افتتاحية العدد 73

#...._تحترق

لا تكاد أبصارنا تغضي منكسرةً عن مشاهد الجثث في مكانٍ ما من سورية حتى تطالعها صور جثثٍ أخرى، تنافس الأولى في البشاعة والشناعة والألم. ولا نكاد نطلق هاشتاغ استغاثة مدينةٍ حتى يعلو عويل شقيقةٍ لها تطالب بحقّها في هذا التضامن الكليل قليل الجدوى...

نجحت حملة التضامن مع حلب –إلى حين- فانتقلت الطعنات إلى إدلب وحمص وداريا، بل قل إنها لم تتوقف عنها أصلاً. وحين يهدأ طيران الأسد وحليفه الروسيّ، وتندحر قوّاته وحلفاؤها الإيرانيون ومشتقاتهم؛ تباغت داعش ريف حلب الشماليّ، أو تستعدّ القوّات الكردية وغطاؤها العربيّ القشريّ للهجوم على التنظيم في ريفها الشرقيّ. وحين تتقادم مشاهد الجثث من دير الزور قليلاً يتوعّد طرفا الإجرام، الإسلاميّ المزعوم والديمقراطيّ المزعوم، بعضهما بمذابح طازجةٍ في الرقة..

أما الناس فيحملون متاعهم القليل ويهرعون مسرعين من تيهٍ إلى آخر، بعد أن لم تعد المخيّمات تتسع لهم، رغم أنها لم تعد خارج دائرة القصف في الآونة الأخيرة.

وما العمل؟

لن يغرينا الإنشاء بالقول إن الشعب السوريّ عظيمٌ، فهو كغيره من شعوب الأرض، وقد أبدى من صروف النبل وعدم الاكتراث، والصمود والانتهازية، والصبر وضيق الصدر، ما هو طبيعيٌّ في حياة أيّ شعبٍ يعيش محنةً عظمى كالتي نعيش. ولكننا نقول إنه يستحق الحياة بالتأكيد، وإن أطفاله يستحقون الأمان والغذاء الجيد والمدارس والحدائق مثل كلّ أطفال الأرض. ونقول أيضاً إن جمهور الثورة الباقي في سورية، من مدنيين ومقاتلين، قد دفع أكثر من المطلوب بكثير، وإن التدخل لإنهاء معاناته هو واجبٌ مستحقٌّ على المجتمع الدوليّ منذ خمس سنواتٍ وأكثر، في مواجهة قوى الإجرام المنفلتة منذ الرصاصة وحتى الطائرة، مروراً بالكيماوي.

ستنتهي هذه المحنة يوماً ما، وربما سينظر إليها التاريخ السياسيّ المعاصر كإحدى صفحات عاره، ولكن كيف سيستطيع من تعرّضوا لكلّ هذا الألم أن يستعيدوا علاقتهم السوية بالعالم وأن يندرجوا في منظومة قيمه الأخلاقية والقانونية المفترضة؟

ويسألونك: من أين اندلعت داعش؟!