العائدون إلى العشارة يفرون مجدداً منها

متداولة لمدخل العشارة

بعد كثرة الوعود التي أطلقها النظام السوري بعودة آمنة للمهجرين، وبعد ضمانات قدمها سماسرة وأعوان النظام للمدنيين بعدم التعرض لهم، عاد عدد من الأهالي إلى مدينة العشارة في محافظة ديرالزور ليتفاجأوا بأن الضمانات التي قدمت لهم لم تكن أكثر من وعود كاذبة. وهكذا سيق عدد منهم للمشاركة في القتال في شمال غربي سوريا بعد تجنيدهم بالقوة في صفوف الميليشيات الموالية للنظام، كما تعرض آخرون منهم للابتزاز المالي، دون أن يستطيع أقاربهم خارج مناطق سيطرة النظام أن يفضحوا ممارسات أولئك السماسرة.

في الريف الشرقي لديرالزور (الشامية) الخاضع لسيطرة قوات وميليشيات النظام وحلفائه، تقع مدينة العشارة التي دخلت ساحة الأحداث منتصف العام ال 2012 حين سيطرت قوات المعارضة السورية متمثلة بالجيش الحر عليها بعد طرد قوات النظام، لكنها عادت إلى الهامش كما هو موقعها في أقصى الريف السوري بعد سيطرة تنظيم الدولة "داعش" عليها تمرز العام 2014، وقد استمرت سيطرة التنظيم على المدينة الى خريف العام 2017 حين سيطرت عليها مليشيات النظام السوري والمليشيات الطائفية التابعة لإيران بغطاء جوي روسي، ليستمر المدينة في غيابها.

مع اقتراب قوات النظام من العشارة عام 2017 غادرها جميع سكانها في نزوح جماعي إلى الضفة الأخرى من النهر، ومن هناك أكمل قسم منهم باتجاه مناطق "درع الفرات" ثم إدلب وتركيا، بينما بقي قسم في منطقة الجزيرة من ديرالزور التابعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية". وفي مناطق نزوحهم اتصل بالأهالي وسطاء لدى النظام، وأكدوا لهم وجود تعهدات من النظام بعدم المساس بهم في حال عودتهم إلى المدينة، فعاد إلى العشارة نازحون من الضفة الأخرى ليجدوا أنفسهم في مواجهة أوضاع أقل ما يقال عنها مأساوية.

فإضافة الى حملات الاعتقال التي تشهدها المدينة، والتي طالت كل من كان له صلة بعيدة بنشاطات ثورية أو مدنية حتى لو كانت علاقات صداقة أو قرابة، فهناك ينتظر العائدين كذلك الاعتقال بهدف الابتزاز المالي، وهذا جعل كثير من العائدين إلى المدينة يفرون منها مجدداً إلى الجهة المقابلة من نهر الفرات حيث تسيطر قوات قسد خوفاً من تلك الاعتقالات. وبحسب أحد العائدين الذين فروا مجدداً من المدينة خوفاً من الاعتقال، فإن "هناك العديد من الأشخاص في المدينة يعملون سماسرة لدى ضباط النظام يقومون بكتابة التقارير بالعائدين ليتم اعتقالهم من الأمن العسكري، ومن ثم يصبح ذات السماسرة وسطاء بين أهالي المعتقلين والضباط، يقبض هؤلاء لإطلاق سراح المعتقلين مبالغ مالية طائلة، الأمر الذي جعل أعداد العائدين إلى المدينة تنخفض بشكل كبير مؤخراً".

في هذا الجانب تلعب سطوة الميليشيات المحلية دوراً كبيراً في تقرير مصير المعتقلين، والذين يكتشف بعضهم أنهم غير مدرجين على قوائم المطلوبين لدى أجهزة النظام الأمنية. يروي أحد أهالي العشارة لعين المدينة عن قريبه الذي لم يشترك بأي نشاط مدني أو ثوري طوال السنوات الماضية. "مع بدء عودة بعض المدنيين رجع إلى المدينة حيث استقر هناك لأقل من شهر، ثم اعتقله عناصر الدفاع الوطني المحليون، وبعدها أحيل الى الأمن العسكري في مدينة ديرالزور ثم دمشق، حيث قضى ثلاثة أشهر في السجن، أفرج عنه بعدما دفع مبلغ 2,5 مليون ليرة سورية، وبعد فترة من استقراره في مدينة اللاذقية تأكد أنه لم يكن مطلوباً إطلاقاً لأي جهة أمنية".

يشكل الانفلات الأمني الخطر الأكثر إلحاحاً رغم ذلك، بسبب سيطرة المليشيات على المدنية ووجود أكثر من سلطة داخلها تتصارع في ما بينها، وتتصدر مليشيات الدفاع الوطني كأبرز قوة مسيطرة في داخل المدينة، إلى جانب تواجد للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والحرس الثوري الإيراني والأجهزة الأمنية المعروفة.

ولأن قسم من العائدين إلى المدينة عادوا عبر المصالحات، فقد انضموا لصفوف الدفاع الوطني ذاتها التي تتحكم بمصير العائدين، وقد تم إرسال دفعات كثيرة منهم الى جبهات حماة وإدلب رغم قطع وعود لهم بالخدمة في مدينة العشارة. ورغم أن بعض من عاد لم يكن في دائرة التجنيد الإجباري بسبب الدراسة أو العمر، ولكن مع مرور الوقت قامت قوات النظام باعتقالهم بحجة أنهم أصبحوا في عمر الخدمة الالزامية أو انتهاء تأجيلهم.

ولتكتمل مأساة الذين وقعوا ضحايا سماسرة النظام وأعوانه، فإن ذويهم غير قادرين على الشكوى من هؤلاء السماسرة والأعوان حتى في مناطق نزوحهم. ويرفض من تكلمت عين المدينة معهم الإدلاء بأي معلومات إضافية عن تلك الشخصيات باستثناء ذكر نشاطاتهم بالعموم، وذلك لاعتبارات عدة أولها اجتماعي سببه احترام أقرباء الوسطاء أو الحذر منهم، وآخرها أمني يفرضه الخوف من مؤيدي تلك الشخصيات وما يمكن أن يفعلوه لأقربائهم في المدينة أو حتى في مناطق النزوح.