حملة "لننهي شلل الأطفال في سوريا
حملة إشاعاتٍ موجّهة، حزمةٌ كبيرةٌ من الاتهامات يضعها كل طرفٍ على باب الآخر. هذا ما يحدث الآن في ريف دير الزور بين المستوصفات والمراكز الصحية التابعة للنظام وبين تلك التابعة للمعارضة.
لتسليط الضوء على هذه القضية، ومعرفة أسبابها، والضرر الكبير الذي أحدثته في المنطقة على المستوى الصحيّ، التقينا بالسيد ناصر الخضر، من أبناء العشارة وأحد الكوادر الطبية في المحافظة، الذي قال: بعد أشهرٍ من بدء حملة اللقاح الخاصّ بمكافحة جائحة شلل الأطفال في دير الزور بدأ يظهر، بشكل واضحٍ، صراعٌ حادٌّ بيننا وبين الجهات الطبية المرتبطة بالنظام بحكم الوظائف التي تشغلها، وبحكم أن موظفيها لا يزالون مرتبطين بأجهزة النظام، ويتقاضون مرتباتهم الشهرية من قبل المؤسسة التابعة له.
لا أحد ينكر تقاعس النظام في مسألة اللقاح، وتأخّره في تخديم هذه المنطقة، مما أدّى إلى ظهور شلل الأطفال من جديد، ملوّحاً بكارثةٍ سبّبت رعباً كبيراً لكلّ المنطقة. هنا قامت المعارضة، أقصد المراكز المرتبطة بالصحة التابعة لها، بحملةٍ واسعةٍ بغية الحصول على اللقاح لتوزيعه في المنطقة وإبعاد شبح الشلل عن أطفالنا. من جهةٍ، أسهم هذا النشاط في الضغط على النظام لتوفير اللقاح في المراكز الصحية التابعة له، ومن جهةٍ أخرى أدّى إلى تمكن المعارضة من الحصول على اللقاح والبدء بعملية تطعيم الأطفال ضد الشلل، بشكلٍ مستقلٍّ عن النظام ومراكزه المختصة.
وحول أول بــــوادر ظــــــهور هذا الصراع أضاف: بدأ الصراع منذ أن بدأت المعارضة بتحريك المجتمع والتوعية ضد الشلل. هنا أخذ النظام بإيصال اللقاح إلى المراكز الطبية المرتبطة به، وبدأ القائمون عليها بإثارة التساؤلات حول سعي المعارضة للحصول على اللقاح وهو متوافرٌ في جميع المراكز الطبية في المحافظة! ولكن جهود المعارضة لم تتوقف، لأنها رأت أن النظام هو من يتحمّل المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الصحيّ في المحافظة، وأنه بذلّ كل ما في وسعه للتعتيم على حالات شلل الأطفال التي ظهرت. فلا أمان له، ولا ضامن لاستمرار إمداده المنطقة باللقاح. وبالتالي استمرّت حملة السعي للحصول على اللقاح، وانطلقت بذلك شرارة حربٍ استمرّت أشهراً ولا تزال، بين قطبي الصحة في المدينة وتحديداً في ريفها.
وحول أهم تبعات هذا الصراع التقينا بالسيد سامر الفايز، من أهالي بلدة صبيخان، الذي قال: بدأت الحرب بإطلاق الشائعات حول صلاحية اللقاح؛ فمراكز المعارضة تتهم النظام بأن لقاحه فاسد، والمراكز الطبية التابعة للنظام تتهم المعارضة بأن اللقاح الذي تقدّمه فاسد، وأن الكوادر التي تقوم بعملية التلقيح كوادر غير مدرّبة. وما زاد الأمر سوءاً أن لكلٍ من الجهتين حملةً شهريةً في المحافظة تستمرّ لمدة أسبوع، وكثيراً ما كانت الحملتان تتزامنان أو تتبعان بعضهما مباشرةً، بشكلٍ أصبح مربكاً جداً للأهالي، حين يطرق الباب فريق الهلال الأحمر مثلاً، ويليه فريق الائتلاف، وكلاهما يتهم الآخر بأن اللقاح الذي يقدمه غير موثوق. وللأمانة فإن الإشاعات التي أطلقت من قبل النظام والمراكز التابعة أشدّ وطأة. وكثيراً ما وقف شبان الفرق التابعة للائتلاف وإدارتهم موقف المدافع عن نفسه، الذي يحاول قدر إمكانه تصحيح الصورة التي تشاع عن اللقاح الذي يقدّمه، وتأكيد أن مصدره هو ذات مصدر اللقاح الموجود عند النظام، ويُحفظ في شروطٍ مناسبة.
ولكن، في مطلق الأحوال، وقعت أسرٌ عديدةٌ ضحية هذا الصراع بين قطبي الصحة في المحافظة، إذ رفضت تطعيم أبنائها ضد الشلل بحجّة أنها لم تعد تثق باللقاح بسبب الشائعات. من المؤسف أن يحدث ذلك في قطاع الصحة تحديداً، وأن يتناسى العاملون في المراكز الصحية التابعة للنظام أن الشائعات التي يطلقونها لا أساس لها، لأن مصدر اللقاح كلّه هو منظمة الصحّة العالمية.