عانت المنطقة الشرقية قبل الثورة من مشكلة الكفاءة فيما يتعلق بالأطباء، وهذا أمرٌ لا يمكن إنكاره، وتشهد عليها الحالات المرضية العديدة التي توجه أصحابها للعلاج في دمشق أو حلب، لعدم الثقة بالكفاءة الطبية للكثير من أطباء المدينة. وقد تفاقمت هذه الحالة كثيراً خلال السنتين الأخيرتين، وتزايدت الأخطاء الطبية التي يمكن وصف بعضها بالكارثية، لما ينتج عنها من أضرار.
حالاتٌ لا تعدّ ولا تحصى من الإصابات غير المميتة تحوّلت، بعد العلاج الخاطئ أو قلة الانتباه، إلى إصاباتٍ قاتلة. لا يمكن لأحدٍ مهما كان أن يلمّ بها أو يحصيها، وبالأخصّ في القسم المحرّر من دير الزور، بحكم تعرّضه للقصف المباشر أكثر من غيره من المناطق. نادر اليوسف شابٌّ من أهالي دير الزور، كان شاهداً على أكثر من حادثةٍ من هذه الحوادث المؤلمة، بحكم وجوده في القسم المحرّر من المدينة، وقد تحدّث عن هذا الموضوع بالقول: "أحد أصدقائي أصابت قذيفةٌ أطرافه السفلية، فأدخلوه غرفة العمليات وخرج من العملية سليماً. وفي اليوم التالي كان موعد العملية الثانية. وبعد أن أدخل إلى غرفة العمليات يخرج الطبيب ويخبر ذويه أن ابنهم دخل في حالة سباتٍ بسبب نقص الأكسجة، نتيجة جرعةٍ زائدةٍ من المادّة المخدّرة. شابٌّ آخر من الدير المحرّرة أصيب بشظايا قذيفةٍ في رقبته، فتغير صوته مباشرة وبدأ يفقد الوعي. لم تكن الشظية قد أحدثت أيّ ضررٍ مميتٍ لأنها أتت بجانب الرغامى والحبال الصوتية، ومع ذلك كان الشاب فاقداً للوعي، حتى بدأ قلبه يضعف ويتوقف أمام نظر الأطباء، فطلبوا نقله إلى الميادين، حيث وصل ميتاً، ولكن ليس بسبب الشظية في رقبته بل بسبب شظيةٍ أخرى أصغر من حبة العدس كانت قد اخترقت القلب. ببساطةٍ لم ينتبه الطبيب إلى الجرح الصغير في رقبة المصاب... فمات".
أما عن أسباب تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها إلى درجةٍ أفقدت الناس الثقة بالطب عموماً وبالجراحة على وجه الخصوص، فقد حاولت "عين المدينة" تتبعها والبحث فيها، فالتقينا بالطبيب "رامي، ث"، أحد الأطباء في مشافي دير الزور، والذي ردّ الظاهرة إلى أسبابٍ عديدةٍ أجملها فيما يلي: "لعلّ السبب الرئيسيّ وراء تفاقم هذه الظاهرة هو مغادرة معظم أطباء محافظة دير الزور، الماهرين في اختصاصاتهم، إلى مدنٍ أخرى أو إلى خارج القطر، مما أدّى بالتالي إلى ندرة وجود طبيبٍ مختصٍّ "شاطر" من جهة، وإلى اضطرار العديد من الأطباء إلى العمل في غير اختصاصاتهم، بسبب عدم وجود من يمكن أن يخدم في مثل هذه القضية. وهذه النقطة الأخيرة بالذات نشاهدها في القسم المحرّر من مدينة دير الزور، وقد حدثت حوادث كثيرةٌ تؤكد هذه القضية، منها طبيب الأسنان الذي اضطرّ تحت الضغط، ولعدم وجود طبيبٍ مختصٍّ، إلى اجراء عملية "تفجير صدرٍ" لأحد المصابين. وعاملٌ آخر ربما يكون سبباً في ازدياد معدّل الأخطاء الطبية، وهو الضغط الذي قد يتعرّض له الطبيب داخل غرفة العمليات من ذوي المصاب أو من زملائه، فقد يصل الأمر ببعض هؤلاء إلى اقتحام غرفة العمليات من أجل إخراج الطبيب لإجراء عملية لمريضٍ آخر. عدا عن النقص الكبير جداً في المعدّات والتجهيزات الطبية".
هذا من جهة، ومن جهةٍ ثانيةٍ تسببت هجرة الأطباء في ازدياد الضغط على من تبقى منهم، فحين تزور عيادةً ما في الميادين أو البوكمال مثلاً فإنك ستجد عدداً لا يحصى من المرضى الذين يتزاحمون لرؤية الطبيب. وحين يترافق هذا الضغط مع نقص الخبرة لدى الطبيب أساساً، قد يؤدّي إلى أخطاءٍ جسيمةٍ ترتدّ مضاعفاتها على المرضى.