الفرقة الرابعة في ديرالزور.. أتاوى الحواجز واحتكار الخردة والآثار

من الإنترنت للفرقة الرابعة

يحقق المكتب الأمني للفرقة الرابعة عائدات مالية ضخمة من خلال تجارة الخردة والمعادن المسروقة، ومن خلال اللقى الأثرية، والأهم  الأتاوى التي تفرضها حواجز الفرقة على كل أنواع السلع والبضائع المنقولة على الطرق، ومهما كانت أغراض استخدامها أو كمياتها. 

قرب حاجز للفرقة في قرية الشولا على الطريق المتجه من ديرالزور إلى تدمر ومنها إلى دمشق وحمص أنشأ المكتب الأمني للفرقة الرابعة مستودعات ضخمة، يخزن فيها كل ما يجمعه لصوص المعادن والخردة، حديد التسليح وأسلاك الكهرباء النحاسية من المنازل المدمرة، الكوابل المنتزعة من شبكة الكهرباء العامة وشبكة الهاتف، الأبواب والشبابيك والأواني المنزلية المصنوعة من الألمنيوم، وكل أنواع القطع والصفائح والمضلعات المعدنية. 

مقابل تقديم الحماية، يحتكر المكتب الأمني للفرقة شراء  ما يجمعه اللصوص ومتعهدو جمع الخردة لا سيما من الأحياء المدمرة أو الخالية من السكان في مدن ديرالزور والميادين وعشرات البلدات والقرى في ريف المحافظة، ويفرض عليهم البيع بأسعار مخفضة.  يقول فايز (اسم مستعار) وهو شاب يعمل مع أحد متعهدي الخردة لـ“عين المدينة“، إنهم ينقلون "البضاعة" كلما اكتملت حمولة شاحنة صغيرة من مدينة ديرالزور إلى مستودعات الفرقة في الشولا، وهناك يحاسب مندوبو المكتب الأمني المتعهدين مباشرة بعد الوزن، وبالسعر الذي يشاؤون "لما كان كيلو النحاس بالسوق بـ8 آلاف كنا نبيعه بـ1500، والحديد بـ800". يقارن فايز بين أسعار السوق وأسعار الفرقة الرابعة التي لا يستطيع أحد الاعتراض عليها أو حتى رجاء زيادتها قليلاً بما فيهم أوثق التجار أو متعهدو الخردة صلة بالمكتب الأمني للفرقة، مثل "أبو صالح الشرمان اللي ما يسترجي يفك اثمه ولو بنص كلمة وقت الحساب". 

ومن هذه المستودعات تنقل قوافل الشاحنات حمولات الخردة إلى معمل درفلة الحديد الذي يملكه محمد حمشو رجل الأعمال المقرب من ماهر الأسد في منطقة عدرا الصناعية قرب دمشق، وعلى الطريق الصحراوي بين ديرالزور ودمشق، تشارك قوات من فرع البادية التابع للمخابرات العسكرية بمرافقة القوافل، إضافة إلى مجموعات الحماية الخاصة بالمكتب الأمني للفرقة الرابعة. في حين تبدو المخابرات الجوية في ديرالزور أقرب للفرقة الرابعة من باقي الأجهزة الأمنية. حيث تقدم "الجوية" خدمات متنوعة تسهل أنشطة شبكة اللصوص والمتعهدين التابعين للفرقة. 
قبل السماح للشاحنات بدخول مدينة ديرالزور، يبرز السائقون إيصالات بالمبالغ التي دفعوها مسبقاً في نقاط خاصة ينشرها المكتب الأمني في مدن دمشق وحمص وحماة وطرطوس واللاذقية. تحدد هذه الايصالات الوزن ونوع المواد والبضائع والسلع المنقولة، وتحدد الوقت -ليلي أو نهاري- فضلاً عن تاريخ انطلاق الشاحنة. وفي حال خصول خلل بشروط الرحلة فيجب على السائق أن يدفع الفرق الذي يقدره قائد الحاجز، فضلاً عن الإكراميات والرشاوي الإجبارية التي تدفع لتسريع المرور بكل حاجز للفرقة. 

وتدفع شركات نقل الركاب الأتاوى الخاصة بها ايضاً، إضافة لما قد يدفعه بعض الركاب عند تفتيش حقائبهم. فالأجهزة الكهربائية وإن كانت مستعملة، والثياب الجديدة وعلب الدواء والهدايا، تثير انتباه العناصر، الأمر الذي يحول إلى قائد الحاجز الذي يقرر إن كانت البضاعة تجارية مهما كانت قليلة أو للاستخدام الشخصي. وفي الحالات التي يغضب فيها هذا القائد تصادر الحقيبة وأحياناً يتهم صاحبها بأنه مهرب ويلقى القبض عليه قبل أن يسجن ويحول إلى المحاكمة بهذه التهمة. 

يقول أحمد (اسم مستعار) وهو تاجر من ديرالزور يتتبع المزادات التي تعلن عنها أمانة الجمارك، أن الجمارك تقدم بعض الخدمات للفرقة الرابعة من خلال المزادات التي تقيمها لمصادرات الفرقة، حيث تُعرض هذه المصادرات وبعضها من ديرالزور للبيع على أنها بضائع متروكة في الموانئ أو المناطق الحرة أو بضائع صادرتها الضابطة الجمركية. 

لا تنحصر "ضرائب" الفرقة الرابعة بحواجزها على الطرق الرئيسية بين ديرالزور والمحافظات الأخرى، بل تفرض حواجز الفرقة القريبة من معابر التهريب على نهر الفرات بين منطقة سيطرة النظام ومنطقة سيطرة "قسد"، وكذلك الحواجز الأخرى على الطريق بين مدينتي المياذين والبوكمال، الأتاوى المتزايدة بما يتناسب مع انهيار الليرة السورية على كل شيء يمر عبر هذه الحواجز. فنقل كيس سماد أو بذار على جرار زراعي، أو انتقال بضع رؤوس من الماشية، أو اسطوانة غاز أو "غالون" مازوت، يتطلب تسوية مالية مباشرة مع الفرقة، وأما الحبوب والنفط المهرب بكميات كبيرة لصالح النظام، فيتطلب اتفاقات مسبقة مع إدارة المكتب الأمني في مقره الرئيسي في منطقة السومرية غرب دمشق. يقدر أحمد المبلغ  التقريبي الذي تدفعه شركة القاطرجي لمكتب السومرية، كرسوم ثابتة وشهرية مقابل "رخصة" العمل بديرالزور، بمليار ليرة، إضافة لما تدفعه وبحسب الكمية عن كل شحنة نفط تنقل لصالحها عبر حواجز الفرقة في ديرالزور. 

ومثلما تعد الخردة والمعادن المسروقة، عملاً احتكارياً خاصاً بالفرقة الرابعة، كذلك عمليات التنقيب عن الآثار. فبعد ست سنوات تقريباً من نهب الآثار والتنقيب العشوائي في المواقع، واصل المكتب الأمني للفرقة الرابعة ومنذ مطلع العام 2018 تقريباً عمليات التنقيب في مواقع ماري ودورا أوروبوس وفي بلدة بقرص وغيرها من المواقع والتلال الأثرية على طول وادي الفرات بمنطقة الشامية بديرالزور. أحياناً وعندما يشك المشرفون على أعمال الحفر بوجود لقى أثرية نوعية، يستقدم المكتب الأمني خبراء آثار من دمشق، كما يؤكد بعض عمال الحفر المحليين الذين عملوا لصالح الفرقة