أنصاب تذكارية في طرطوس (بمثابة سخرية) من القتلى الذين تحمل أسماءهم

متداولة من طرطوس

 منذ سنوات حتى الآن تتكرر ذات المشاهد في ساحات طرطوس، حيث تتسابق المدن والقرى والبلدات لبناء الأنصاب التذكارية بإجراءات ومراحل وطقوس متشابهة تخليداً لمن قتلوا في المعارك التي خاضها النظام ضد معارضيه، بينما تعيش أسر ذات القتلى وعوائلهم في ظروف صعبة منهكين من الفقر وغياب الخدمات، يعزون أنفسهم ببعض الصور في الشوراع وفي أحجار يلمحون عليها أسماء أبنائهم وأخوتهم وأقربائهم.

يتم افتتاح هذه الأنصاب خلال مناسبات رسمية معينة مثل عيد الشهداء، ويكون قد تبرع ببنائها أحد أبناء المنطقة أو من خلال جمع مبلغ من المال من أهاليها؛ لا يساهم المسؤولون في تكاليفها، بينما يتسارعون لحضور الافتتاح والتدشين بعد نصبها.

تنطبق مراحل صناعة الأنصاب في طرطوس على النصب التذكاري في قرية فلجيت بريف طرطوس. وضع النصب وسط القرية، وضم 136 اسم لشبان قتلوا في معارك وسنوات مختلفة ويحملون رتب عديدة، بينما عدد منهم متطوعون في الميليشيات الموالية للنظام، لكن الجديد أن ينظر إليه بعض أهالي القرية على أنه "رمز وشرف" لهم، في حين يشعر آخرون بالسخط جراء عدم وضع أسماء أبنائهم القتلى عليه، وذلك لاعتبارات معينة منها عائلية وأخرى مرتبطة بالجهة التي كانوا ينتسبون للقتال معها، أو حتى سبب مقتلهم ومكانه، أو بسبب مشاكل بين ذوي القتلى والقائمين على النصب.

كان أول من بدأ بهذه المبادرة قبل ثماني سنوات بلدة الدريكيش، حيث قام أحد رجال الأعمال ببناء نصب تذكاري للقتلى هناك، وتم افتتاحه وقتها بحضور محافظ طرطوس وأمين فرع حزب البعث فيها وذلك في يوم الجلاء، ثم تلتها قرية حصين البحر ودحباش، لتكر بعدها المسبحة وتتسابق القرى والبلدات لفعل الشيء ذاته.

كان آخر الأنصاب نصباً أقيم قبل أسابيع في بلدة الشيخ سعد بريف طرطوس، وضم عدداً كبيراً من أسماء القتلى، وتم بناؤه على شكل هرم حمل في قمته صورة بشار الأسد وعلم النظام السوري، وافتتح بمناسبة عيد الجيش وبحضور عدد من المسؤولين منهم أمين حزب البعث، أما الجهة المسؤولة عن تنفيذه فهي بلدية المنطقة.

 تنتشر هذه الأنصاب في عدة محافظات أخرى مثل اللاذقية وحمص وحماة، وقد باتت أشبه بظاهرة عيانية في المجال العام الخاص بمناطق سيطرة النظام، لكن يبقى قصب الريادة لطرطوس في عدد الأنصاب، بسبب احتوائها على عدد القتلى الأكبر.

لم تغير الأنصاب من حال أسر القتلى، لذلك اختلفت آراؤهم تجاهها، إذ يعتبر قسم منهم أنها "رمز معنوي" وتذكير دائم بأبنائهم الذين قتلوا وهم في بداية أعمارهم، ويشعرون بأن وجود مثل هذه التذكارات من الممكن أن يخفف من أثر فقدان أولادهم، ويعتقدون كذلك بأن الأنصاب دليل على وجود اهتمام بهم، وأن الجميع يتذكرهم وستخلد أسماؤهم في مدنهم، وأن الأنصاب بوابة عبور للأجيال القادمة لتعرفهم على ما "قدمه آباؤهم من تضحيات".

بينما يرى آخرون أن الأنصاب بمثابة سخرية من القتلى وذويهم، فعندما تنام أسرة من أسر القتلى بلا خبز لا يمكن للنصب أن يعوض عما يشعرون به، كما أن هناك الكثير من العوائل بحاجة إلى محروقات ومواد تدفئة مع حلول فصل الشتاء معظمهم بلا معيل، "فهل لوضع اسم والدهم على جدار وإطلاق اسمه على نصب تذكاري فائدة"! أوليس من السخرية كذلك "وضع بعض الأسماء على حساب غياب أخرى! واختيار أصحاب الرتب الرفيعة والأسر المعروفة بينما ينسى الفقير البسيط الذي قدم روحه دون مقابل"!.

 الصحفي "أحمد عليان" رأى أن ما يحصل استكمال لخطوة سابقة، كانت تسمية شوارع أو حدائق بأسماء القتلى، وإطلاق اسم "مقبرة الشهداء" على بعض المقابر التي تضم قتلى النظام، مستبعداً أنها تخفيف لنقمة الأهالي، كون هذه النقمة إن وجدت فهي موجهة إلى سقف لا يمس النظام برأسه بشار.

وأضاف في حديث لعين المدينة، أن هذه الأعمال تأتي ضمن سياسة النظام في إنشاء جيل موالٍ له، "تتوازى مع تغييرات في المناهج التعليمية هدفها تزوير كل ما جرى في سوريا، ومع اتجاه مستمر للدراما والسينما لتصوير عسكر النظام على أنهم ملائكة رحمة وأبطال ووطنيون، في الوقت الذي نفذوا فيه مجازر بحق أهلهم، وعرفوا على أنهم لصوص حتى لصنابير المياه عبر التعفيش".

مصادر محلية في المحافظة كانت قد ذكرت أن عدد القتلى في المدينة أكثر من مئة ألف قتيل معظمهم من الطبقة الفقيرة والفقيرة جداً، وتبلغ نسبتهم بين عدد الرجال ٤٠ بالمئة، وهم من فئة الشباب بأعمار ما بين ٢٠ و ٤٠ عام أي الطبقة العاملة والمعيلة.