باستثناء البعض.. لا مشاهدين لدراما رمضان في إدلب

رمضان في إدلب ٢٠٢٢ - خاص عين المديتة

تحتفي وسائل إعلام النظام وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي بعودة الدراما السورية "للتألق" مجدداً في الموسم الرمضاني الحالي، وتغزو حلقاتها وسائل التواصل للإعلان والترويج لها، وتعزف على وتر "عودة وجوه غابت لسنوات" مثل نسرين طافش، ويتم عرضها على مئات المواقع الالكترونية التي تتيح للمشاهدين متابعتها بأي وقت ودون تكلفة أو عناء، لكنها لم تستطع اقتحام حياة السكان الذين لديهم العديد من التحفظات عليها في محافظة إدلب.

لا يمكن التغاضي عن الاحتفاء الذي رافق الدراما السورية لهذا الموسم، إذ عادت لتحجز مقعداً على قنوات ومواقع عربية ذات شهرة واسعة، لكن الظهور الذي جاء بمثابة صدمة كهربائية لمحاولة إنعاش الدراما المستلقية على سرير الاحتضار منذ سنوات، لا يبدو أن بإمكانه النهوض بها مجدداً بعد أن شاخت أو رحلت أو شحبت وجوهها المتألقة، دون أن تترك خلفها وجوهاً شابة يمكن الاتكاء عليها، كما أصبحت غير قادرة على تصوير الواقع السوري مع تشعباته واختلاف همومه وقضاياه، التي جعلته يلتفت لالتقاط قوت يومه، ويبتعد عن التقاط مشاهد لدراما لم يعد يعتبرها مرآة لواقعه.

وتنوعت المسلسلات السورية في رمضان الحالي بين الكوميديا والاجتماعي والفنتازيا والبيئة شامية، كما شهدت عودة وجوه غابت عنها لسنوات كما حدث مع أيمن زيدان في الجزء الثاني من مسلسل "الكندوش"، الذي تدور أحداثه وسط بيئة شامية في فترة الانتداب الفرنسي، لكن تصور الحارة فيه دون "عكيد" يتسكع فيها سكير، وتظهر بعض النساء بلا غطاء وجه، وهو ما اعتبره أيمن رضا مدير الشركة المنتجة للمسلسل، "نوعية وتصوير واقعي" للبيئة الشامية والحياة الاجتماعية في تلك الفترة.

لم يعرف الشاب غسان (32 عاماً من مدينة إدلب) شيئاً عن المشاكل التي دارت بين مخرج ومؤلف مسلسل الكندوش في العام الماضي، كما لم يعرف أنه بدأ عرض جزئه الثاني بعد معالجة درامية للنص؛ كل ما سمعه عن دراما رمضان هي نتف وبعض المشاهد الجريئة التي انتشرت عن مسلسل "جوقة عزيزة"، دون أدنى رغبة منه بالمتابعة.

يعتقد غسان أن "زمن الدراما السورية الجميل ولى إلى غير رجعة. لم يعد لها طعم ولا محتوى يمكن جذبنا في إدلب، فكل ما تبثه الدراما هي تصوير مشاهد انتصار الجيش على الإرهاب، ومشاهد جريئة لم نعتد عليها طيلة العقد الماضي".

وفي حال نجحت بعض المشاهد من مسلسل "وقف التنفيذ" في نقل صورة عن الواقع الذي يعيشه السوريين، وهو مسلسل تدور أحداثه في إحدى الضواحي التي تعرضت للدمار وهُجر أهلها بسبب الحرب، ومن ثم قرروا العودة إليها لتظهر الصراعات بين الطبقات الاجتماعية الفقيرة والغنية من خلال شخصيات متنفّذة وأمراء حرب، لكن يبقى المسلسل مجرد تسليط ضوء على المشاكل اليومية التي تتقاطع مع الظروف الجديدة التي أفرزتها الحرب، دون أن يضعها في سياقها السياسي والأمني والعسكري العام الذي عايشه المهجرون حتى اليوم في إدلب.

ويقول محمد أبو حمزة (طالب في جامعة إدلب) أن معظم المسلسلات مسيسة، وأنه "مع مرور الوقت أصبحت الهوة كبيرة بين ما تقدمه شاشات النظام وما يدور على أرض الواقع، كما أسهم التغير الديموغرافي التي طال الأراضي السورية وقسمها إلى دويلات تفصل بينها الحواجز وخطوط النار، باختلاف الوضع المعيشي للسكان وطريقة التعاطي معه".

يوضح أبو حمزة كلامه بأنه في إدلب لم يتعامل السكان مع البطاقة الذكية كحال السكان في دمشق، ويتابع أنه أقلع عن مشاهدة الدراما السورية منذ سنوات، إلا أنه يجري في كل موسم جولة على بروهومات وبوسترات المسلسلات "المحتوى تافه والأفكار مكررة ومقلدة من مسلسلات أخرى بشكل غبي جداً".

تصور الكثير من لقطات الدراما بين مشاهد الركام والدمار التي باتت أطلالاً لمدن المهجرين الذين أرغموا على تركها، كما تصور مشاهد أخرى في منازل مترفة وسيارات فخمة، هي حالتين بعيدتين عن واقع الحياة الإدلبية. كما طرأ على الدراما بعض التغيرات في السيناريوهات لتبدو أكثر جرأة في نقد الفساد وعرض تجاوزات رجال الدولة، إلا أن هذه التغيرات لم تخرج من تحت عباءة السلطة، حتى يمكن تلمس مباركة النظام للزخم الإعلامي المرافق للدراما، بهدف طرح "سردية وطنية" باستخدام الدراما لإظهار الوطن الذي تراه السلطة بأنه ضحية للفاسدين من ضعاف النفوس الذين لا ينتمون إلا لجشعهم.

هذا ما يظهر في مسلسل "كسر عضم" الذي تدور أحداثه حول علاقة مسؤولين في الدولة بتجار البشر والمخدرات والأعضاء، بينما يظهر فيه المتطوع في المخابرات بلهجة مختلفة "علوية" عن لهجة باقي شخصيات المسلسل، ليقدمه الأخير كمتطوع بسيط ذكي وعالم ببواطن الأمور، فساده لا يتجاوز السماح لأحد أقاربه بركوب دراجة نارية دون أن تتعرض له الشرطة، بانقلاب واضح على شخصية رجل الأمن المتنفذ والقوي والفاسد الذي دأبت الدراما سابقاً على تقديمه.

"كنا مفكرين دريد لحام وأيمن زيدان وغيرهن كانوا يضحكنا.. طلعوا بيضحكوا علينا" يقول حسن (طالب جامعي من سراقب) في التعليق على كوميديا هذا الموسم، التي يمثلها مسلسل "الفرسان الثلاثة". يصور المسلسل صراع موظف مع الحياة لتأمين لقمة العيش. ويؤكد حسن أن "الكوميديا السورية والإفيهات والمصطلحات التي تستخدمها باتت مكشوفة ولم تعد تستطيع إضحاكنا، بل صارت مصدر أوجاعنا". ويشرح ذلك بقوله "مشهد الموظف الذي يأخذ رشوة، والمدير الذي يخاف من المعلم الذي تظهر الكاميرا لقطات من كرسيه وسط ظلام دامس، هي مشاهد قديمة لم لها أي بعد فني أو تأثير علينا، نحن خرجوا لإسقاط النظام ودارت بينا  حرب دموية مستمرة منذ سنوات. يمكن لهذه المشاهد أن تجذب أناساً ما يزالون يعانون من سطوة الأسد".

من جهته يرى الصحفي محمد الحموي أنه لا وقت لإضاعته بمشاهدة دراما "مليئة بالسخافات، بلا نص جيد ولا إخراج مهني" وفق تعبيره. ويضيف "الثورة التكنلوجية أتاحت لنا مئات المواقع والعوالم الفنية التي تستحق المتابعة. مثلاً أتابع مسلسلات أجنبية و مصرية". ويوضح أن اختلاف طريقة عرض القضايا في الدراما السورية تشكل لديه ببعض الأحيان حافزاً للمتابعة ومعرفة طريقة تفكير مؤيدي النظام وتعاطيهم مع الواقع، "ولكن ما يصدني عن الاستمرار هو الممثل نفسه، الذي صرنا نربط بين رأيه السياسي وتصريحاته و(أدواره في المسلسلات)".

يسرد عبد الله (معلم في سرمين) قصة مسلسل بروكار في جزئه الثاني، الذي تدور أحداثه في بيئة شامية بحقبة الانتداب الفرنسي، ويقول "مدرك تماماً لحجم الأخطاء التاريخية وطريقة تعاطي المسلسل مع تلك الحقبة، إلا أن أجواءه يمكن مشاهدتها مع العائلة، كما أنها لا تمس الواقع الذي نعيشه". ويضيف: "حتى الأجواء الشامية التي أحببناها في مسلسل الخوالي وليالي الصالحية، سنحرم منها مع ظهور مسلسل جوقة عزيزة وغيرها". مشيراً إلى مسلسل "جوقة عزيزة" الذي لفت الأنظار لهذا الموسم، عبر طرحه لقصة راقصة تقيم حفلات برفقة جوقتها في إحدى الحارات الشامية القديمة، وهو ما أثار استهجان متابعين اعتبروا بأنه مسلسل "يتجنى على الماضي الدمشقي".