ماذا فهم الأهالي من نزع السلاح؟

خوف التنظيم على مستقبله في دير الزور

لا يتوانى أبو مهيدي -وهو فلاحٌ من ريف دير الزور- عن التشكّي من ظلم "الدولة" أمام ضيوفه، حين يأنس منهم تبرّمهم بها. ويتناسب هذا التشكّي طرداً مع تفاعل الضيوف معه؛ ففي البداية يفتح موضوع فرض "الجلجاب" (هكذا يسمّيه)، ليبدي استغرابه من هؤلاء الذين يطعنون "بحشمة نسواننا"، ثم ينتقل الى انتشار ظاهرة تشبّه الشباب بالمهاجرين، وهكذا حتى يصل إلى "تشليح الدواعش" الأهالي سلاحهم.

ويبدو أن كمية السلاح المصادرة تتفاوت بحسب خطورة أهالي المنطقة على مستقبل التنظيم، مستعيناً بالمعلومات التي يدلي بها مناصروه المحليون. وقد بدأت المسألة مع عشيرة الشعيطات، إثر اجتياح التنظيم قراها، بفرض غرامةٍ قدرها أربعة آلافٍ وخمسمئة بارودةٍ عليها، ولم تنته بقرية الكسرة التي ألزم أهلها بتسليم أربعمئة بارودةٍ منذ أيام. وبينهما صادر التنظيم بندقيةً من كلّ بيتٍ في العديد من القرى، متدرّجاً في التهم من قتال "الدولة"، إلى الردّة، إلى العمالة للنظام. ولا يختلف الأمر في مدينة دير الزور، ولكن تسليم السلاح هناك فُرض على الألوية والكتائب. فبعد أن صادر التنظيم سلاحهم المتوسط والثقيل، طلب من قادة الفصائل جرداً بالسلاح الخفيف الذي يملكونه، وبعد مدّةٍ جرت مطابقة الأعداد مع المعلومات التي جمعها أمنيو التنظيم عن طريق أعوانهم في المدينة، لتشنّ بعدها حملات الاعتقال والتفتيش لجمع السلاح.

ولأن السلاح الذي في حوزة الأهالي لم يكن لغرض قتال النظام بالضرورة، بل كان الكثير منه للحماية أو للصيد أو لمجرّد حبّ الاقتناء؛ فقد أبدى الكثير من الناس -الرماديين خاصّةً- في أحاديثهم اليومية ارتياحهم لحملة نزعه، لأنه استُعمل في فترات سابقة للتشليح والسلب والمشاكل (كما حدث في شجارٍ، راح ضحيته عشرات الجرحى والقتلى، بين فخذين من عشيرة البقارة في الصعوة). ولكن، وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي يرى أصحابها أن التنظيم -بهذه الخطوة- إنما يهيّئ الأوضاع لتسليم دير الزور للنظام، دون أن يستطيع سكانها المقاومة؛ فإن أغلب الناشطين، والكثير من الأهالي الذين يتابعون أخبار التنظيم في العراق بترقبٍ -أبو مهيدي أحدهم- يعرفون خوف التنظيم من انقلاب الأهالي عليه، كما حصل أيام الصحوات في وقتٍ سابق. ثم إن الداعين إلى توحيد البندقية تحت أية رايةٍ، من مقاتلين وعاملين في الشأن العامّ (أبرزهم خطباء المساجد)، لا يغيب عنهم ما حدث في أجزاء من العراق (مثل جرف الصخر، وأجزاء من كركوك) بعد نزع التنظيم سلاحها، وتركها تواجه قدرها أمام الميليشيات الشيعية هناك. وهو السيناريو الذي ستعيشه دير الزور قطعاً، كما يرى المتشائمون: "فهذولة" الجهلة المزايدون (لا يستثنون المهاجرين من ذلك الحكم) الذين يحاربون على أرضٍ لا تخصّهم، ويدّعون الدفاع عن أناسٍ لا تربطهم بهم صلة، "هذولة" الذين يسحبون حواجزهم بعد المغرب، خوفاً من هجومٍ محتملٍ عليها، "هذولة الجرابيع" الذين جاؤوا ليتزوجوا و"ياكلوا سنيكرز" -كما يكرّر المتشائمون-؛ لن يستطيعوا أن يقفوا في وجه النظام إذا قرّر فتح معركةٍ حقيقيةٍ معهم، كما يفعل مع ثوّار الغوطة وحلب ودرعا.

ويرى ناشطون عاملون في الخفاء أنّ "اهتمام أهالي الريف بالسياسة يخفّ تبعاً لابتعادهم عن مراكز المدن، بخلاف الحرب التي يشكلون عنصراً أساسياً فيها، إن لم يكن العنصر الحاسم. الأمر الذي وعاه قادة التنظيم جيداً، بالاستفادة من تجربة العراق، ولذلك سعى إلى إفراغ المدن من الناشطين، بالتوازي مع إفراغ الريف من السلاح. وإذا صحّ أن النظام سلح الأهالي بمئات البنادق -كما يؤكّد أبو مهيدي- فإن ما جمعه التنظيم منهم يتجاوز عشرات الآلاف".

تبدو ظاهرة نزع سلاح الأهالي سياسةً ممنهجةً لا تستثني أحداً. وأبو مهيدي نفسه سلّم بندقيته حين لم يجد مفرّاً من ذلك. لكنه لم يخبر أحداً، سوى دائرته الضيقة، أنه اشترى تلك البندقية ليسلّمها بدلاً من بارودته البرنو التي يراها أهمّ ما ورث عن أبيه.