سراقب ثورة لن تنكسر

متداولة على الانترنت

قبل أن تنزح آلاف العائلات من مدينة سراقب، أدّى أهلها واجبهم تجاه مدينتهم، حملوا معاولهم، لا لزراعة الأرض السهلية الخضراء المحيطة بالمدينة هذه المرة، بل لتدشيمها من خطر قوات الأسد الذي بات على بعد كيلو مترات منها، وصنع سواتر ترابية شارك في بنائها معظم أهالي سراقب (شيباً وشباناً ونساء وأطفالاً).

تعيدك الصور المتداولة من هناك إلى أيام الثورة الأولى، وتدفعك إلى القول «هذه القلعة لن تسقط»، فمعظم رجال المدينة أرسلوا أطفالهم ونساءهم إلى مناطق أكثر أمناً ليعودوا إلى مدينتهم. «فسراقب لن تسقط إلا على جثثنا»، تلك الكلمات التي تداولها أبناء المدينة وأسمعوها للعالم أجمع.

وعلى الرغم من سيطرة النظام على تل السلطان (13 كيلو متر عن سراقب)، واقترابه من الطريق الدولي (حلب-دمشق) الذي لم يعد يفصله عن الوصول إليه سوى قريتي تل الطوقان وإسلامين، إلا أن جميع الثوار في المدينة عقدوا العزم على الدفاع عن مدينتهم، وشكلوا جيش سراقب الذي ضم في البداية معظم الفصائل المقاتلة في المدينة، قبل أن تلتحق به مجموعات من «جيش إدلب الحرة، وجيش العزة، وجيش النصر، وفيلق الشام، وأحرار الشام، والحزب الإسلامي التركستاني، ومجموعات من هيئة تحرير الشام» بحسب محمد العوض إعلامي جبهة ثوار سراقب التابعة لجيش إدلب الحر.

لم يكتف الأهالي بتعزيز دفاعات المدينة بل أطلقوا حملة تبرعات لشراء السلاح والذخيرة لشبانهم للدفاع عن المدينة. «الوضع العسكري جيد، ونقاط الرباط انتشرت على كافة الجبهات، كما شكل مجلس شورى يضم ممثلين عن جميع الفصائل المشاركة»، يقول العوض الذي تحدث عن الواقع الخدمي السيء في المدينة، فلا ماء ولا كهرباء ولا خبز، كما أن نظام الأسد استهدف المشفى الوحيد في سراقب ومركز الدفاع المدني والمجلس المحلي وسوق البطاطا وسوق الهال وأفران الخبز.....بمئات الصواريخ والقذائف ومن مختلف الأنواع، ما دعا المجلس المحلي في 28/1/2018 إلى إعلان سراقب مدينة منكوبة، ودفع ما يقارب (80%) من سكانها إلى النزوح نحو مدينة إدلب وسرمدا وبلدات ريف حلب الغربي، يرافقهم مئات العائلات النازحة في سراقب من قبل.

«توحدت الخنادق»، هكذا قال أبو محمد النازح في مدينة الأتارب بعد أن تحدث لعين المدينة «بأن ما يحصل الآن يعيد للثورة ألقها الذي فقدته»، فمئات الشبان من ريف حلب الغربي تواصلوا مع جيش سراقب للانضمام إلى صفوفه، إلاّ أن الأخير أخبرهم بوجود عدد كاف من المقاتلين، وبأنهم لا يحتاجون في هذه المرحلة سوى إلى الدعم اللوجستي.

سامر قربي (عضو الهيئة الثورية العامة لمدينة حلب) قال إن العمل جار للتواصل مع المنظمات الإنسانية، من أجل تقديم الدعم اللوجستي (مازوت طعام مياه شرب...) للثوار في سراقب، وتشكيل لجان إعلامية لتسليط الضوء على الجرائم المرتكبة في المدينة، وتفعيل الحراك الثوري في المنطقة لدعمهم في حال تعرضهم للهجوم.

على الرغم من المشهد الطوباوي الذي ترسمه سراقب هذه الأيام، إلا أن غصة تسكن في حلوق أهلها، بعد أن بات ثمن النزوح مئات من الدولارات. فإيجار البيت في مدينة إدلب وصل إلى 200دولاراً وزاد عن ذلك في سرمدا والدانا، هذا بالإضافة إلى 50 دولاراً كتأمين للبيت و25000 ليرة سورية لدلال العقارات. هذا ما قاله جلال الدين الأطرش في تسجيل صوتي عبر الواتس آب، توقف صوته فيه عن التنفس مرات عديدة، ليتساءل عن معنى التأمين الذي لم يسمع به سابقاً، وينهي حديثه ب«حسبي الله ونعم الوكيل».

ستقاوم سراقب بلا شك، وسواء تمكنت قوات الأسد من احتلالها أم لا فإنها منتصرة، لأنها أحيت روح ثورة تكاد أن تندثر.