صار شراء الألبسة المستعملة (البالة) الحلّ الأمثل لكثيرٍ من الذين يعيشون في سورية، وأصبحت محالّ بيع هذه الألبسة مصدر رزقٍ للعديد من الأسر.
مع انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وتراجع عجلة الاقتصاد بعد انتعاشٍ ملحوظٍ بين عامي 2005 و2010، وفرض عقوباتٍ خارجيةٍ على حكومة النظام؛ يقول تقريرٌ أنجزه المركز السوريّ لبحوث السياسات، بالتعاون مع منظماتٍ دولية منها برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ، إن الاقتصاد السوريّ خسر 200 مليار دولارٍ حتى نهاية العام الماضي، كما ارتفعت نسبة الفقر لتفوق 80% من مجموع السكان، الذين انعكس كلّ ذلك سلباً على حياتهم من نواحي المحروقات والمأكل والملبس.
وإذا تتبعنا موضوع الألبسة نلاحظ أن المواطن صار يواجه مصاعب كبيرةً في كيفية التعامل مع الواقع الجديد؛ بعد تدمير طيران النظام لكثيرٍ من معامل الألبسة وخروجها عن الخدمة، والارتفاع الباهظ للأسعار، مما أدّى إلى انتشار الألبسة المستعملة التي اعتاد الناس أن يطلقوا عليها بالعامية اسم (البالة).
ولعل مدينة إدلب من أكثر المدن التي اشتهرت مؤخراً بانتشار محالّ البالة فيها، عقب تحريرها في شهر نيسان من العام الجاري، وتحوّلها إلى مركز إيواء وتجمع كثيرٍ من السوريين، وبسبب قربها من الحدود التركية، وكثرة مخيمات النازحين في ريفها؛ مما جعل منها مركز الشمال والتجمّع الأكبر سكانياً بين المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.
وبلقائنا مع السيدة أماني، وهي مديرة روضة أطفالٍ في المدينة، قالت: "إن غلاء أسعار الألبسة الجديدة، تزامنا مع بقاء الدخل الماديّ كما هو؛ انعكس سلباً على الشعب السوريّ عامةً وعلى سكّان المناطق المحرّرة خاصّةً ومنها مدينتي". وتتابع: "لم أعد أستطيع شراء ملابسي من محالّ الألبسة الجديدة؛ فراتبي -الذي لا يتجاوز 20 ألف ليرة- يكاد ينفق في الثلث الأول من الشهر؛ ما اضطرّني إلى أن ألجأ إلى البالة كبديل".
تقسم البالة إلى قسمين؛ تلك الموجودة في المحالّ التي تنتشر في كلّ حيٍّ من أحياء المدينة، ويتراوح سعر القطعة فيها بين 500 و3000 ليرة. أما النوع الثاني فيسمّى بالة البسطات، أي تلك التي توضع على عرباتٍ خشبيةٍ وتتنقل في الأسواق (البازار)، كسوق الأربعاء أو الجمعة. وتتراوح أسعارها بين 50 إلى 100 ليرة للقطعة، ولكن جودتها تقلّ على تلك التي توجد في المحالّ. وتشتهر مدينة إدلب بسوق الأربعاء الذي يناسب كافة المستويات المعيشية، والذي يحوي ما يحتاجه المواطن من أحذيةٍ وقماشٍ وحتى ألعاب الأطفال.
وبالمقارنة بين أسعار الألبسة الجديدة ونظيرتها في البالة نلحظ فارقاً كبيراً في الأسعار. فسعر المانطو النسائيّ الجديد يتراوح بين 7 و15 ألف ليرةٍ، أما مثيله في البالة فإن ارتفع سعره لن يتعدى الـ2000 ليرة. وكذلك الكنزة التي وصل سعرها إلى 3000 ليرةٍ في محالّ الألبسة الجديدة، بينما يمكن شراؤها من البالة بسعر 600 ليرة، ومن قماشٍ أفضل بكثير. ويتراوح سعر الجاكيت بين 5 و6 آلاف ليرةٍ في المحلات، بينما يمكن للمشتري أن يجده في أسواق المستعمل بسعر 3 آلاف ليرة ومن ماركاتٍ جيدةٍ ونوعيةٍ ممتازة. وتطرّقت أماني إلى الفارق الكبير في النوعية بين كلا الطرفين، فسبب قلة الرقابة وغياب المحاسبة على معامل وورشات صناعة الألبسة صار منتجها رديئاً وذا جودةٍ منخفضةٍ جداً.
كما دخلت البالة أيضاً بمساهمةٍ من الهيئات والمنظمات الإغاثية التي عملت على جمع الملابس من سكان المناطق السورية الأخرى، أو من الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان وغيرها، لترسل إلى داخل سورية وتوزّع على المحتاجين. فقد أصبح غالبية الناس في حاجةٍ، وبعضهم لا يستطيع شراء قطعة اللباس حتى وإن كانت من البالة وبسعرٍ قليل. وكانت لحملات جمع الثياب التي قام بها سوريون داخل البلاد وخارجها أهميةٌ كبيرةٌ في التخفيف عن الناس وتأمين ما يردّ عنهم برد الشتاء وحرّ الصيف.
وائل، أحد الشبان المتطوّعين من ريف حماة الشماليّ، يقول: "كنا السباّقين إلى هذه المبادرة. قمتُ ورفاقي بجولةٍ على المنازل في قلعة المضيق وكفرنبودة والقرى المحيطة بهما، وجمعنا ما استطعنا جمعه من الألبسة المستعملة وقمنا بتوزيعه على النازحين في ريف إدلب، وخاصّةً المقيمين تحت الأشجار. فوجئنا بتجاوب الناس معنا وتفاعلهم مع الحملة، فقد جمعنا الكثير من الألبسة".