حزب الله... شهادةٌ من البيت الداخليّ

يسجّل رامي علّيق، المقاتل في حزب الله ثم المسؤول في التعبئة الطلابيّة له، تجربته الصاعدة في الحزب، بالتوازي مع صعود هذا التنظيم في الساحة الشيعيّة والحياة اللبنانيّة العامّة، منذ النصف الثاني لثمانينيات القرن الماضي، وحتى غادر علّيق هذا الحزب وعصبويته الضيقة، التي يروي بعض معالمها في هذا الكتاب، الذي صدرت طبعته الثانية عن منشورات «طريق النحل» ببيروت، عام 2008.

نشأ علّيق في عائلــــة جنوبيّـــة تعنى بالممارسات الدينية أحياناً، دون أن تنطلق منها إلى أبعادٍ سياسية، كما كانت حال معظم العائلات الشيعيّة اللبنانيّة في السبعينيّات وما قبلها. وبعدما كانت حركة أمل هي المسيطرة على الشارع الجنوبي، كان أول ظهورٍ علنيّ لحزب الله ـ الذي سيسيطر لاحقاً ـ بمظاهراتٍ جرت في بلدة جبشيت، وفي ضاحية بيروت الجنوبيّة. وكان مما أثار استغراب الشيعة أنفسهم وجود نساءٍ بالشادور الأسود، وشعاراتٍ تشيد بالثورة الإيرانيّة التي كانت قد جرت قبل سنواتٍ قليلة. فإذا كان معجم التصدّي للاحتلال جزءاً طبيعياً من لغة أهل الجنوب، فإن معجم الثورة الإيرانية شكّل منطقاً جديداً تسلل إلى أحاديث الناس ووسائل الإعلام، وبدأ يجذب الشباب، عبر لغة التحدّي والتضحية التي تذكي الانفعال. وبالتزامــــــــن مع نفـــور النـــــــاس من حركة أمل، التي اشتهر عناصرها بتجاوزاتهم ورعونتهم؛ كان الأفراد الذين انتموا إلى حزب الله قد انتظموا في خلايا ومجموعاتٍ في أرجاء الجنوب والبقاع وبيروت، وكان نشاطهم الأبرز هو العمليات العسكريّة ضد إسرائيل، والتغطية الإعلاميّة لهذه العمليّات، وبعض الأعمال التربوية في المدارس والجامعات. وكانت دعاية نظريّة الخمينيّ في «ولاية الفقيه» تتغلغل في المساجد، يبثها مشايخ في نفوس شبانٍ ثاروا على نمط حياة أهاليهم، وبدأوا بمحاولة فرض أفكارهم في البيوت والمؤسّسات. فمنذ انضمام كاتبنا اليافع إلى الحزب قرّر نشر جريدة حائطٍ تحوي صورةً للخمينيّ ومقالاتٍ دينيّةٍ، رغماً عن مدير المدرسة الذي رفض تعليقها لأن المدرسة خاصّةٌ لا انحيازات سياسيّة أو دينيّة لها. وإثر قيام المدير بفصل الطالب الذي اصطدم معه بشراسة ووقاحة، لجأ الأخير إلى مسؤول التعبئة الطلابية للحزب في منطقة الجنوب، الذي طمأن المراهق إلى أن الحزب سيعيده إلى المدرسة رغماً عن إرادة المدير. وما هي إلا أيامٌ حتى أغلقت المدرسة أبوابها لثلاثة أيام، احتجاجاً على تلقّي مديرها تهديداً بالسلاح، مما اضطره إلى الاستعانة بنفوذ حركة أمل، ليسلم من رصاصات الحزب. ويبدو أن الدرس الأول كان بالغ التأثير، فعندما انتسب الشابّ إلى الجامعة الأمريكيّة ببيروت، وصار ممثل التعبئة التربوية للحزب فيها، لم يغادر ما تعلّمه من التشبيح، منطلقاً من كره وإدانة المكان الذي يدرس فيه، بعد أن أعلن الخمينيّ أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، ومن حشد أفراد طلاب الحزب في الجامعة بناءً على فكرة التكليف الشرعيّ المستند إلى ولاية الفقيه، مما يجعل أيّ أمرٍ يوجّهه المسؤول إليهم أمراً شرعياً! وبنـــــــاءً على هذا، لم تتــــــورّع مجموعة حزب الله عن اخــــتراق أنظمة امتحان الدخول إلى الجامـــــــعة، بهدف تمكين أكبر عددٍ من الطلاب الشيعة من الانتساب إليها. وعندما انكشــــــفت بعض هذه المحاولات طلب علّيق من الإداريين المسؤولين عن الموضوع «بلغةٍ لم تخلُ من الترهيب» عدم إثارة الموضوع، فلم يفعلوا. كما كان «مهامّه» الطلب إلى الأساتذة في نهاية كلّ فصلٍ دراسيٍّ زيادة علامات طلاب الحزب الذين كانوا بحاجةٍ إلى رفع معدّلاتهم، بأسلوبٍ يجمع بين الترغيب والترهيب. وصار المسؤول الطلابيّ مرجعاً يحلّ الخلافات بين عددٍ من الأساتذة، ولا سيما الشيعة منهم، محاولاً جمعهم في

دائرة مصالح واحدة، بذريعة تعرّض هذه الطائفة لمحاولات إقصاءٍ تاريخية! كما صار عددٌ من الأساتذة والإداريين يبادرون إلى الاتصال بهذا الطالب النافذ، لإطلاعه على ما يدور في الأقسام المختلفة، وتزويده بملفاتٍ إداريةٍ أو مالية، وطلب التدخّل والدعم! كيف لا وقد وصلت قوة علّيق إلى درجة الطلب من عميد الطلبة في الجامعة وموظفيه إخلاء مكاتبهم الشخصيّة، إثر أحد الصدامات والتجاوزات، التي يعترف المؤلف نفسه بأنها لا تحصى. إنه فصلٌ واحــــــدٌ وصغـــــــــــــــيرٌ من فصول هيمنة حزب الله على الحياة اللبنانيّة العامّة، بالزعرنة الممنهجة. وهو ما ندفع اليوم ثمنه جميعاً، في لبنان وسوريا والمنطقة.