مكاتب الحوالات في إدلب.. شريان التكافل الاجتماعي الأكثر ضبطاً

طالت العديد من التغيرات مكاتب الحوالات منذ الإقبال على افتتاحها قبل سنوات من الآن؛ تغيرت الطرق التي تتعامل فيها مع الزبائن المرسلين والمرسل إليهم، والتثبت من هوياتهم وشخصياتهم، مثلما تغير تعامل المكاتب في ما بينها، لكن التهجير الأخير إلى إدلب حمل معه التغير الأهم في وظيفتها كصلة وصل بين المهجرين أو المهاجرين وذويهم على مستوى التكافل الاجتماعي، وتعمل غالباً على هذا المستوى في استقبال المبالغ المرسلة إلى إدلب وتسليمها.

يصل عدد مكاتب الصرافة في إدلب وريفها إلى 260 مكتباً بعد أن كان العدد أكثر من ذلك بكثير، وذلك إثر تنظيم وترخيص المحلات من قبل "هيئة النقد" التابعة ل"حكومة الإنقاذ"، الذي بدأت في العام 2020. ونص هذا التنظيم على فرز مكاتب الصرافة إلى ثلاث درجات؛ الدرجة الأولى والثانية يحق لها فقط مزاولة مهنة العمل في الحوالات، والفئة الثالثة لها صلاحيات إضافية من ضمنها الصرافة، وفق أبو فراس الذي يعمل صرافاً في مدينة إدلب.

ويقدّر صاحب مكتب صرافة وحوالات في معرة مصرين، متوسط المبلغ المرسل أو المُستلم ما بين ال50 دولار إلى مئتين. يقول "الحوالات بالأكثرية تكون مستلمة" ويضيف بأن الكثير من الأهالي يعتمدون بشكل رئيسي على المبلغ الذي يرسله أبناؤهم اللاجئون في أوروبا وتركيا وغيرها، وأن تقطع السبل وصعوبة الخروج والدخول من وإلى إدلب جميعها من ضمن الأسباب التي ساهمت بتشكيل نظام الصرافة الحالي.

يونس بدر رب عائلة مهجر من معرة النعمان ويقيم في منزل صغير في بنش، يقول "أنا عامل بناء أكسب حوالي ال3 دولارات في اليوم فقط، بينما أحتاج إلى مبلغ 50 دولاراً لدفع إيجار المنزل الذي أقيم فيه أنا وعائلتي ووالدتي. لولا ال50 دولاراً التي يرسلها لي أخي الأصغر من هولندا لكنت الآن أسكن في المخيمات".

أما أم وسيم وهي أرملة تعيش في بنش لديها خمسة أطفال، فتقول أنها قد أرسلت ابنها الأكبر إلى تركيا قبل سنتين ليساعدها في حمل المصاريف، وهو يرسل الآن 600 ليرة شهرياً تتدبر الأم بها إعالة أطفالها بأقل الإمكانيات. وتضيف "لو أن صاحب المنزل المقيم خارج سوريا تقاضى أجراً على منزله الذي أسكن فيه، لما استطعت إعالة الأطفال". لهذا تفكر أم وسيم بإرسال ابنها الثاني الذي يبلغ السبع عشرة من عمره إلى تركيا ليتضاعف المبلغ المرسل إليها، وتستطيع من خلاله تأمين حياة أفضل للإخوة الصغار الباقين، ولكن صعوبة الدخول تهريباً إلى تركيا اليوم وارتفاع الأجور التي يتقاضاها المهربون جعلها عاجزة عن إرساله.

حتى العام 2015، ظلت أساليب الحوالات بدائية وتقتصر على وكلاء يستطيعون العبور بين المحافظات أو الدخول إلى تركيا، كما وكان وقت الإيصال يستهلك وقتاً أطول. لكن الزيادة الهائلة في حركة الحوالات منذ العام 2015 حتى اليوم، خاصة مع موجات التهجير والنزوح إلى إدلب، دفعت المنخرطين في المهنة إلى استعمال تطبيق واتساب في عملهم، أما الآن فيحتاج الأمر إلى بيانات وشيفرات متفق عليها بين أصحاب المهنة وتطلبها مكاتب الصرافة والحوالات قبل تسليم الحوالة، كما يتم الاتفاق على كلمات سر قابلة للتغيير في أي لحظة في حال حصول شك لدى أحد الأطراف أو تأخر المستلم عن استلام حوالته، كما ويتطلب استلام الحوالة في إدلب إبراز الهوية الشخصية أو ورقة إثبات صادرة عن "حكومة الإنقاذ".

تتراوح الفائدة التي تحصل عليها المكاتب في إدلب وريفها بين ال1 وال3 بالألف، ولكن ما يزيد كلفة الحوالة هو مرورها بعدة مكاتب، كما أن المكاتب في الخارج قد تحدد فائدة تصل إلى 6 بالألف.

يوضح الصراف أبو فراس المزيد من التفاصيل عن مهنة الحوالات في إدلب، فيقول بأن المكاتب متفقة على سقف للمبالغ التي تتعامل بها، وعندما يتجاوز المبلغ ذلك السقف يتم تحويله بنكياً في الخارج، أو عبر الوكلاء الذين يستطيعون السفر إلى تركيا، أو من خلال التجار الذين يملكون بطاقات تجارية. ويضيف "بعد الترخيص الذي فرضته حكومة الإنقاذ، أصبح من السهل على الصراف الحصول على بطاقة تجارية تسمح له بالدخول والخروج من وإلى تركيا لتصفية أموره المالية مع بقية المكاتب والوكلاء، وعادةً ما تكون تصفية الحسابات في مدينة إسطنبول".

أما بالنسبة إلى التعاملات بين مكاتب الشمال السوري ومكاتب النظام فإنها مقطوعة وفق أبو فراس، ويتم اللجوء إلى طرق التفافية بحيث تصل الحوالة إلى مناطق النظام مروراً بأوروبا، وهو ما يزيد من كلفة الحوالة. في حين يتم التعامل أحياناً من خلال بعض الأشخاص الذين يستطيعون العبور من وإلى مناطق النظام.

يستطرد أبو فراس قائلاً أن مكتبه قد يقوم بإجراء 50 استلام وتحويل يومياً على وجه التقريب، وهو ما يختلف من مكتب إلى آخر بحسب الحجم والرواج ومكان وجود المكتب.

تتمركز شركات الحوالات الكبرى والتي تتعامل معها مكاتب الشمال السوري في إسطنبول، وتشكل حلقة الوصل الأهم في سلسلة وصول الحوالة، ومن هذه الشركات "البركات" و"الأندلس" و"اليقين" و"السنابل"، وهي الشركات الأضخم والأكثر ثقة وقدماً والتي يتعامل معها جل صرافي إدلب.

يقول الصراف أبو فراس أنه بعد صدور مراسيم الترخيص أصبحت المهنة أكثر أماناً وأقل عرقلة، أما عن التعقيدات التي من الممكن أن يواجهها الصرافون أحياناً فهي خاضعة لمتغيرات الظروف السياسية أو الاقتصادية مثل التغير الحاد في أسعار الصرف، كما أنه لا ضرائب مفروضة على الحوالات المرسلة أو المستلمة من قبل أي جهة.

ولكن رغم جميع طرق الأمان التي ابتكرها الصرافون والتي تقيهم من حالات الاحتيال، تبقى هنالك طرق للنصب قد تطال المستلم والتي تكون عن طريق المهربين، حيث يطلب الزبون من المهرب أن يتم إرسال أمواله إلى تركيا باسم الزبون الشخصي خشية فقدانهم في طريق التهريب، فيطلب المهرب من الزبون شيفرة الحوالة بدون الاسم، ليقوم أشخاص على معرفة بالمهرب بتزوير كيملك باسم الزبون ويستلمونها.