استباحة خصوصية هواتف النساء في إدلب ومحاولات للحد منها

بوستر ايفينت لل UN حول التجسس الجندري

لم تكن حسناء تتوقع أن يكون إرسال هاتفها للصيانة سبباً في طلاقها من زوجها وحرمانها من أطفالها، نتيجة انتهاك خصوصية هاتفها بما فيه من صور شخصية ومقاطع فيديو ومعلومات، والوصول لحد نشر صورة لها في مجموعة "واتساب" تضم عدداً من الشبان.

حسناء وقعت ضحية الجرائم الالكترونية التي تتكرر ضد النساء في الشمال السوري نتيجة الفلتان الأمني وغياب المحاسبة، وقصور القوانين عن مواجهة هذه الأنواع من الجرائم، وغياب الرقابة عن أرقام الهواتف، وسهولة إنشاء حسابات وهمية بأسماء مستعارة، وكون معظم المتحرشين الإلكترونيين في الغالب أشخاصاً وهميين، وليس من السهل تتبُّعهم، مما يشجع الكثيرين على ممارسة أفعالهم السلبية والخفية تجاه الآخرين، بدءاً من التحرش مروراً بالعنف ووصولاً إلى المس بكرامة الإنسان.

وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية في انتشار أنواع جديدة من العنف ضد النساء والفتيات، ومن أكثرها شيوعاً الملاحقة الإلكترونية، والابتزاز، والتحرشات الجنسية الإلكترونية، والمراقبة والتجسس على أجهزة الحاسوب، والاستخدامات غير القانونية للتكنولوجيا والإنترنت، وتحريف الصور ومقاطع الفيديو والتهديد بها بهدف جني المال أو المساس بالحياة الخاصة والتشهير بالآخرين.

حسناء (31 عاماً) من مدينة إدلب رفضت الكشف عن اسمها الكامل، تتحدث عن تجربتها بالقول: "أرسلت هاتفي مع أخي للصيانة، بعد مسح كافة الصور الشخصية ومقاطع الفيديو، وبعد فترة تفاجأت بوصول صور لي إلى هاتف زوجي من رقم مجهول، فجن جنونه ولم يصدق كلامي بأنني لم أرسل صوري لأي شخص".

وتضيف: "تطور الخلاف بيننا، ووصل إلى الطلاق واتهامي بإقامة علاقات غرامية، كما عاقبني بحرماني من أطفالي الثلاثة". وتوضح حسناء لـ“عين المدينة“ أنها رغم الظلم الذي وقع عليها من زوجها، وجدت نفسها مدانة من المجتمع، تلاحقها نظرات الشك والريبة، دون أن تجد من يقف إلى جانبها حتى من أقرب الناس إليها.

تعتقد حسناء أن صاحب محل الصيانة قد فعّل ميزة استرداد الصور المحذوفة، فيما رجح بعض أقربائها أن يكون هاتفها قد تعرض للاختراق، لتبقى في حيرة من أمرها، وحبيسة قهرها والمعاناة بصمت، خوفاً من إلحاق العار بأسرتها، بعد أن استبعدت فكرة التقدم بشكوى قضائية خوفاً من انتشار قصتها على نطاق أوسع، وصعوبة تحمل نفقات المحاكم، وخشية من عدم الحصول على حقها أمام القضاء.

وبتاريخ 2 من شهر كانون الثاني الحالي، قام الجهاز الأمني التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، بالقبض على شخص ادَّعت أنه كان يبتز النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سمّى نفسه طبيباً وتحايل على النساء والفتيات من خلال استدراجهنّ وخداعهنّ، ليهددهنّ بعد ذلك، ويطلب مبالغ مالية كبيرة، بالاشتراك مع زوجته. وتعبر هذه الحالة (إن صحت) وما تخفيها من قصص ووقائع، مع حالة حسناء، عن انتشار هذه الظاهرة في المنطقة.
يختلف العنف الإلكتروني عن غيره من أنواع العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات، لكونه يقع في فضاء افتراضي، وتمتد آثاره لتصل إلى الحياة الواقعية، والتي تكون مدمرة في أحيان كثيرة، وقد تدفع النساء والفتيات حياتهن ثمناً له. وعن ذلك تتحدث المعالجة النفسية صهباء الخضر(30 عاماً) لـ“عين المدينة“ بالقول: "العنف الإلكتروني ضد النساء السوريات هو امتداد للإرث المجتمعي والكبت الذي جعل من المرأة الحلقة الأضعف، والمتهمة بكل المشاكل التي تكون طرفاً فيها، والمذنبة حتى لو كانت ضحية".

وتبين أن الكثير من ضعاف النفوس يلجؤون إلى العنف الإلكتروني ضد النساء للوصول إلى غايات معينة، أو الانتقام، لمعرفتهم المسبقة بتحالف المجتمع معهم وتصديق ادعاءاتهم، وسيادة قوانين غير منصفة. وتقترح الخضر وضع قوانين صارمة ورادعة، وإطلاق حملات مجتمعية توعوية، باعتبار الجرائم الإلكترونية أخلاقية قبل أن تكون قانونية.

أما المحامي سامح جرود المدير التنفيذي لمركز أبعاد للدراسات القانونية في سورية، فيتحدث لـ“عين المدينة" عن قانون الجرائم الإلكترونية بقوله: "عرف القانون السوري الجريمة الالكترونية بأنها الجريمة التي تقع باستخدام شبكة الإنترنت، وتتعدد الجرائم الإلكترونية التي تمس الأشخاص مثل الابتزاز وانتهاك الخصوصية وطلب الأموال وغير ذلك، وتعتبر الجرائم التي تقع على المرأة من أكثر أنواع الجرائم الإلكترونية شيوعاً، لما للمرأة من خصوصية، يمكن أن تستغل من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي".

ويشير إلى أن القانون حدد الإجراءات المتبعة لضبط هذه الجرائم، من خلال توثيق الانتهاك قبل تقديم بلاغ للنائب العام، ثم إحالة المتهم للتحقيق ومحاكمته، علماً أن القانون حدد عقوبة لكل جرم من الجرائم الإلكترونية، وتتراوح بين السجن لمدة أقلها ستة أشهر وقد تصل إلى خمس سنوات. على أن ذلك يبقى ضمن الافتراضي كما هي الجرائم، كون القانون السوري معطلاً في إدلب.

وفي سياق البحث عن حلول تتناسب مع الواقع، أطلقت منظمة بارقة أمل النسائية في محافظة إدلب مشروعاً هو الأول من نوعه لتأهيل النساء، وتدريبهن على صيانة الهواتف الذكية (الموبايل) وبرمجتها، ليكن قادرات على صيانة هواتفهن أو هواتف النساء الأخريات، والحفاظ على خصوصياتهن وصورهن الشخصية.

عبيدة محصي مسؤولة مشروع الصيانة والتسويق الإلكتروني في المنظمة تتحدث لعين المدينة بقولها: "جاء المشروع تلبية لاحتياج مجتمعيً؛ وهو حماية خصوصية النساء من الاختراقات والإيذاء، وإثبات أن المرأة قادرة على دخول هذا المجال بقوة، ووضع بصمة فاعلة ومواكبة التطور المعرفي".

وتبين عبيدة أن عدد المستفيدات بلغ 30 متدربة منهن معيلات لأنفسهن كطالبات جامعيات، أو معيلات لأسرهن، بهدف إيجاد فرص عمل لمثل هؤلاء النساء واتخاذ هذا العمل كمهنة للإعالة والإنفاق. وقد بدأ المشروع بتدريبات نظرية حول إدارة المشاريع وبناء العلامة التجارية والتسويق والإدارة المالية، ثم تلقت 15 فتاة من المستفيدات تدريبات في مجال "الهارد وير" و"السوفت وير"، كما تم تدريب 15 فتاة على التسويق الإلكتروني. بينما تطمح المنظمة لافتتاح مركز للصيانة مخصص للنساء فقط تديره من المتدربات.

فاطمة العوض (27 عاماً) إحدى المتدربات تتحدث لـ“عين المدينة“ عن استفادتها من التدريبات: "رغم التحديات وانتقادات البعض أسعى مع زميلاتي للمتابعة والاستمرار، فمواجهة الجرائم الإلكترونية التي تلحق النساء، يصطدم مع حقيقة أن أغلب النساء والفتيات اللاتي يتعرضن لها، لا يمتلكن الأدوات والمعرفة للخطوات الواجب اتباعها لمواجهة هذه الاعتداءات الإلكترونية ووقفها".