وحدة الكلية الصناعية | عدسة عبد الله | خاص عين المدينة
من الرقّة.. معاناة مرضى القصور الكلوي
مات العشرات منهم خلال 40 يوماً، والآلاف في خطر
عبد الله الحسن
في كل قسمٍ من أقسام المشفى الوطني في الرقة هناك ضغط عملٍ أكبر من الإمكانيات المتوافرة. ولكن المكان الأكثر تعرضاً للضغط، لكثرة عدد المراجعين وخطورة أوضاعهم الصحية، هو قسم الكلية.
يتحدث الدكتور (م. ع) لـ"عين المدينة" عن حالة قسم الكلية الذي يعمل فيه: يستقبل قسمنا أكثر من خمسةٍ وثلاثين حالةَ قصورٍ في الكلى من محافظة الرقة يومياً، ناهيك عن المرضى من المحافظات الأخرى، إضافةً إلى النازحين. وتتمّ في هذا القسم أكثر من 2300 عملية غسيل كلية شهرياً، لأن نسبةً كبيرةً من المرضى يجرون ثلاث عمليات غسيلٍ في الأسبوع.
ويضيف الطبيب متألماً أن 29 حالة وفاةٍ قد حدثت منذ شهر تشرين الأول الماضي، أي خلال أربعين يوماً فقط. ويفسّر ذلك بعدّة أسباب، منها:
-عدم جاهزيّة محطّة تنقية مياه الغسيل بشكلٍ كافٍ، إضافةً إلى عدم توفّر الصيانة لها إلا لدى شركاتٍ متخصِّصة.
-عدم عمل الأجهزة بشكلٍ صحيح، لحاجتها إلى الراحة، فهي تعمل بشكلٍ متواصلٍ دون انقطاع.
إضافةً إلى الظروف التي تستدعي تقليص مدّة الجلسة إلى ساعتين ونصفٍ بدلاً من ثلاث ساعات.
ويناشد الطبيب في ختام كلامه المنظمات والهيئات الطبية والإنسانية للتدخل وتقديم المساعدة الفورية لسدّ النقص الكبير والضعف في إمكانات المشفى، وخاصة وشائع التصفية اللازمة لعمليات غسيل الكلية، إضافةً لتأمين حقن (espoten) التي ترفع معدل خضاب الدم، ويحتاجها مرضى القصور الكلوي بشدة، وصاروا يضطرون إلى شرائها من الأسواق بسعرٍ يتجاوز 2000 ليرة لكل حقنة.
من مسكنة إلى الرقة
أم مصطفى (50 عاماً) مريضة قصور كلوي من مدينة مسكنة. كانت تذهب إلى حلب لإجراء جلسات الغسيل، أما اليوم فهي تضطر إلى السفر إلى الرقة بسبب تردّي الأوضاع الأمنية في الطريق بين مسكنة وحلب. مرّتان في الأسبوع تسافر أم مصطفى إلى الرقة، لتقطع في كل مرّةٍ مسافة 200 كم ذهاباً وعودة. وفي كل مرّةٍ (تقول أم مصطفى التي بدت علامات المرض على وجهها بوضوح): أدفع 5000 ليرة كنفقات سفر، وكذلك 2000 ليرة ثمن حقنة espoten اللازمة لكلّ جلسة غسيل.
حكايا المرض في قسم الكلية بمشفى الرقة الوطني متشابهة، فالمعاناة واحدة، والعجز عن العناية بالجميع يضرّ بالجميع في الوقت ذاته. فبدل الساعات الثلاث اللازمة لكل جلسة غسيل، يضطر الفريق الطبي لتقليل المدة إلى ساعتين ونصف، بسبب الظروف الصعبة جداً وقلة الإمكانات والضغط الكبير على أجهزة الغسيل. وتقليص مدة الجلسة أمرٌ ينطوي على مخاطر كبيرة، ولكن ليس بيد الطاقم الطبي ـ الذي يبذل فوق ما يستطيع ـ حيلة. ولا يبدو أن أحداً من الأشخاص القادرين عن المساعدة سيستجيب لرجاء من يتألم ويعاني، وربما يموت، بصمت.