أثناء التبرع بالدم | من أرشيف مشفى موحسن الميداني
تعدّ مشكلة نقص الدم المشكلة الأبرز لمشافي دير الزور. فقد أدّى عدم وجود بنكٍ للدم في ريف المحافظة، وخروج بنك الدم في المدينة عن الخدمة بسبب المعارك، إلى لجوء المشافي إلى أسلوب التبرّع المباشر بعد الاصابة. وغالباً ما يتمّ الاعلان عن ذلك عبر مكبرات الصوت في المساجد.
وحدث مرةً في مدينة الميادين أن أخطأ مؤذّن أحد المساجد فقال: "شهيدٌ بحاجة إلى دم"، وذلك نتيجة الارتباك الذي وقع فيه بعد أن جاءته سيارة إسعافٍ تابعة لمشفىً ميدانيٍّ على جبهة المطار، طالبةً منه أن ينادي بسرعةٍ عن حاجة المشفى للمتبرّعين بالدم، بسبب كثرة الإصابات والنقص في بعض الزمر الدموية.
نقص الدم مشكلةٌ حديثة
قبل الثورة كان يوجد بنكٌ للدم في كل محافظة، يتبع لوزارة الدفاع، إضافةً إلى وجود حافظاتٍ للدم في المشافي الخاصة والعامة. لذلك كان ظهور نقصٍ في الدم من الأحداث القليلة، باستثناء احتياج المشافي لزمرة الدم O سلبي، التي تعدّ من الزمر النادرة.
وائل الناصر طبيبٌ يعمل في مشفى موحسن الميدانيّ، شرح لنا كيف تتعاطى المشفى مع نقص الدم لديها فقال: "بالنسبة إلينا، وعلى اعتبار أننا أقرب مشفى إلى جبهة مطار دير الزور العسكريّ؛ تتكرّر لدينا حالات نقص الدم. وبمجرّد وصول الإصابات نقوم بتحديد زمرة دم المصابين، ثم نعلن عن الحاجة للدم عبر المساجد، ليأتي المتبرّع فنقوم بالتأكد من زمرة دمه. ثم نقوم بنقل الدم من المتبرّع إلى المصاب مباشرةً دون أن يتسنى لنا إجراء الاختبارات والفحوصات اللازمة للمتبرّع، كاختبار تصالب زمر الدم وفحص العامل الأسترالي وغيرها. نقوم بنقل الدم على مسؤوليتنا، إذ نقع أحياناً بين خيارين؛ إما أن ننقل الدم وننقذ حياة المصاب، أو أن نجري الفحوصات اللازمة مما قد يعرّض حياته للخطر بسبب التأخير، لأنه يحتاج إلى عملية نقل دمٍ بسرعة، وتلك الفحوصات تحتاج وقتاً طويلاً لإجرائها".
وشرح لنا صالح الكدران، الفنيّ المخبريّ في مشفى موحسن، عن مشكلة نقص الدم، فقال: "هذه مشكلةٌ متعدّدة الجوانب، فقد أدّى عدم وجود بنكٍ للدم إلى حفظ الدم في المشفى. لكن، في أغلب الأحيان، قد لا تحوي المشافي حافظاتٍ خاصةٍ بالدم، مما يؤدّي إلى النقل المباشر. ونقولها بصراحةٍ إننا نستغل وجود مرافقي المصاب لكي نقوم بنقل الدم، لأن البرّاد العادي لا يمكن حفظ الدم فيه أكثر من خمسة أيام".
ويذكر الكدران أنه لا يوجد إقبالٌ على التبرّع بشكلٍ طوعيٍّ دون الطلب. ويضيف أن النظام كان يلزم المتقدّمين للوظائف، أو أصحاب بعض المعاملات، على إحضار وثيقة تبرّعٍ من بنك الدم، مما كان يسهم في توفر الدم. وهو أمرٌ إيجابيٌّ جداً.
فوائد وجود بنك للدم
لقد وعدت الحكومة المؤقتة بإنشاء بنكٍ للدم في دير الزور، وكذلك معملٍ لأسطوانات الأوكسجين، وهما مشروعان مهمان جداً، وأساسيان لتحسين المستوى الصحيّ في المحافظة. ولكن، حتى هذه اللحظة، ما زال المشروعان حبراً على ورق. علماً أن تكلفة مشروع بنك الدم ليست باهظةً بالنسبة إلى الحكومة المؤقتة، بينما هو مشروعٌ يستحيل تنفيذه من قبل الناشطين الطبيين، بسبب عدم توافر الحافظات الخاصّة بالدم، والانقطاع المستمرّ للكهرباء، والأهمّ ارتفاع أسعار أكياس الدم وقلتها.
وعن فوائد وجود بنكٍ للدم في المحافظة أجاب الدكتور وائل الناصر: "بكل تأكيدٍ فإن وجود بنكٍ للدم سيسهم في إنقاذ حياة آلاف الناس، إضافةً إلى أنه سيساعد المشافي على تقديم رعايةٍ طبيةٍ أفضل للمصاب. وتوافر الدم المفحوص سيقي المرضى من اضطراباتٍ كثيرةٍ قد تحدث نتيجة نقل الدم مباشرةً. وبصفتي طبيباً في مشفى موحسن الميدانيّ أناشد الحكومة المؤقتة بإنجاز مشروع بنك الدم، وتقديم أجهزة الدمويات لمخبر المشفى".