افتتاحية العدد 81

معركة حلب مرّةً أخرى

رغم أن هذه الجولة من «ملحمة حلب الكبرى» لم تحقق بعدُ انتصاراتٍ لافتةً وتقدماً سريعاً كالذي حصل في معارك الكليات في آب الماضي، إلا أن شعوراً يخامر الجميع أن هذه الجولة أهم، وربما تحقق نتائج مستدامة في المدينة. يتشارك في هذا الاستشراف مقاتلو المعركة وفصائلها مع أعدائها من معسكر النظام وحلفائه، بالإضافة إلى سكان الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرة النظام.

فقد نظر أعداء المعركة -وربما بعض أصدقائها- إلى جولتها الماضية بوصفها مغامرةً انفعاليةً أطلقها الحماس وحرّكتها الحميّة، فأنجزت ما تستطيع الشجاعة إنجازه من سيطرةٍ مباغتةٍ سرعان ما تراجعت بعد استقدام التعزيزات وتكثيف القصف بالطيران وشتى صنوف الأسلحة.

أما أن تنطلق المعركة ثانيةً، بعد أقل من شهرين، والنظام وداعموه على الأرض يستعدون لمعركتهم الخاصة في حلب، وتعزيزاتهم مستنفرةٌ حتى أقصاها، فهو مما يدلّ على مدى جدية المهاجمين الذين حشدوا لهذه الجولة أعداداً أكبر من سابقتها، وتسليحاً يبدو أنه جاهزٌ لمعارك متوسطة الطول، وتماسكاً أعلى بين غرفتَي العمليات، وربما تغطيةً خارجيةً لم تبدُ معالمها في الجولة السابقة.

ولعلّ هذا معلمٌ آخر من معالم -غير مكتملة ومتعثرة بشدّة- تدلّ على تحوّل القوّات المتوزّعة للثورة إلى ما يشبه الجيش، لا سيما بعد تركّز ثقلها في الشمال (حلب-إدلب)، و«تعزيزها» بمن حملتهم باصات النظام الخضر من خيرة مقاتلي داريا وحمص ومناطق أخرى.

لا نريد أن نفرط في التفاؤل، فبقدر ما أن معركة حلب هي المعركة الكبرى للثورة حتى الآن، فإنها، في الوقت نفسه، معركة النظام الأكثر مصيرية. في حلب هذه الأيام سيتقرّر مصير السنوات القادمة من عمر البلاد، بل ربما أكثر من مجرّد السنوات القادمة وأوسع من سورية نفسها، بعد أن أصبحت هذه المدينة حالياً محطّ مكاسرةٍ حادّةٍ بين معسكرين متوفزَين، في الداخل والإقليم والعالم.

الدعاء لحلب.... لأطفالها ونسائها وشيوخها المستضعفين المحاصرين... لرجالها داخل الحصار وخارجه يهزّون أسواره... لمجلسها المحليّ ومشافيها ورجال دفاعها المدنيّ ونشاطاتها الثورية المدنية التي لم تتوقف في أحلك الظروف... لأبنائها في الأحياء المحتلة من نظام الأسد الذين قد يتحرّرون قريباً بعد طول ممانعة.