مبادرات محلية لتخفيف وطأة الحرب على الآثار في إدلب

شهدت المواقع الأثرية في عموم محافظة إدلب خلال سنوات الحرب كثيراً من الانتهاكات، تمثلت بالقصف والحفر العشوائي والنهب والتخريب، ما تسبب بضياع الكثير من اللقى والكنوز، الأمر الذي استدعى انطلاق مبادرات عدة محلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تاريخ البلاد.

بجهود مجموعة من الأكاديميين والمهتمين تأسس مركز آثار إدلب عام 2012 بهدف صونها وتوثيق الدمار والانتهاكات التي تطالها، في محافظة تضم 760 موقعاً أثرياً تعود للحضارات الرومانية والبيزنطية والإسلامية، من أهمها المدن المنسية التي يبلغ عددها 40 قرية أثرية، كما تضم 50% من التلال الأثرية السورية كتلال إيبلا ودينيت وآفس، الأمر الذي جعل متاحف إدلب تزخر باللقى الأثرية وخاصة متحفي مدينة إدلب ومعرة النعمان، وفي الأول رُقم إيبلا المسمارية وفي الثاني لوحات المعرة الفسيفسائية، حسب أيمن النابو مدير مركز آثار إدلب.

ويضيف النابو: "تأثرت أغلب المواقع الأثرية في إدلب بالحرب، حيث طالتها التنقيبات العشوائية، كما تعرضت العديد من الأبنية الأثرية من كنائس وقصور ومدافن للقصف بمختلف أنواع الأسلحة من قبل النظام السوري، ومن المواقع التي تعرضت للضرر شنشراح وتل إيبلا الأثري ومتحفي المعرة وإدلب"

يعتبر لقلة الوعي دور بارز في ضياع الكثير من اللقى الأثرية أو سرقتها وتهريبها خارج حدود البلاد، حيث تحولت أغلب المواقع الأثرية إلى أماكن للتنقيب غير المشروع من خلال عمليات بحث ممنهجة للصوص محترفين مزودين بأجهزة وخرائط لأماكن تواجد القطع الأثرية، أو لصوص غير محترفين يقومون بالتنقيب، وبيع ما يجدونه بأسعار زهيدة دون إدراك لقيمة ما يبيعونه.

أبو محمود من ريف إدلب وجد في التنقيب عن الآثار مهنة ومصدر دخل مناسب مع غياب المساءلة والقوانين الرادعة، حيث يحمل كل صباح معدات الحفر ويتوجه نحو المناطق الأثرية، وعن عمله يقول: "أمام قلة فرص العمل توجهت إلى التنقيب، وأستخدم لذلك جهازاً يعلَّق على الكتف لكشف الآثار، التي أتتبعها في المزارع وبساتين الزيتون، والمغارات العميقة والسراديب الضيقة" ويضيف "زميلي في العمل حالفه الحظ، إذ وجد في أحد المدافن تمثالاً رومانياً وعملة نادرة مصنوعة من الذهب الخالص."

أبو محمود وغيره من العاملين في التنقيب يرتبطون بشبكة من التجار والسماسرة الذين يقومون ببيع القطع الأثرية خارج البلاد، يوضح ذلك بقوله: "أبيع ما أعثر عليه لتجار الآثار الذين ازداد عددهم كثيراً خلال سنوات الحرب"

ومع اشتداد المعارك في الشمال السوري تحولت معظم المواقع الأثرية إلى بيوت للنازحين، منها بابسقا وباريشا وخربة الخطيب، إضافة إلى موقع شنشراح الأثري الذي استقبل أكثر من 100 عائلة نزحت من أماكن مختلفة من ريف إدلب، وقد قامت بعض الأسر بتقطيع القصور الموجودة فيه إلى أكثر من غرفة من خلال بناء جدران إسمنتية، وفتح أبواب ونوافذ، وتكسير الحجارة الضخمة التي بنيت منها البيوت الأثرية لتحويلها إلى حجارة صغيرة صالحة للبناء، ما أدى إلى تغيير شبه كامل في ملامح هذه الأوابد.

عدة مبادرات محلية قامت في إدلب بهدف تخفيف وطأة الخطر، وتحسين واقع الآثار بحسب الإمكانيات المتوفرة، فإلى جانب مركز آثار إدلب، قام الأهالي في قرية فركيا في جبل الزاوية بتشكيل لجنة أهلية تضم مهندسين ومدرسين وطلاب جامعات وحراس أخذوا على عاتقهم حماية آثار القرية من السرقة والتخريب، لاسيما بعد حصول عدة محاولات لسرقتها باعتبار القرية تحتوي على المئات من المواقع الأثرية من قصور ومدافن ومقابر ولوحات، وتماثيل منحوتة على الجدران يعود تاريخ معظمها إلى القرن الخامس الميلادي.

محسن المحمد طالب جامعي وأحد أعضاء لجنة حماية الآثار في فركيا يقول: "في ظل غياب الجهات المختصة بحماية المواقع الأثرية في إدلب، أخذنا على عاتقنا حماية آثار بلدتنا التي تعتبر جزء من التراث الإنساني، تدل على الهوية التاريخية للمنطقة وحضارتها"

كما أطلقت مديرية آثار إدلب في الحكومة المؤقتة مبادرات عدة منها مشروع (حكاية) الذي استهدف التلاميذ في المدارس القريبة من المواقع الأثرية لتوعيتهم بأهمية حماية الآثار والحفاظ عليها من خلال زيارة بعض المواقع وشرح تاريخها، وتدريبهم على التعامل مع القطع الفخارية ومبادئ الترميم والتنقيب، فضلاً عن إطلاق حملة تحت عنوان (أنقذوا آثار إدلب) التي ستستمر حتى نهاية العام الحالي 2019، تهدف لتفعيل دور المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته تجاه الإرث الثقافي.

وعن آلية العمل في الحملة يشرح أيمن النابو بالقول: "بدأت أنشطة الحملة بالاجتماع بخريجي الآثار الذين تواصلوا مع المجالس المحلية في أرجاء المحافظة لتنظيم حملات التوعية وتوزيع منشورات تعريفية بأهمية الآثار ولصقها على اللوحات الطرقية" مشيراً إلى قيام المديرية أيضاً بتوقيع مذكرة تفاهم مع جامعة إدلب بهدف تدريب طلاب الجامعات باعتبارهم يمثلون الشريحة المثقفة والواعية، كما تم التركيز على طلاب كلية التاريخ، وإعدادهم ككوادر علمية مؤهلة من خلال تزويدهم بالخبرات العلمية والعملية التي تمكنهم من إعداد التقارير، إضافة إلى تدريبهم على كيفية العناية بالآثار، وطرق الترميم العلمي ليكونوا رديفاً للعاملين في دائرة الآثار