الأسباب التي تجعل مغادرة الغوطة ليست خياراً

AFP

حايد حايد
25 شباط عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي

تعتقد أغلبية فصائل المتمردين في الغوطة الشرقية أن خيارها الوحيد، بالرغم من صعوبة ذلك، هو الحفاظ على بقائها هناك إلى أن تتغير الأمور. 

لقد بدأ تركيز عموم الناس ( سواءً في المنطقة أو في الغرب) يبتعد تدريجياً عن لوم الحكومة لقيامها بشن حرب إبادة ضد مواطنيها. عوضاً عن ذلك، بدأ الكثيرون يتعجبون، بل ويلومون، فصائل المتمردين لقيامها بالرد على هذه الحرب. والحجة المطروحة هي كالتالي: الرئيس الأسد وداعموه مصممون على فعل أي شيء من أجل السيطرة على المنطقة التي مساحتها 100 كم مربع، حتى ولو كلف الأمر مقتل 400 ألف شخص، وهو عدد السكان الذين يعيشون هناك.

لا مكان آمن 

بناء على ذلك، إنها لمسؤولية المتمردين أن يخضعوا، عاجلاً وليس آجلاً، لمصيرهم الحتمي وينقذوا أرواح المدنيين. إن حجّة كهذه، مع أنها قد تكون بِنيّة طيبة، تفشل بالإمساك بتعقيدات النزاع السوري. ليس ثمة مكان آمن لأولئك الذين يجرؤون على معارضة الأسد. تكلمتُ خلال الأيام الماضية مع عدد من سكان الغوطة. المدنيون والمتمردون الذين يعيشون هناك يعرفون هذه الحقيقة جيداً. ومع أنه ليس كل شخص في الغوطة يعارض الحكومة، إلا أن العقاب الجماعي المستخدم من قبل الحكومة ضد المدنيين هناك، يدلل أن النظام ينظر إليهم بصفتهم جميعاً معارضين.

مغادرة البلاد ليست حلاً بالنسبة لأغلبية السوريين بسبب إغلاق الحدود المحيطة بسوريا. نقلهم إلى منطقة أخرى في سوريا قد يقلل مستوى العنف، لكنه لن يجعل الناس آمنين من الهجمات الحكومية المستمرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين في شتى أنحاء البلاد. الحاضر والمستقبل المخيفان اللذان يواجههما أهالي حلب الشرقية الذين هُجّروا قسرياً إلى إدلب أواخر 2016 مثالٌ صارخ. فبعد أسبوعين من القصف العنيف على ذلك الجزء من المدينة، أُبرم اتفاق يجبر معارضي الأسد على مغادرة المدينة. بعد أقل من عام شنت القوات الحكومية والمليشيات المدعومة إيرانياً مع غطاء جوي روسي هجوماً للسيطرة على أراضي جديدة في إدلب، منتهكة اتفاقية خفض التصعيد المُقرّة في أستانا. كان لهذا القتال تأثير كارثي على المدنيين الذين يعيشون هناك. في غضون أسابيع، قُتل 300 مدني ونزح أكثر من 300 ألف شخص.

على خلاف حالة حلب الشرقية، حيث كانت الوجهة الريف الغربي للمدينة وإدلب، ليس لدى أهالي الغوطة خيار مميز. لقد أُخلي أهالي حلب إلى أماكن قريبة لدى معظمهم أملاك أو أقرباء فيها، عدا عن أن العديد من فصائل المتمردين كان لها قواعد فرعية هناك. بخصوص الغوطة، لا يوجد منفى «قريب» بالنسبة إلى سكانها. إدلب بعيدة. بالإضافة لذلك، توجد حروب مختلفة تجري هناك (النظام ضد المتمردين، نزاعات بين الفصائل، تركيا ضد الأكراد).إدلب عبَّرت أيضاً في مناسبات عديدة عن عجزها عن استيعاب قادمين جدد. الوجهة الثانية المحتملة هي درعا، الأقرب إلى الغوطة، لكن الوضع هناك أكثر هشاشة بسبب منطقة خفض التصعيد الحالية الرخوة. 

النموذج العسكري الجديد 

الوجهة الثالثة مدينتا جرابلس والباب اللتان تسيطر عليهما قوات درع الفرات المدعومة من تركيا. هاتان المدينتان واقعتان إلى حد كبير تحت الإدارة التركية. لذا، الانتقال إلى هناك يجب أن يتلاءم مع النموذج العسكري الجديد الذي تحاول أنقرة تطبيقه هناك، وهذا قد لا تنسجم معه كثير من فصائل المتمردين. علاوة على ذلك، تجربة المهجرين الآخرين الذين أُجبروا على الإخلاء إلى هناك، تحديداً من حمص، عانت من شكوى الناس من الظروف السيئة التي كان عليهم العيش فيها، لذا قرر بعضهم العودة إلى بيوتهم تحت سيطرة النظام رغم المخاطر المترتبة على ذلك. متمردو الغوطة ليس لديهم قواعد عسكرية أو تحالفات قوية في أي من تلك المناطق، وهذا ما يجعل احتفاظهم بالنفوذ والسلطة المعتادين على التمتع بها أمراً أكثر صعوبة. 

الخيار الأخير 

سيجبرهم الاتفاق على التخلي عن أسلحتهم الثقيلة ومواردهم، وهذا ما سيمنعهم من أن يكونوا قادرين على بناء أنفسهم في منفاهم الجديد. الخيار الأخير هو أن يبقى الناس في بيوتهم ويقبلوا سلطة الحكومة. لا نجانب الصواب إن قلنا إن نسبة كبيرة من السكان قرروا بشكل واعٍ البقاء في الغوطة تحت حصار النظام وقصفه المتواصل، على أن يعيشوا في المناطق الخاضعة لسيطرته. وكثير من الناس الآخرين ينتابهم الذعر مما قد يفعله النظام. افتراضهم هذا يرتكز على الطريقة التي تصرف بها النظام في أماكن أخرى. أغلبية المدنيين في الغوطة يعتقدون أنهم سيواجهون إجراءات عقابية. مخاوفهم العميقة قائمة على الانتهاكات التي ارتكبها النظام بحق المدنيين الذين قرروا البقاء في مناطق أخرى استعادتها القوات الحكومية. لقد تم الإبلاغ عن أن القوات اعتلقت الكثير من المدنيين في حلب الشرقية، واستغلت آخرين، وأجبرت الشباب على القتال إلى جانبها.

نتيجة لكل هذا، من الأفضل، بالنسبة إلى أهالي الغوطة، أن يقاتل المرء ويموت اليوم، عوضاً عن العيش ليقاتل في يوم آخر.