فرار أغلب العاملين في الـــمجال الصــــحي ودمـار معظم معامل الأدوية

فرار أغلب العاملين في الـــمجال الصــــحي ودمـار معظم معامل الأدوية
سورية والكارثة الــصحية.. الأوبئة الـــــتي تحاصر مناطق النـزوح وتمتد إلى الجوار

لم يضِف تقرير منظمة الصحة العالمية، الذي صدر مطلع الشهر الحالي، إلى صورة المأساة الإنسانية في سورية شيئاً، بقدر ما وثّق بعض المعلومات بالأرقام والبيانات والدلائل العملية، ليضع الأمم المتحدة أمام استحقاقٍ تهرّبت منه عبر مختلف مبادراتها، تاركةً الحلول البسيطة التي لا تلغي نسبة ضئيلة من حجم المأساة بيد المنظمات الإنسانية والهيئات اللاحكومية، التي تتعرض بدورها للتضليل وسرقة موارد الإغاثة أحياناً.

 

انهيار المنظومة الطبية

ركّز تقرير منظمة الصحة على الجانب الطبي ليظهر انهيار القطاع الصحي في سورية، وانعدام وجود موازين ضابطة في مختلف الأراضي السورية للحالة الصحية للمواطن، بعد خروج غالبية المستشفيات من الخدمة (وثّقت المنظمة ثلثها بينما تشير تقارير إلى ثلثين)، وفرار حوالي 70 بالمئة من العاملين في هذا القطاع، ما أدى حتمياً إلى انهيار المنظومة.
وورد في التقرير أن تفشّي أمراض التهاب الكبد الوبائي أو التيفوئيد أو الكوليرا أو الإسهال أصبح أمراً حتمياً في سورية وبين النازحين في الدول المجاورة هذا الصيف. وقال مدير المنظمة المعني بالأمراض المعدية، جواد محجور: «إن كافة عوامل الخطر التي تعزّز انتقال الأمراض المعدية في حالات الطوارئ متوفرة في الأزمة الحالية في سورية وجيرانها من الدول». وفي تفاصيل التقرير يتضح أثر تدمير معامل الأدوية السورية وتوقف بعضها عن العمل، خاصة وأن أغلبية هذه المعامل تقع في ريف حلب وريف دمشق وحمص. وقد أدى ذلك إلى انهيار البنية التحتية للرعاية الطبية.

 

النزوح هو المشكلة الأخطر

وترجع أسباب هذه الأزمة إلى مجمل العمليات العسكرية في سورية، وكثرة النازحين من مناطقهم في الداخل، وانتشار المخيمات في الدول المجاورة، وقلّة الرعاية الصحية والطبية، خاصة مع قدوم فصل الصيف. إذ قالت المنظمة إن هناك 4.25 مليون سوري نزحوا داخلياً في ظروف غير صحية بسبب التكدّس في أماكن مزدحمة. وجاء في التقرير أن «العجز في توفير مياه الشرب الآمنة، والعراقيل التي تواجه برامج التطعيم، تزيد من المخاطر». ووفقاً لمكتب المنظمة في شرق المتوسط، تنتقل الأمراض من سورية إلى الجوار مع عبور آلاف السوريين الحدود كل يوم.
وكانت إليزابيث هوف، مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في دمشق، قد أعلنت في شباط أن الوضع الصحي في سورية كارثي، لأن أكثر من ثلث المستشفيات قد دمرت، وأن نحو 78% من سيارات الإسعاف قد تضررت، كما أن نحو 50% من الأطباء في حمص قد غادروا المدينة، ونحو 30% من الأطباء في درعا كذلك. ولفتت إلى أن منظمة الصحة العالمية تواجه مشكلات كبيرة في سورية، إذ لا يوجد لديها ما يكفي من الإمدادات الطبية لتقديمها.
ورأت مديرة المنظمة في دمشق أن أهم ما يواجه أي محاولة إغاثية أو تحسينٍ للواقع الصحي هو مشكلة الوقود وانقطاع الكهرباء، إذ يصعب توفير مستلزمات المعالجة للمشافي وسواها.وقالت هوف إن مشكلة المواصلات تشكل عبئاً كبيراً على المنظمة وعلى كل من يعمل معها، فلا يمكن الوصول إلى الكثير من المناطق التي تحتوي حالات مرضية كبيرة وانتشارٍ للأوبئة، كما أنه من الصعب نقل الكثير من المصابين إلى المشافي، ووصول الكوادر الطبية إليهم يبدو مستحيلاً أحياناً. ومن الجدير بالذكر أن انخفاض قيمة الليرة السورية، وازدياد الاعتماد على الأدوية المستوردة في ظل دمار المعامل، أدى إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في أسعار الأدوية بنسبة ضعفين إلى أربعة أضعاف، وسط طلبٍ يتزايد عليها، خاصة في المناطق المنكوبة وتلك التي تتعرض للقصف اليومي. بينما يقتصر دور المشافي الميدانية على معالجة الحالات الطارئة والجروح وتوزيع بعض الأدوية واللقاحات التي تقلّ يوماً بعد يوم، ما ينبئ بكارثةٍ لقاحيةٍ  قد تؤدي إلى انتشار أوبئة بين الأطفال ربما تكون مدمّرةً لمستقبلهم.