من اعتقالهم ومعارضين مسلحين. وأكدت الوكالة أن قوات النظام اعتقلت عشرات المقاتلين والقياديين في المعارضة المسلحة في عدد من بلدات وقرى محافظة درعا، من بيوتهم أو على الحواجز التي ما زالت منتشرة بين هذه البلدات والقرى، بحجج مختلفة كالقتل واستهداف المناطق السكنية بالقصف والسرقة.

واعتبر ناشطون حملة الاعتقالات الجنائية ذريعة لاعتقال قادة وعناصر الفصائل، بعد قيام فرع الأمن العسكري باعتقال القيادي السابق في "ألوية العمري" (فارس أديب البيدر) في مدينة درعا وتحويله إلى فرع الأمن العسكري في السويداء، بطلب شخصي من رئيس فرع "الأمن العسكري" العميد لؤي العلي، على خلفية مقتل أحد أقاربه على يد القيادي البيدر قبل سنوات، بالإضافة إلى اعتقال القائد (خالد المصري) من منزله في بلدة عتمان. وطالت الاعتقالات (أحمد محمد الفروخ) القيادي في "المجلس العسكري في بلدة الحارة"، بعد دعوى شخصية تقدّم بها ضده أحد أهالي البلدة، حيث وجّه إليه اتهاماً بارتكاب جريمة قتل خلال سيطرة المعارضة على المدينة، دون أن تتبين مصداقية هذه الدعوى، ولا إن كانت كيدية، ولا الفترة الزمنية اللازمة للبتّ فيها.

وأوضح مصدر حقوقي لعين المدينة، أن المستهدفين بالاعتقال بالدرجة الأولى هم بعض المؤثرين في الوضع العسكري، وممن قاموا سابقاً بعمليات ضد أجهزة النظام وعناصره، نافياً وجود تهم جنائية حقيقية بحق معظم المعتقلين، مشيراً إلى أن الوضع الراهن لا يسمح بالتوثق من مصداقية الدعاوى، في ظل غياب القضاء العادل واستخدام المحاكم كأدوات لتقويض وإجهاض ومعاقبة على المواقف الثورية السابقة.

في وقت تواصل فيه قوات النظام السوري منذ أسابيع خرق الاتفاق الذي تم التوقيع عليه مع روسيا في محافظة درعا، والذي ينص في أحد بنوده على تسوية وضع جميع عناصر "فصائل المصالحات"، والإعلاميين وموظفين المنظمات وإسقاط جميع التهم السياسية عنهم.