لا تزال إيران ترسل المزيد من قوّاتها إلى حلب، وقبل أيامٍ خرج الأمين العام لحزب الله ليؤكد أن معركته في حلب مسألةٌ مصيرية، ويترافق ذلك مع استمرار وصول أفواجٍ جديدةٍ من المرتزقة العراقيين والأفغان وغيرهم؛ فلماذا وما هي أهمية حلب؟
كثيرةٌ هي الأسباب التي تجعل من حلب بهذه الأهمية، إلا أننا سنستدعي التاريخ هذه المرّة ليحدثنا عن جزءٍ يسيرٍ من مركزية هذه المدينة.
فتّش عن إسرائيل!
ليس خافياً على أحدٍ أن الوصول إلى أيّ تسويةٍ أو حلٍّ في سورية لا بد أن يمرّ عبر إسرائيل، بوصفها الطرف الأكثر تضرّراً من أيّ تحررٍ وانسلاخٍ للشعوب عن حكم الأنظمة الحامية لحدود فلسطين المحتلة. وقد قالها صراحةً رئيس الموساد السابق (أفرايم هاليفي)، في مقالٍ نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأميركية منتصف 2013، بأن بشار الأسد هو «رجل تل أبيب في دمشق»، وأن إسرائيل تضع في اعتبارها -منذ اندلاع الثورة السورية- أن هذه العائلة تمكّنت من الحفاظ على هدوء جبهة الجولان طيلة 40 عاماً!
صلاح الدين الأيوبي من حلب إلى القدس
حين أراد صلاح الدين تحرير بيت المقدس من الصليبيين أدرك أن ذلك غير ممكنٍ ما لم تكن لديه حاضنةٌ وخزّانٌ بشريٌّ حول القدس، ما دفعه إلى الالتفات والبدء بتطهير دمشق وحلب والقاهرة من حكم الفاطميين والعُبيْديين. وكانت قناعة الفاتح ترى في حلب «الباب الذي سيفتح له الأراضي، وأن هذه المدينة هي عينُ الشام وقلعتها وبؤبؤها»، ومن وجهة نظره فإن السيطرة على حلب ستمكنه لاحقاً من تهديد الساحل الصليبيّ كله!
تمكن الأيوبيّ من ضمّ مصر إلى مُلْكه، والتفت إلى دمشق لاجتثاث حكم الفاطميين، ثم أدار معركة حلب الشهيرة وانتصر فيها؛ الآن أصبح ظهره آمناً من غدرٍ كان يخشاه، ليتوجه بعدها إلى القدس ويقود معركة حطين، ثم يدخلها فاتحاً في السابع والعشرين من رجب عام 583 للهجرة، الموافق لتشرين الأول من عام 1187 ميلادي.
وحدة الدم والمصير...
لا شك أن مصير فلسطين مرهونٌ بما حولها، وتحرّر السوريين يعني اقتراب الفرج للفلسطينيين، ففلسطين هي ذاك الحلم المزروع في وجدان كلّ عربيٍّ ومسلمٍ غيور، ولا يزال الثرى الفلسطينيّ عبِقاً بدماء السوريين الذين انتفضوا لأجله واستشهدوا فداءً له.
فمن جبلة كان المجاهد محمد عز الدين القسام، أحد أبرز رموز المقاومة في فلسطين، ومن حلب كان المجاهد حسن خربوطلي وغيره كثير ممن لبوا نداء فلسطين وشدوا الرحال إليها، بعد تشكيل فرقة أسود الشهباء التي ضمت نخبةً من شباب المدينة توجهوا للدفاع عن القدس تحت لواء جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي إبان الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني؛ نعم لقد كانت سورية بوابة العبور إلى فلسطين، ومنها وَفَدَ آلاف المجاهدين إلى المدن الفلسطينية.
نكبة العرب في فلسطين وفي حلب!
كثيرةٌ هي الأنظمة التي تاجرت بفلسطين وبالفلسطينيين، إلا أن الأسد «الممانع» كان أشدها سوءاً؛ ففي الواقع لم يكن حزب البعث يوما داعماً لفلسطين أو لقضيتها، بل إن الفلسطينيين كانوا ولا زالوا من أكثر الشعوب تعرّضاً لإجرام النظام منذ ما يقارب الخمسين عاماً؛ فلا تزال مجزرة تل الزعتر في لبنان شاهدةً على نظام البعث الذي ساعد الميليشيات حينها على تلك الجريمة، وكذلك مجازر الثمانينات ضد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية بدعمٍ من النظام لحركة أمل.
فلسطين عند أنظمة المقاومة ليست سوى أداة سياسية يتاجرون بها في المحافل العربية والدولية، وورقة توتٍ يسترون بها تخلّف البلاد ونهب خيراتها في ظلّ حكمهم.
من حاصر مخيّم اليرموك لن يحرّر القدس!
قد يقول قائل: أليس من الممكن أن يتجه جيش الأسد وميليشياته لتحرير القدس بعد السيطرة على حلب وإعادة «الأمان» إلى دمشق؟
أقول: إنّ من اتهم الفلسطينيين بالوقوف وراء مظاهرات درعا الأولى، ومن منع دخول الطعام وحتى حليب الأطفال إلى مخيّم اليرموك بدمشق، ومن سامَ السوريين والفلسطينيين سوء العذاب في فرعٍ أسماه فلسطين، ومن أسّس لواء القدس وأطلق يده في دماء وأموال السوريين؛ هل يعقل أن يحرّر أيّ شبرٍ من فلسطين ويذود عن أهلها؟
إن من يقتل باسم الحسين، ويذبح ويسلخ باسم زينب، من يشتم الصحابيّ عمر فاتح القدس، ومن يقتل على الهوية باسم الوطنية... لن يكون له من تحرير الإنسان ولا الأوطان إلا شعارات حزب البعث وجعجعة أنظمة الممانعة!