فقد السوريون بهجة العيد منذ سنوات عديدة. ولكنه حمل هذه المرة، بالنسبة إلى المقيمين في تركيا، حراكاً واسعاً للمسافرين إلى سورية للقاء أحبتهم وقضاء أسابيع بين أهاليهم وفي بلداتهم. وقد أشاعت حركة السفر هذه جواً من الحبور حتى بين من لم يغادروا، لأنها عنت أن البلاد قريبة ومتاحة رغم كل شيء.

استمتعنا بقصص المعبر وزحامه، ثم تنشق هواء الوطن من جديد، والوصول إلى منزل الأهل، والهدوء النسبي في المناطق المحررة في الشمال، ومعالم الفرحة هنا وهناك رغم الخراب.

«ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا ».

ولم تنفجر الثورة إلا من أجل الحرية والكرامة والعدالة، ومن أجل حياة أفضل. ولكن خصمنا المعتوه في دمشق أعلن الترحيب بـ"المعركة" بعد أسبوعين فقط من انطلاق مظاهراتنا السلمية، وهو ما يزال يفعله حتى الآن وبصورة متصاعدة، من الرصاص وحتى الصواريخ الباليستية، مروراً بالكيماوي. الأمر الذي جعل استعادة الحقوق ومحاسبة المجرمين شرطاً مسبقاً على حلول أي سلام واستئناف أي حياة طبيعية. لا نخرج في هذا عن سنن البشر وعن مألوف شعوب الأرض. غير أن المدة التي طالت والثمن الهائل الذي ما زلنا ندفعه، في مقابل معسكر من العدوان من روسيا إلى إيران، كل ذلك أسهم في تشويش البوصلة ونخر الهمة. ولكن لا طريق لنا إلا إكمال ما بدأناه مهما تعقد المشهد، فهو ما ينسجم مع مقتضيات الحياة التي نسعى إلى أن تكون كريمة.

في أنحاء أخرى من البلاد تعتدي الطائرات الحربية وتلعلع الانفجارات ويرتفع العويل. في درعا التي انتفضت بعد خمود وهي تذيق قوات الأسد الموت يومياً، وفي أطراف دمشق وغوطتها، وفي الرقة التي أدخلتها داعش في المزاد الدموي للحرب على الإرهاب، وفي دير الزور التي ربما صارت في عين حرب الأمم.

وهكذا نكتشف بسرعة أن فرحنا هش وسلامنا عارض، وأن رحلتنا إلى بيوت أهالينا في البلاد مؤقتة، وأن لا سبيل إلى الاستقرار سوى بانطلاق سورية جديدة على أسس خالية من التسلط والعدوان، مهما طال الزمن.