صيد الضباع في إدلب .. مهنة غريبة تلفها الأساطير والذكريات

بعدسة الكاتبة

يستدرج خالد بيور الضبع إلى خارج وجره بحركات يديه وصوته الذي ينادي قائلاً "تعال ضبع تعال"، يمسح على ظهره بكل لطف ومودة، وما إن يهدأ الضبع ويستسلم مثل هر لطيف زال عنه التوحش، يباغته بيور بوضع اللجام قفل من الحديد المتين على فمه المخيف. هكذا يصطاد خالد ووالده من قرية كفروما الضبع في مدينة حارم شمال غرب سوريا بجانب المخيم الذي يسكنون فيه، والذي بني على رأس جبل عال قرب الحدود التركية.

يكتشف خالد فيما بعد أن الضبع الذي اصطاده مريض، وهذا ما جعله يقع فريسة الصيد، لأن غيره من الضباع هاجر وسافر بعيداً إلى جبال الساحل السوري في اللاذقية أو إلى جبال تركيا، بعد أن اقتحمت جحافل النازحين مناطق أوجارهم، لكنه مازال يبحث عن ضبع آخر ليصطاده بنفس الطريقة حسب وصفه.

أبو محمد (60 عاماً) من سكان مدينة حارم يؤكد أن هذه الجبال كانت قبل النزوح مهجورة لا يسكنها إلا الحيوانات المفترسة والمخيفة، لكن الازدحام السكاني بعد موجة النزوح الأخيرة جعلت النازحين يبنون مخيمات في هذه المناطق، وجعلتهم يقتحمون حتى مساكن الضباع المهجورة، الأمر الذي جعل هذه الضباع تغادر وتهرب إلى أماكن أخرى لتجد مكاناً تسكن فيه بعيداً عن البشر، كالجبال التركية والساحلية السورية، وبعيداً عن خالد ورفاقه من الصيادين.

لا يقتصر الصيد الذي يزاوله خالد ورفاقه في هذه الجبال على الضباع، بل يتعداه إلى حيوانات أخرى كالقنافذ والثعالب، ولكل حيوان أسلوب خاص وطريقة خاصة للصيد تعلمها خالد البيور من "المرحوم جده" الذي ينحدر من مدينة كفروما في ريف معرة النعمان الغربي. يقول البيور: " تعلمت هذه المهنة من المرحوم جدي، كنت أذهب معه في رحلات لصيد الحيوانات المفترسة، كان مولعاً بها وقد علمنا إياها".

ويتابع قائلاً "للثعلب طريقة تختلف عن المناجاة والترويض والمسح على وبره وشعره، فهو ماكر ولا يستجيب لنداء الإنسان، لذلك يستعمل معه طريقة أخرى تبدأ بربط حبل طويل بحجر، ويلف الحبل على باب الوجر بحيث لا يبقى الباب  إلا مخرج ضيق يتسع لخروج الثعلب فقط، وما إن يخرج من وكره يلتف الحبل الموصول بالحجر عليه تلقائياً ويمنعه من الهروب، فنقوم بإمساكه". ويوضح  أن صيد القنفذ البري (الشيهم) يتسبب بأذى أكبر للصيادين من باقي الحيوانات، فهو يحتاج لحنكة أكبر كما يشرح أبو بيور، فحين يقترب منها عادة ليصيدها يمكن أن تقوم بعملية نفض الريش الحاد والمسنن، الذي يسبب أذية خطيرة ويترك جروحاً وندوباً ظاهرة بالفعل في وجه خالد ورفاقه.

هناك فوائد مادية يجنيها الصيادون من هذه المهنة. ماجد (35 عاماً) يشتري القنافذ البرية من أجل لحمها الذي يأكله البعض، يقول: "القنفذ يزن 8 كيلو غرام من اللحم الأحمر اللذيذ الذي يشبه طعم الأرنب البري".

أما الضبع فهناك بعض الفوائد الغريبة التي يجهلها الكثيرون والتي تختلف عن فائدته كنموذج لحيوان مفترس في حديقة الحيوان. يقول والد خالد وهو أحد المعاصرين لتاريخ صيد الضباع في قرية كفروما: "يستعمل الضبع من قبل مهربي المخدرات والحشيش، فهم يشترونه بأغلى الأثمان لاستخدامه في التهريب. الكلاب البوليسية تهرب عندما تشتم رائحة الضبع، لذلك يصطحب المهربون رأس ضبع معهم لتهريب ما يودون تهريبه، لهذا السبب كان سعر رأس الضبع المقطوع غالياً جداً". أما الثعالب فيقول خالد أنه يبيعها للتجار بغرض صناعة بعض المحافظ الجلدية غالية الثمن.

ما زال والد خالد البيور يتذكر الأيام الجميلة التي كان يقضيها مع جده وصيادين آخرين في جبال قرية محمبل في جبل الزاوية، ويوضح بعض صفات الضباع التي كانوا يصطادونها، ويروي كيف كان البعض يحولون الضبع من حيوان مفترس إلى حيوان أليف، بعد أن يتولوا تربيته ورعايته منذ صغره بين البشر، ويسرد في هذا المجال قصة ابن عمه الذي لقب ب"الضبيع" لكونه تربى ورضع الحليب مع أحد صغار الضباع الذي اصطاده جده من جبال محمبل "لعبا سوياً وكبرا سوياً" يختم أبو خالد. ويشير إلى تراجع هذه المهنة بسبب هجرة الضباع، وتغليب صيد الحيوانات البرية الأخرى كالثعالب والقنافذ لتوفر الكثير منها في المنطقة.