صدر هذا الكتاب مؤخراً عن مكتب عمّان لمؤسّسة فريدريش ايبرت البحثية، وهو يضمّ أوراق مؤتمرٍ دوليٍّ مصغّرٍ بعنوان «سر الجاذبية: داعش، الدعاية والتجنيد»، نظّمته المؤسّسة في حزيران 2015.
أثناء الإعداد للمؤتمر رأى منظّموه أن من الضروريّ فهم عدم تجانس أتباع التنظيم، فقسّموهم إلى ثلاث مجموعات؛ 1- الجهاديين المحليين من مناطق يسيطر عليها التنظيم، كسورية والعراق، 2- القادمين من الشرق الأوسط والبلدان الإسلامية، 3- الجهاديين الغربيين.
وفي البداية يرى الباحث المتخصّص حسن أبو هنية أن جاذبية التنظيم وقدرته على التجنيد تعودان إلى ستة أسبابٍ رئيسية: 1- فشل الدولة القطرية في تحقيق طموحات شعوبها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وسقوطها في الدكتاتورية التي دعمتها مؤسّسةٌ دينيةٌ مستتبعةٌ ومترهلة، 2- بروز النزعة الطائفية في صراعات المنطقة، وخاصةً بعد اندلاع الثورة السورية، واستثمار داعش في الأسس الهوياتية السنّية، 3- رمزية الخلافة الإسلامية، 4- مناهضة الإمبريالية الغربية في عالمٍ ذي قطبٍ واحد، 5- ثورة الاتصالات والشبكات الاجتماعية التي استثمرتها التنظيمات الراديكالية لبث رسالتها الفكرية والإعلامية ولعمليات التعبئة والتجنيد، 6- الثورات المضادة للربيع العربيّ، والقمع الوحشيّ الذي مارسته بعض الأنظمة وفاقم الشقاق المجتمعيّ وأغلق الباب أمام التغيير بالطرق السلمية.
أما حسان الصفدي فيقدّم تصوّره عن داعش في الحالة السورية، فيرى أن التنظيم هنا أقلّ تجذراً من العراق، حيث قادته وحاضنته التي عانت من ممارسات الحكومة الطائفية وميليشياتها عندما غابت حركات المقاومة العراقية عن ساحة التأثير والفعل، بينما وقف الثوّار السوريون والجيش الحرّ في مواجهة داعش، بل إن لها منافساً من البيت الداخليّ نفسه في سورية (جبهة النصرة) في حين ورثت كامل قواعد تنظيم القاعدة في العراق. بالإضافة إلى الوسطية الشائعة عن طبيعة الإسلام السوريّ وعلماء الشريعة فيه. ولولا بطش النظام المفرط وتنكّر العالم لنصرة الثورة لما وجد هذا الفكر طريقه إلى البلاد وإلى بعض أهلها، الذين لم ينتموا إلى هذا التنظيم إلا بسبب ضعف التمويل، أو لانفراط عقد فصيلٍ عسكريٍّ ثوريّ، أو بسبب الإحباط من الموقف الدوليّ، ناهيك عن انضمام بعض أصحاب السوابق الذين رفضتهم التشكيلات الثورية واحتفى بهم التنظيم.
ويركّز عثمان المختار على الحالة العراقية لداعش، فيؤكّد، من خلال ملاحظاتٍ عيانيةٍ ودراسة نماذج، أن أهم الأسباب التي دفعت السنّيين إلى أحضان التنظيم هي الظلم والاضطهاد والتمييز على أسسٍ طائفية، فإذا أضيف إليها اليأس من التغيير بالوسائل السلمية الداخلية أو الجهود السياسية المدعومة من الخارج، أمكن أن نفهم كيف يندفع شبانٌ غاضبون إلى صفوف القوّة الأكثر عنفاً وفاعليةً على الأرض. وأخيراً ما استطاع التنظيم تأمينه، في بعض المناطق، من المساعدات المختلفة للأهالي، وعيشهم الآن في «أمنٍ» نسبيٍّ بالمقارنة مع ماضي العيش في ظلّ الميليشيات شبه الحكومية وإتاواتها واعتقالاتها وإهاناتها المتنوّعة.
أما حالة الأردن فيتناولها وائل علي البتيري، الذي يرصد انشقاق التيار السلفيّ الجهاديّ هناك بين تأييد جبهة النصرة، وهو ما فعله بعض كبار الرموز وكان أبرزهم أبو محمد المقدسيّ، وبين تأييد داعش أو بيعتها، وهو ما فعله عمر مهدي زيدان وسعد الحنيطي وآخرون. ويبدو أن تيار داعش هو الأرجح بين القواعد السلفية الجهادية في الأردن، بالإضافة إلى استقطابه لعددٍ من غير المتدينين سابقاً، لدوافع لا تخرج عن ما سبق شرحه.
ويعترف عبد الله المالكي بجاذبية داعش لشرائح من المجتمع السعوديّ، وذلك لأسبابٍ أهمها أن التنظيم يحاكي السردية ذاتها التي قامت عليها الدولة السعودية الثالثة، ولا سيما مع تجربة (الإخوان) من البدو الذي وطّنهم الملك عبد العزيز في مستوطناتٍ (الهجَر) وأخضعهم لعمليةٍ كثيفةٍ من التأهيل السلفيّ المقاتل الذي قام به «المطاوعة» واعتمد مفاهيم التكفير والجهاد والولاء والبراء. حتى اصطدموا أخيراً مع الملك نفسه وسياساته الحديثة والبراغماتية، وكفّروا الدولة بسبب علاقاتها مع البريطانيين، وحكموا بانحراف أكثر أفراد المجتمع.
يخلص الكتاب إلى أن الاستراتيجيات العسكرية وحدها قد تقلل من قدرات التنظيم لمدّةٍ وجيزة، ولكنها مسألة وقتٍ حتى تعاود هذه الظاهرة البروز بشكلٍ أو بآخر. ولذلك فإن مكافحة المجموعات المتطرّفة بكفاءةٍ تقتضي الالتزام بحلولٍ طويلة الأمد لمعالجة عددٍ من المظالم الجدية التي تسهم في التطرّف، ولوقف الصراعات العنيفة التي تمزّق عدّة دولٍ في المنطقة. وتشمل الاستراتيجية المطلوبة: إنشاء هياكل للحكم الرشيد والمساءلة؛ تعزيز العدالة الاجتماعية للتغلب على شعور شرائح سكانية بالتهميش؛ الاستثمار في التعليم الأساسيّ والعالي؛ تشجيع التعددية وتعزيز الجهات الفاعلة المعتدلة من الإسلام السياسيّ؛ معالجة وافية لقضايا العائدين من التجارب الجهادية وتجنب إعادة إنتاج الظاهرة في السجون.